سلّطت بعض الدراسات الضوء على السنن المنسية في عيد الفطر في ظل انتشار مظاهر الحداثة التي حجبت الرؤية عن كثير من الأفعال والأقوال التي كان النبي- صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام حريصين عليها، كونها تُمثل شعائر هذا الدين الحنيف الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ويُرشد أصحابه إلى خيري الدنيا والآخرة.
والعيد مساحة للفرح والأمل والتفاؤل، وفيه يُجدد المؤمن فرحته بانتمائه إلى الدين، وعيد الفطر أو كما يُطلق عليه البعض العيد الصغير، يملك خصوصيةً كبيرةً في النفوس، إذ إنه يأتي بعد انقضاء عبادة شهر كامل، ألا وهو شهر رمضان المبارك، لهذا يكون يوم الفرح الكبير ويوم الجائزة كما وصفه الرسول- صلى الله عليه وسلم-.
السنن المنسية في عيد الفطر
يفرح المسلمون في أنحاء العالم كل عام بحلول عيد الفطر المبارك، الذي يأتي بعد انتهاء شهر رمضان الكريم المليء بالطاعة والخير، ومع ذلك ينسى كثيرٌ من الناس أن العيد- أيضًا- فيه طاعات وعبادات وسُنن لا ينقطع خيرها وثوابها، ومن السنن المنسية في عيد الفطر أو المهجورة:
- الأكل في عيد الفطر قبل الخروج للصلاة: فيُسَنُّ للمسلم أن يأكل تمرات وترًا قبل أن يخرج لصلاة عيد الفطر؛ مبادرة إلى فطر هذا اليوم الذي أوجب الله فطره، وتمييزًا لهذا اليوم بالأكل عن الأيام التي قبله.
عَنْ أَنَسٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: “كَانَ رَسُولُ اللهِ لاَ يَغْدُو يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمرَاتٍ”، (البخاري)، وعن بريدة- رضي الله عنه- قال: “كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لا يخرج يومَ الفطرِ حتى يطعمَ، ولا يطعمُ يومَ الأضحى، حتى يصلي” (صحيح الترمذي).
- الصلاة في الخلاء: كانت من السنن المنسية حتى وقت قريب، حتى إن كثيرًا من العلماء والناس يفتي بعدم الصلاة في الخلاء، غير أن الأفضلية تكون لصلاة الخلاء عن المساجد- إذا كان الجو ملائمًا- وذلك لاجتماع أكبر عدد من المسلمين رجالًا ونساءً وأطفالًا في هذا المكان لإظهار الفرحة وشهودها، يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي: إن الحكمة من صلاة العيد في العراء هي أن مكانة الصلاة نفسها، وكذلك شهود مشهد للخير وجماعة المسلمين في أبهى حُلَلِهِم.
- الذهاب إلى المصلى سيرًا على الأقدام: روى ابن ماجه عن ابن عمر قال: “كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخرج إلى العيد ماشيًا، ويرجع ماشيًا”، (حديث حسن). وحيث يظهر فيه الجميع سواسية، فلا يتأثر الفقير حينما يرى الأغنياء يتجهون بسياراتهم، أضف لذلك التواد والتراحم والألفة بين الجميع أثناء السير، ومهابة المنظر حينما يخرج الجميع سيرًا إلى مصلى العيد، هذا إذا كان مصلى العيد قريبًا ولا يشقُّ المشي إليه؛ فإن احتاج إلى ركوب إحدى وسائل المواصلات فلا حرَج في ذلك، روى الفريابي عن سعيد بن المسيب أنه قال: “سنة الفطر ثلاث: المشي إلى المصلى، والأكل قبل الخروج، والاغتسال” (إسناده صحيح).
- الخروج إلى المصلى من طريق والرجوع من أخرى: من السُّنة أن يذهب المسلم إلى مصلى العيد من طريق، ويعودَ من طريق آخر، روى البخاري عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: “كان النبي- صلى الله عليه وسلم- إذا كان يوم عيدٍ خالفَ الطريق” (البخاري). والحكمة في ذلك كما قال العلماء: أن يشهد له الطريقان.
من السنن المنسية في عيد الفطر.. خروج النساء والصبيان للصلاة
- خروج النساء والصبيان إلى المصلى، فقد فرضت الأوضاع التي ابتليت بها الأمة في العصر الحديث من احتلال، ومحاربة مظاهر التدين، وعدم إقامة شعائر الإسلام على الوجه الحق، وإن كانت الأوضاع أصبحت أفضل حالًا عن ذي قبل.
غير أنّ كثيرًا من الناس يتحرج من تنفيذ سنة ووصايا النبي- صلى الله عليه وسلم-، خصوصًا السماح للنساء بالخروج لمصلى العيد، أو تحرج العديد من النساء للخروج، على الرغم من كونها وصية من وصايا الرسول أن يشهد العيد الجميع بما فيهم الحائض على أن تعتزل المصلى فحسب.
