أعاني مع أولادي في اختيار الألعاب، وكثيرًا ما وقعنا فريسةَ شراءِ اللعب مرتفعة السعر ثم سرعان ما تُلقى في صندوق اللعب المركونة، ومهما اشترينا من ألعاب، فإن أطفالي يسأمون منها بسرعة ولا يجدون فيها المتعة الطويلة، وقد قرأت كثيرًا في موضوع كيفية اختيار اللعبة للطفل، ولكن لم أجد فيها العلاج الشافي لحالة السأم السريع التي يُصاب بها أولادي بعد شرائهم أي لعبة، فهل أولادي حالة خاصة أم كل الأطفال هكذا؟ وبماذا تنصحونني؟
اللعب هو عالم موازي يعيش فيه الأطفال يحاكون واقعهم بإعادة حكي الأحداث التي تحدث من حولهم، من خلال العرائس أو الحيوانات، وينطقون ببنات أفكارهم وخيالاتهم تارة أخرى حينما يتحدثون عن أمانيهم وما يريدون من خلال حوار مع ألعابهم.
إذًا الألعاب مهمة في حياة الطفل على الصعيد النفسي والاجتماعي واللغوي؛ فتجديد الألعاب وتطويرها أمر مهم يختلف باختلاف سن الطفل ونوعه وخبراته ومستوى ذكائه، وحتى نستطيع مواكبة تغيراتهم المرحلية، يجب أن ننوع في أسعار الألعاب فلا نشتري الغالي دائمًا، ولا نشتري الرخيص الذي يفسد قبل وصول الطفل إلى المنزل؛ بل ننوع بين الغالي والمتوسط والرخيص!
فالألعاب الممتدة معهم ومع إخوتهم ننصح بشرائها بخامات جيدة، فالألعاب كما الكتب، فكما نهتم بتأسيس مكتبة للطفل تساعده على حب المطالعة والتعلم، كذلك يجب أن نهتم بتأسيس مكتبة من الألعاب المتميزة التي تستمر معهم تنفعهم ويستفيد منها أيضًا بقية الإخوة.
وتختلف نوعية الألعاب حسب سن الطفل، فالأطفال حديثي الولادة حتى سنتين يحتاجون إلى ألعاب قطنية غير صلبة؛ حتى لا يتعرضوا للإصابة نتيجة قذفها أو ارتطامها بأجسامهم، كما أنهم يحبون الألعاب التي تصدر أصواتًا وألوانًا، فنحرص على اقتناء نوع واحد من كل لعبة، لا حاجة للأطفال بالكثرة، فلعبة واحدة مميزة أفضل من عشرات الألعاب المكررة.
وكلما كبر الطفل احتاج إلى أنواع مختلفة من الألعاب يمارس من خلالها الخطوات الأولى للتعلم، كالمكعبات التي يتعلم من خلالها الفك والتركيب، فتساهم في تقوية أنامل الطفل وتوسعة مداركه وخياله، كذلك ألعاب البازل البسيطة، خاصة بازل الحيوانات والحروف، تساعد على نمو التآزر البصري الحركي لدى الطفل، وألعاب الصلصال الصحي التي تساعد على تنمية خيال الطفل وتزيد من قدرته على التشكيل والإبداع كما أنها تقوي عضلات يده استعدادًا للكتابة.
إذًا مما سبق يتبين لنا أهمية الألعاب في تطور نمو الطفل، وعلينا أن نحسن إدارة هذه الموارد حتى لا يمل أطفالنا كما تقولين، ننصح قبل شراء لعبة جديدة بالآتي:
- التأكد من مناسبتها لسن الطفل.
- التأكد من عدم وجود لعبة لديه تخدم نفس الفكرة، فيجب أن نحدد هدفنا وما ينقص الأبناء قبل الذهاب للشراء حتى لا نجد أنفسنا نكرر ما لديهم.
- من الممكن مبادلة الألعاب بين الأسر؛ فكثيرًا ما يحتفظ البعض بألعاب لا يستخدمونها ويصعب عليهم التفريط فيها لأنها غالية، فاعتماد مبدأ المبادلة قد يكون اختيارًا مناسبًا مع الألعاب المعمرة.
