تُمثّل قصة مؤمن آل ياسين نبراسًا للدعاة في كيفية الصبر على الدعوة، وتحمّل المشاق من أجل نجاحها وإيصالها إلى الناس، حتى وإن كان الثمن التضحية بالنفس، فصاحب هذه القصة ضحّى بنفسه من أجل الدعوة، ولم يكتف بدعوة قومه حيًّا، بل تمنى هدايتهم بعد قتلهم إياه.
مختصر قصة مؤمن آل ياسين
وذكر أهل العلم والتفسير أنّ مؤمن آل ياسين هو حبيب النجار وقيل: حبيب بن مري، وقيل أنّه كان يعمل في النجارة، وهو واحدٌ من سكان القرية التي جاءها المرسلون والتي قال عنها المفسرون إنها أنطاكية: (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ) [يس: 13]، فكذب سكان تلك القرية بالرسل الثلاث الذين أُرسلوا إليهم وكان رجلٌ من هذه القرية آمن بدعوة هؤلاء المرسلين وقرر المساهمة في نشر الدعوة إلى الله لذلك أُطلق عليه في كتب التفسير اسم مؤمن آل ياسين رغم سكنه في أقصى المدينة.
وقال هذا الرجل لقومه بأسلوبٍ لطيفٍ: اتبعوا من لا يسألكم أجرًا في إيماءةٍ إلى حُسن نوايا هؤلاء المرسلين، ممّا يدلل على أنّ نصيحتهم لوجه الله تعالى، ثم أظهر لقومه إيمانه بالله، ونبذ عبادة الأصنام التي كان عليها قومه مبررًا ذلك بأن الله هو الخالق وإليه يرجع الناس وهو النافع والضار؛ فكان جزاؤه دخول الجنة بعد أن قُتل وعندما رأى نعيم الجنة قال: يا ليت قومي يعرفون بهذا النعيم.
وبعد مقتله على يد قومه أنزل الله عليهم العذاب الأليم، حيث أرسل الله إليهم ملك قيل إنه سيدنا جبريل- عليه السلام- فصاح صيحة واحدة فهلكت القرية بمن فيها جزاءًا على كفرهم واستهزائهم بكل رسول يُرسل إليهم.
فوائد وعبر من قصة مؤمن آل ياسين
ويمكن أن نشير الفوائد والعبر من قصة مؤمن آل ياسين الذين آمن بربه وكذبه قومه، وذلك على النحو التالي:
- ترْك التعرُّض لِمَا لا فائدة فيه: وعدم الانشغال بما سكت عنه القرآن من أسماء الأماكن والأشخاص، ويشير إلى ذلك قول الله- سبحانه تعالى-: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ﴾ [يس: 13]، فاسم القرية لا يعنينا في شيء، وإنما يعنينا ما وقع فيها من أحداث؛ لذا قال العلامة السعدي ما مختصره: “لو كان في تعيين تلك القرية فائدة لعيَّنها الله، فالتعرُّض لذلك وما أشبهه من باب التكلُّف والتكلُّم بلا علم، ولهذا إذا تكلم أحدٌ في مثل هذا تجد عنده من الخبط والخَلْط وتشويش الذهن، وذكر الأقوال التي لا دليل عليها، ولا يحصل منها فائدة- ما يعرف به أن طريق العلم الصحيح هو الوقوف مع الحقائق، وترْك التعرُّض لما لا فائدة فيه، وبذلك تزكو النفس، ويزيد العلم”.
- الترفُّع عن طلب الأجر الدنيوي: وهذا من أسباب قَبول دعوة الداعين إلى الحق؛ ولذا قال هذا المؤمن لقومه: ﴿اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [يس: 21]، ونلاحظ أنّ عدم سؤال الأجر قُدِّمَ على الاهتداء؛ لأنّ القوم كانوا في شكٍّ من صِدْق المرسلين، وكان من دواعي تكذيبهم اتهامُهم بأنهم يَجرُّون لأنفسهم نفعًا ماديًّا من وراء ذلك.
- أخْذ الدعوة إلى الله بجِدٍّ واجتهاد: وهذا ملاحظ في مجيء الرجل من مكان بعيد ليقوم بواجبه في دعوة قومه إلى الحق، وكفِّهم عن البغي، يقول تعالى: ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى﴾ [يس: 20]، وفي هذا الجزء من الآية ثلاثُ لطائف: الأولى: أن الله- عز وجل- يخلق رجالًا يعشقون الحقيقة، ويضحُّون من أجلها ويعانون في سبيلها، والثانية: أنّ القرآن لم يذكر اسم هذا الرجل المنصف، ولعل الحكمة في ذلك ليكون أسوة للرجال الذين إن حضروا لم يُعرفوا، وإن غابوا لم يُفتقدوا، والثالثة: وصف هيئة مجيئه بالسعي، وهذا يفيد- كما يقول العلامة الطاهر بن عاشور- أنه جاء مسرعًا، وأنه بلَغَه هَمُّ أهل القرية برَجْم الرسل أو تعذيبهم، فأراد أن ينصحهم خشيةً عليهم وعلى الرسل، وهذا ثناء على هذا الرجل، يفيد أنه ممن يُقتدى به في الإسراع إلى تغيير المنكر.
- الحث على استخدام أسلوب الإقناع مع المدعوين: فقد كان مِن نُصح هذا الرجل لقومه أنه قال لهم: ﴿وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [يس: 22]؛ حيث أخرج الحجة عليهم في معرِض المخاطبة لنفسه تأليفًا لهم. قال العلامة السعدي: والمعنى “وما المانع لي من عبادة مَن هو المستحِقُّ للعبادة؛ لأنه الذي فطرني وخلقني ورزقني، وإليه مآل جميع الخلق، فيجازيهم بأعمالهم.. فجمع في هذا الكلام بين نُصحهم والشهادة للرسل بالرسالة والاهتداء، والإخبار بتعيُّن عبادة الله وحده”.
- تمنِّي الخير للمدعوين بدلًا من الشماتة بهم: قال ابن عباس في تفسير قوله تعالى: ﴿قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾ [يس: 26، 27]: “نصح قومه حيًّا وميتًا”.
- اختيار الأسلوب الحسن واللطيف في مخاطبة المعارضين ومحاولة إقناعهم باللين وضرب المثال والتلميح وترك الاستنتاج المنطقي لهم.
- النصيحة يجب أن تكون خالصةً لله وهدفها جلب الخير أو دفع الضرر لا التشهير أو التصغير.
- الترفع عن قبول أي أجرٍ ماديٍّ أو معنويٍّ مقابل الدعوة إلى الله أو أن يكون الهدف منها السعي نجو الأضواء والشهرة.
- الدعوة إلى عبادة الله بأسلوب لطيف غير حاد ومخاطبة المعارضين بأسلوب مقنع.
- الموت في سبيل الله جزاءه الجنة ورحمة الله عز وجل.
هكذا تبدو قصة مؤمن آل ياسين نموذج لداعية مخلص لله- عز وجل- بدأت قصته سريعة وانتهت سريعة، لكن نهايتها من أعظم النهايات وعمله أفضل عمل للدعاة إلى الله.
مصادر ومراجع:
- أحمد فريد: قصة مؤمن آل ياسين.
- خالد بن عبدالله الشايع: قصة مؤمن آل ياسين والعبرة منها.
- فاطمة أحمد مكي: فوائد للدعاة من قصة مؤمن آل ياسين.
- فاطمة علي: قصة مؤمن آل ياسين.
- محمد علي يوسف: رجلٌ يسعى.