تقدمَ لخِطبتها فقبلتْ ورفضَ أبوها
ثم بعد محاولاتِ إقناعٍ طويلة، قَبِل الأبُ على مضضْ
توجَه لأمِّه لإخبارها فرحًا فإذا بوالدتِه ترفضُ هذه المرةْ
ثم بعدَ إصرارٍ وعناءٍ طويلٍ قبلتِ الأمْ
فرحَا كثيرًا وتزوجا بعد تجاوزِ كلِّ العقباتْ
وعاشا في سعادةٍ أبديةْ
فرِحَ المشاهدُ وهو يتابعُ السفينةَ ترسو على شاطئِ الاستقرارْ
دعكَ من كلِّ هذا
فهذا مشهدٌ من مشاهدَ عدةْ تقدمُها الأعمالُ الدراميةْ
رسمتْ خلالَها تصوراتِنا عن الزواجْ
فخلَقتِ الكثيرَ من التحدياتِ والعقباتِ قبلَ إتمامِهْ
ثم سوَّقتْ للناسِ أنه بحفلاتِ الزفافْ وإشهارِ الزواجْ
يُسدلُ الستارُ على تلكَ العقباتْ
لكنَّ هذا مجردُ سيناريو ترسُمُهُ خيالاتُ المؤلفينْ
بينما للحياةِ فيهِ كلمةٌ أخرى
فتجاربُ الحياةِ تُخبرُ
أنَّ السنواتِ الأولى للزواجِ مليئةٌ بكثيرٍ من الصعوباتِ والتحدياتْ
معرفةُ هذا ضروريٌّ لا للعزوفِ عنْهْ
وإنما لتضعَ توقعاتِك في حجمِها الصحيحْ
فأصحابُ التوقعاتِ العاليةِ الحالمةْ هم أولُّ المحبَطينْ
والواعونَ المستعدونَ هم أولُ العابرينْ
يعبرونَ السنةَ الأولى للزواجْ
بمنحنًى متصاعدٍ من التفاهمِ والوِدِّ والاستقرارْ
فالسنةُ الأولى تمثلُ النقطةَ الأولى لمنحنًى
إما يُرسم صاعدًا بالاستعدادِ والفهمِ والتعايشِ الصحيحِ معها
أو- لا قدَّرَ اللهْ – نازلًا بالصدمةِ والصدامِ فيها
*********
قد يعتقدُ البعضُ أنَّ وقودَ السنةِ الأولى للزواجْ هو الحبُّ والعاطفةْ
في حينِ أنها تستلزمُ لإدارتِها الكثيرَ من التعقلِ والصبرِ والاستيعابْ
والسببُ في هذا
أنَّ كِلَا الزوجينِ ينتمي لدوائرَ وخلفياتٍ مختلفةْ
ومهما حرِصَ كلُّ طرفٍ أن يرتبطَ بمن يُشبهُهْ
وأن يتعرفَ جيدًا على الآخرِ في فترةِ الخِطبةْ
فهذا ليس ضمانًا لحصولِ التماثلِ وإزالةِ كلِّ أشكالِ الاختلافْ
كالاختلافِ في الأولوياتِ والقيمْ والعاداتْ والتقاليدْ وغيرِها
تبدأُ التحدياتُ الحقيقيةُ
باجتماعِ كلِّ هذه الاختلافاتِ والتناقضاتْ
تحتَ سقفٍ واحدْ وفي دائرةٍ واحدةْ لا يمكنُ أن تُدارَ بالحبِّ وحدَهْ
***********
تقولُ هيَ: قامَ أهلُه بزيارتِنا دونَ استئذانٍ مسبقْ
وهو يرى أنَّهم ليسوا بحاجةٍ إلى ذلكْ
عنوانُ هذا التحدي: طبيعةُ العلاقةِ بالأهلْ