- وكأي سلعة نحتاج أن نسأل على مثيلاتها في المتاجر المختلفة ومتابعة العروض خصوصًا إذا كنا نشتري لعبة غالية.
- إذا اصطحبنا معنا الأطفال نتفق على اختياراتنا مسبقًا حتى لا ينساقوا أمام المغريات فنجد أنفسنا ذهبنا لنشتري شيئًا ورجعنا بشيءٍ آخر غير الذي كنا نريده.
وحتى لا يشعر الأطفال بالملل:
- علينا أن ننظم الألعاب في مكان بعيدًا عن أيادي الأطفال، ونترك لهم تحت أيديهم بعضها فقط، فإذا ما ملوا منها رفعناها بعيدًا عنهم فترة ووضعنا أمامهم غيرها.. وهكذا.
- من المهم أن ندرك أن ملل الأطفال قد يحدث أيضًا بسبب قلة حيلتهم في الأفكار وليس لقلة ما لديهم، لذا كلما خصصنا وقتًا للعب معهم تعلموا أفكارًا مختلفة للعب باللعبة الواحدة، كما أن لقضاء الأهل وقتًا خاصًا مع أطفالهم أهمية وميزة تفوق اللعب في حد ذاته، فيوصي التربويون بما يعرف بالوقت الخاص لكل طفل على حده لما له من عظيم الأثر على المتانة النفسية للطفل.
إذًا، الأمر يتطلب منا بعض الجهد، فلا يكتفي الأهل بدورهم في إحضار اللعب، فهذا بعض الدور وليس كله، وإذا لمسنا مللًا حقيقيًا فعلينا أن ندرك أن اللعب بالألعاب جزءٌ من فكرة اللعب عمومًا فثمة لعب بغير ألعاب، كالألعاب الكلامية والألعاب الحركية، كلعبة الاستغماية (يغمض طفل عينه بينما يختبئ الأطفال الآخرون، ثم يبدأ هو بالبحث عنهم) ولعبة إحضار الأشياء، ولعبة عروستي (نَصِفُ لهم شيئًا في أذهاننا بجمل وعبارات حتى يتوصلوا إلى مقصدنا)، وغيرها من الألعاب المختلفة.
فالأطفال مغرمون بالألعاب التفاعلية أكثر بكثير من حبهم للألعاب المصنعة، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة الحسنة، فكان الحسن والحسين رضي الله عنهما يركبان على ظهره أثناء الصلاة فينتظر حتى يُنهيان لعبهما، فعن شداد بن الهاد أنه: “صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في بعضِ صلواتِه وهو ساجدٌ ارتحلَه الحسنُ أو الحسينُ فأطال السجودَ بعضَ الشيءِ من أجلِ ارتحالِه إياه وقال: فكرِهتُ أنْ أُعجِلَه”.
وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: ” كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحسن الناس خلقًا، وكان لي أخ يقال له: أبو عمير- أحسبه قال: كان فطيمًا-، قال: فكان إذا جاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فرآه قال: يا أبا عمير، ما فعل النغير- طائر صغير كالعصفور-؟ قال: فكان يلعب به”.
إذًا، الحبيب المصطفى يهتم لأمر الصغار ويلاطفهم ويسأل على ما يخصهم، وهو من هو في انشغاله بأمور الدعوة، ملأ اللين قلبه وقوله وفعله- صلى الله عليه وسلم-، بينما نجد بعض الآباء يتحججون بانشغالهم في العمل لجلب الأموال بأن ليس لديهم وقتٌ ولا طاقةٌ للعب.. هنا نذكرهم بفعل خير البشر عليه الصلاة والسلام.
فلا تبخل على ولدك بمشاركته اللعب، فمشاركتك إياه أغلى من أغلى لعبة، ولا يعوض مال الدنيا افتقاد أبنائنا لأوقات طيبة يقضونها معنا، فكما نحرص على الإتيان لهم بالجديد علينا أن نبذل لهم من طيب أوقاتنا ما لن يملوه أبدًا، أعانكم الله وسدد خطاكم ورزقكم حسن التدبير وبارك في سعيكم.