الليل سكون وهدوء وفي هذا الهدوء تركيز وصفاء والناس نيام، وفي ذلك بعد عن الرياء. الليل خلوة مع الله وفي الخلوة مع الله قرب وأنس ومناجاة. الصلاة زاد ولكنها في سكون الليل وفي جوف الليل يزداد بها القرب والزاد والعطاء. في ثنايا الليل قيام وركوع وسجود وذكر وتسبيح وقرآن وتوبة واستغفار ومناجاة ودعاء وبكاء من خشية الله وفي كل من ذلك زاد: ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) ﴾ [ الإِنسان: 26 ].
الذين يسلكون طريق الدعوة والتربية أحوج ما يكونون إلى قيام الليل فقد وجه الله رسوله صلى الله عليه وسلم : ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) ﴾ [ المزمل: 1-6 ].
فضل قيام الليل
في قيام الليل مجاهدة وتقوية للإِرادة والعزيمة ومغالبة الشيطان وترويض للنفس على الخضوع لله، والقيام بالليل والناس نيام فيه خلوص وتجرد وإِخلاص لله وتخلية للقلب من أي أثر للرياء.
كلنا مذنبون مقصرون فما أجدرنا أن نطرق باب الله وقت السحر ونسأله المغفرة والرحمة: ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17)﴾ [آل عمران: 16 – 17]. وما أجدر بأصحاب الدعوات الذين يتعرضون لأذى الأعداء وكيدهم أن يستعينوا عليهم بسهام القدر و.
قم يا أخي بالسحر وادع الله وقل: اللهم إِنا ندرأ بك في نحور الأعداء والجبارين ونعوذ بك من شرورهم.
وقل: ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ونجنا من القوم الكافرين.
وقل: اللهم اهزم أعداء الدين وانصرنا نصراً عزيزاً يشفي صدورنا ويذهب غيظ قلوبنا. وما يفتح الله به عليك من دعاء.
إِن البيت الذي يحيي الليل بالقيام بيت تحفه الملائكة وتتنزل عليه الرحمة وتسوده السعادة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فإِن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإِن أبى نضحت في وجهه الماء )) رواه أبو داود والنسائي ( زاد على الطريق – أ. مصطفى مشهور ).
ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل نام ليلة حتى أصبح قال: (( ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه – أو قال في أذنه )) رواه البخاري ومسلم والنسائي.
يقول د. يوسف القرضاوي في كتاب [المنتقى من كتاب الترغيب والترهيب]: تعبير (( بال الشيطان في أذنيه )) تعبير نبوي مبتكر لم تعرفه العربية قبله، وإِن بوله لثقيل، كما قال الحسن رضي الله عنه، وما أكثر الذين جعلوا آذانهم مباول للشيطان.!
وفي ترجمة حسن بن صالح بن حيي أنه باع جارية فلما صارت عند الذي اشتراها قامت من جوف الليل فقالت: يا أيتها الدار الصلاة… الصلاة.. قالوا: طلع الفجر؟ قالت: وليس تصلون إِلا الصلاة المكتوبة؟! قالوا: نعم، ليس نصلي إِلا المكتوبة. فرجعت إِلى الحسن وقالت: بعتني إِلى قوم ليس يصلون بالليل فردني. فردها. ( رهبان الليل ج1 ص 14 ).
المعينات على قيام الليل
يلخص لنا الأستاذ مصطفى مشهور في زاد على الطريق: ومما يعينك على قيام الليل: إِخلاص النية، واستحضار العزيمة، وتجديد التوبة، والبعد بالنهار عن المعصية، والتبكير بالنوم، والقيلولة إِن أمكن، والاستعانة بالله.
ويرشدنا الإِمام الغزالي في الإِحياء إِلى أسباب ظاهرة وأخرى باطنة.. فأما الظاهرة:
1- ألا يكثر الأكل فيكثر الشرب فيغلبه النوم ويثقل عليه القيام (( رأى معقل بن حبيب قوماً يأكلون كثيراً فقال: ما نرى أصحابنا يريدون يصلون الليلة )).