ويساير ديننا الإسلامي الحنيف الفطرة البشرية السليمة، حينما أباح للنساء- حتى الحيَّضِ منهن- الذهاب إلى المصلى، على أن ألا تخرج المرأة متبرجة ولا متعطرة، ولا بثياب تلفت أنظار الرجال إليها، ولا تختلط بالرجال من غير المحارم، ولا تصافح غير محارمها، ولا ترفع صوتها بالتكبير إلا بقدر ما تُسمع نفسها أو مَن معها من النساء أو من محارمها.
روى البخاري عن أم عطية قالت: “كنا نُؤمر أن نَخرج يوم العيد حتى نُخرِج البِكْر من خِدْرها، حتى نُخرج الحُيَّض، فيَكنَّ خلف الناس فيُكبِّرن بتكبيرهم ويَدعون بدعائهم؛ يَرجون بركة ذلك اليوم وطُهرته” (البخاري).
التبكير إلى الصلاة والجهر بالتكبير
- ومن السنن المنسية في عيد الفطر التبكير إلى مصلى العيد؛ فقد أصاب الناس في الآونة الأخيرة آفة التأخر في صلاة العيد حتى يكبر الإمام للصلاة، فتجد الجميع يهرول حتى يلحق بالتكبير في مشهد حزين، مع العلم أن مما ورد عن الصحابة في سيرهم هو التبكير إلى مصلى العيد والسير باطمئنان.
قال ابن أبي شيبة: حدثنا ابن عُليَّة، عن أيوب، عن نافع قال: “كان ابن عمر يصلي الصبح في مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ثم يغدو كما هو إلى المصلى”، (إسناده صحيح). وقال الإمام البغوي: “يُستحب أن يغدوَ للناس إلى المصلى بعدما صلَّوا الصبح لأخذ مجالسهم”.
- والجهر بالتكبير حتى خروج الإمام لصلاة العيد من السنن المنسية؛ فقد كان الصحابة يكبرون أثناء توجههم للمصلى، وإذا كانوا في المصلى. روى البيهقي عن عبد الله بن عُمر: “أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يَخرج في العيدين مع الفضل بن عباس، وعبد الله، والعباس، وعلي، وجعفر، والحسن، والحسين، وأسامة بن زيد، وزيد بن حارثة، وأيمن ابن أم أيمن، رضي الله عنهم، رافعًا صوته بالتهليل والتكبير”، (حديث حسن).
وهي من السنن التي يتحرج الكثيرين فعلها أثناء توجههم للمصلى، وللتغلب على ذلك السير في جماعات أثناء التوجه للمصلى رافعين أصواتهم بالتكبير. روى الدارقطني: “أن ابن عمر كان إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى، ثم يكبر حتى يأتي الإمام” (صحيح).
- ومن بين السنن المنسية في عيد الفطر عدم إلقاء خطبة العيد على منبر؛ فلم يكن النبي- صلى الله عليه وسلم- يخطب العيد للناس على منبر على الراجح. فعن أبي سعيد الخدري قال: “كانَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَخْرُجُ يَومَ الفِطْرِ والأضْحَى إلى المُصَلَّى، فأوَّلُ شَيءٍ يَبْدَأُ به الصَّلَاةُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ، والنَّاسُ جُلُوسٌ علَى صُفُوفِهِمْ، فَيَعِظُهُمْ، ويُوصِيهِمْ، ويَأْمُرُهُمْ، فإنْ كانَ يُرِيدُ أنْ يَقْطَعَ بَعْثًا قَطَعَهُ، أوْ يَأْمُرَ بشيءٍ أمَرَ به، ثُمَّ يَنْصَرِفُ. قالَ أبو سَعِيدٍ: فَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ علَى ذلكَ حتَّى خَرَجْتُ مع مَرْوَانَ – وهو أمِيرُ المَدِينَةِ – في أضْحًى أوْ فِطْرٍ، فَلَمَّا أتَيْنَا المُصَلَّى إذَا مِنْبَرٌ بَنَاهُ كَثِيرُ بنُ الصَّلْتِ، فَإِذَا مَرْوَانُ يُرِيدُ أنْ يَرْتَقِيَهُ قَبْلَ أنْ يُصَلِّيَ، فَجَبَذْتُ بثَوْبِهِ، فَجَبَذَنِي، فَارْتَفَعَ، فَخَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَقُلتُ له: غَيَّرْتُمْ واللَّهِ، فَقالَ أبَا سَعِيدٍ: قدْ ذَهَبَ ما تَعْلَمُ، فَقُلتُ: ما أعْلَمُ واللَّهِ خَيْرٌ ممَّا لا أعْلَمُ، فَقالَ: إنَّ النَّاسَ لَمْ يَكونُوا يَجْلِسُونَ لَنَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَجَعَلْتُهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ” (البخاري).
ويقول ابن رجب- رحمه الله-: “كان أكثر خطبه- صلى الله عليه وسلم- على المنبر في المسجد، إلا خطبه في العيدين وفي موسم الحج ونحو ذلك”.
- وعلى المسلم ألا ينسى الصلاة في البيت بعد العيد، فعن أبي سعيد الخدري قال: “كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا يُصلّي قبل العيد شيئًا، فإذا رجع إلى منزله صَلّى ركعتين”، (أخرجه ابن ماجه وأحمد وابن خزيمة والحاكم والسيوطي)، غير أن بعض العلماء لم يعتبروها سنة ولم يأت بها كثير من الصحابة.
كيف يكون العيد فرحة وطاعة لله؟
وكما أن الانتباه إلى السنن المنسية في عيد الفطر والمهجورة يجلب الثواب ويزيد من الإيمان في القلب، فإن هناك أعمالا وطاعات في العيد تجلب السرور والفرح وتُقوي العلاقات بين الأقارب والأهل والناس جميعًا، منها:
- كن هادئًا: فهذا يوم عيد وفرحة وليس فيه مجال للعصبية، فلا تحوله على الأسرة من فرحة إلى حزن ومن سعادة إلى كآبة، فيجب ألا يستقبل رب الأسرة أبناءه بالصراخ والعصبية في صباح أول يوم للعيد فيوتر البيت ويؤزم العلاقة، وينكد عليهم الحياة، أو أن يختلف الزوجان على برنامج الزيارة العائلية فيخرج كل واحد منهما بسيارة منفصلة أو يمكث أحدهما بالبيت رافضًا المعايدة على الأهل.
- لا للأنانية: فهي آفة ذميمة، صاحبها صاحب نفس صغيرة، ذا عيون عمياء لا يرى إلا نفسه، والعيد جعله الإسلام فرحة للجميع لا لشخصك فحسب، فلا يصح أن تسعد أو تفرح على حساب الغير، فمثلًا يُسافر الأب مع أصحابه وأصدقائه ويترك عائلته وأبناءه وحدهم وكأنهم أيتام من غير أب، فيكون العيد في هذه الحالة لا طعم له ولا لون.
- العيدية: فالصغار ينتظرون يوم العيد بلهفة وشوق ليلعبوا ويفرحوا ويستلموا العيدية من الكبار، فالتوسعة على العيال في أيام الأعياد مهمة بأنواع ما يحصل لهم بسط النفس وترويح البدن، بل إن الزوجة يسعدها كثيرا أن يكرمها زوجها بالعيدية أو بالهدية في العيد.
- أصلح نفسك: فربما يعتري الحياة بعض المشاحنات التي ينتج عنها الفراق والخصام، وبخاصة بين ذوي الأرحام، ومن بركات العيد أنه يُذيب هذه الخصومة ويلقي في النفوس رحمة ولطفا للجانب الآخر، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” (مسلم).
- غداء العائلة: فكثير من العائلات تعودت على سنة حسنة وهي التجمع يوم العيد للغداء لزيادة الترابط والتلاحم، وقد وصف الرافعي العيد وصفًا جميلًا عندما قال: “وكأنما العيد هو إطلاق روح الأسرة الواحدة في الأمة.. وليس العيد إلا تعليم الأمة كيف تتسع روح الجوار وتمتد، حتى يرجع البلد العظيم وكأنه لأهله دار واحدة يتحقق فيها الإخاء بمعناه العملي”.
- شهود صلاة العيد: فعلى المسلم ألا يضيع هذا الخير، بالسهر واللهو حتى إذا قرب وقت صلاة الفجر والعيد، تكاسل وهرول إلى النوم.
- إكرام اليتامى: ففي يوم العيد لا يشغلكم إسعاد أولادكم فحسب، لكن ابحثوا عن اليتامى الذين لا عائل لهم، وأكرموهم وخففوا عنهم وواسوهم رغبة في الثواب، قال- صلى الله عليه وسلم-: “أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ في الْجَنَّةِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا” (البخاري).
أخيرًا
فإنّ معرفة السنن المنسية في عيد الفطر والمهجورة أمر مهم، حتى لا يستمر الناس في الغفلة عنها، فيحرمون من الثواب الكبير الذي أعده لله لعباده الطائعين والمتبعين سنة النبي- صلى الله عليه وسلم.
ولا بُد من التوسعة على الأهل في العيد بأنواع الطيبات من المآكل والمشارب، والإحسان بالزوجة والأورد وإدخال السرور عليهم، ولو بضحكة أو بقبلة، وعلينا ألا نهمل صلة الأرحام والرحمة بالأيتام والجيران.
المصادر والمراجع:
- البغوي: شرح السنة، 4/302.
- ابن أبي شيبة: المصنف، 2/69.
- ابن رجب: فتح الباري، 3/403.
- الرافعي: وحي القلم، ص3.