2- الاقتصاد في الكد نهاراً فلا يتعب في الأعمال التي تعيا بها الجوارح والأعصاب.
3- الاستعانة بالقيلولة نهاراً: مر الحسن بقوم في السوق فرأى صخبهم ولغطهم فقال: أما يقيل هؤلاء؟ قالوا: لا. قال: إِني لأرى ليلهم ليل سوء.
4- ترك المعاصي فإِنها تقسي القلب وتحول بينه وبين أسباب الرحمة. قال رجل لإِبراهيم ابن أدهم: إِني لا أقدر على قيام الليل فصف لي دواء؟ فقال: “لا تعصه بالنهار وهو يقيمك بين يديه في الليل، فإِن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف”.
5- التبكير بالنوم وعدم السهر من غير ضرورة. عن معاوية بن مرة أن أباه كان يقول لبنيه إِذا صلى العشاء: يا بني ناموا لعل الله يرزقكم من الليل خيراً.
6- النوم على الجانب الأيمن – سنة النبي صلى الله عليه وسلم – وعلى فراش غير مبالغ فيه.
وأما الأسباب الباطنة التي يرشدنا إليها الإمام الغزالي:
1- سلامة القلب من الحقد وصيانته عن فضول هموم الدنيا، فالمستغرق في الهمّ بتدبير الدنيا لا يتيسر له القيام وإِن قام فلا يتفكر إِلا في مهامه ووساوسه.
2- خوف غالب يلزم القلب مع قصر الأمل فإِنه إِذا تفكر في أهوال الآخرة ودركات جهنم طار نومه وعظم حذره.
3- أن يتذكر فضل قيام الليل بسماع الآيات والأخبار والآثار.
4- الحب لله وقوة الإِيمان، فإن العبد إِذا أحب الله تعالى أحب لا محالة الخلوة به، وأحب التلذذ بمناجاته فتحمله لذة المناجاة على طول القيام.
– أن يضع التوجيهات والوصايا والنصائح محل التنفيذ:
يا أخي لعل أطيب أوقات المناجاة أن تخلو بربك والناس نيام والخليون هجع وقد سكن الكون كله، وأرخى الليل سدوله وغابت نجومه، فتستحضر قلبك وتتذكر ربك وتتمثل ضعفك وعظمة مولاك فتأنس بحضرته ويطمئن قلبك وتفرح لفضله ورحمته، وتبكي من خشيته وتشعر بمراقبته وتلح في الدعاء وتجتهد في الاستغفار وتفضي بحوائجك لمن لا يعجزه شيء ولا يشغله شيء عن شيء، إِنما أمره إِذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون وتسأله لدنياك وآخرتك وجهادك ودعوتك وآمالك وأمانيك ووطنك وعشيرتك ونفسك وأخوتك ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) ﴾ [ آل عمران: 126 ]. ( رسالة مناجاة للإِمام الشهيد حسن البنا ).
– يا أخي قم من الليل قيام العبد الفقير الذليل؛ يتسلل في جنح الظلام ليطرق باب سيده الكريم، ويقف على أعتاب بابه في ذل وانكسار وشعور بالتقصير واعتراف بالذنوب وإِحساس بالحاجة الملحة إِلى عفو سيده ورضاه عنه مع الرجاء الملح في رحمته ورضوانه وجناته. اطرق يا أخي باب مولاك في ظلام الليل بركعات خاشعة وسجدات طويلة ودعوات خالصة وتسبيحات ودمعات من خشيته، وكن موقناً بإِجابة ربك لدعواتك. ولا تنس في هذه الغمرة من الخير دعوتك فتسأل الله النصر والتمكين لدينه وتدعو لإِخوانك بظهر الغيب. (زاد على الطريق أ. مصطفى مشهور ).