ولِتجنُّبِ أيِّ خلافٍ بسبب الأهلِ في الفتراتِ الأولى
يلزمُ الطرفينِ نقاشٌ حولَ شكلِ هذه العلاقةِ وحدودِها
على أن يقدِّما في المعاملةِ التغافلَ والاحترامْ
وأنْ يقررا ألّا يكونَ الأهلُ سببًا للخلافاتِ بينَهما
************
تقولُ هيَ: لا يمكنني شراءُ ما أحتاجُهْ
وهوَ يقولُ إنها كثيرةُ الطلباتْ، مبذرةْ
يحدثُ غالبًا خلافٌ في الفترةِ الأولى للزواجْ
حولَ نمطِ المعيشةِ وطريقةِ الإنفاقْ
فهوُ في مقتبلِ حياتِه، لمْ تستقرَّ أحوالُه الماليةُ بعدْ
انتهى لِتوِّهِ من كثيرٍ من نفقاتِ الزواجْ
يحتاجُ أن يشعرَ بأنَّ زوجتَه تقدرُ ما يمرُّ بِهْ
وتحتاجُ هي أن تشعرَ بالأمانِ أنَّهُ يمكنُه تلبيةُ حاجاتِها
يطلبُ الزوجُ منها القليلَ من الصبرْ
ويجلسان معًا ليتفقا على طريقةِ إدارةِ حياتِهم الماليةْ
خاصةً إذا كان للزوجةِ دخلٌ خاصٌ بها
وقدْ يحددُ الزوجُ لزوجتِه مبلغًا شهريًا ولو صغيرًا
تتصرفُ فيه بحريةْ
**************
تقولُ هيَ: إنه عمليٌّ للغايةِ ولا يعبرُ لي عن مشاعرِهْ
ولا يهاديني كما كانَ يفعلُ قبلَ الزواجْ
وهو: يشعرُ بخفوتِ جَذوةِ العاطفةْ
هذهِ واحدةٌ أخرى من تحدياتِ السنةِ الأولى للزواجْ
حيثُ يختلفُ شكلُ العلاقةِ بين الزوجينْ
بعد أنْ يصبحا معًا تحتَ سقفٍ واحدْ
وهذا تغيُّرٌ طبيعيٌّ مقبولْ
حيثُ تبدأُ مرحلةٌ جديدةٌ في حياةِ الزوجينْ
ولكلِّ مرحلةٍ متطلباتُها وأولوياتُها
قبلَ الزواجِ كانتِ الأولويةُ
أنْ يتعرفا جيدًا على بعضِهما لإتمامِ الزواجْ
ثم بعدَهُ صارَ الجدُّ في السعيِ على الرزقْ
والتفرغُ أكثرْ لدورِ كلٍّ منهما في الحياةْ
يدركانِ ذلك جيدًا ثم يصبحانِ لبعضِهما سندًا وعونًا
لكنْ دونَ إهمالٍ للتعبيرِ عن مشاعرِهما دائمًا بكلِّ طريقةٍ ممكنةْ
وبلغةِ الحبِّ التي يفهمُها الآخرْ
إِذْ أنَّ للحبِّ لغاتٌ يجبُ على كلِّ زوجينِ تعلُّمَها
فمشاعرُ الحبِّ بين الزوجينِ
تنضجُ بحسنِ العشرةِ مع مرورِ الأيامْ
ليكتشفا معًا حينَها الحبَّ الحقيقيْ
ويعرفا أنَّ ما سبقَه من مشاعرْ كان له اسمٌ آخرْ
*******************
يقولُ هوَ: إنها تسهرُ طَوالَ الليلْ وتنامُ حتى الظهيرةْ!
وتقولُ هيَ: إنه لا يرغبُ أن يأكلَ الطعامَ المتبقي من الأمسْ!
بالمعايشةِ تبدأُ مشكلاتُ اختلافِ العاداتِ والطبائعْ في الظهورْ
والتي يُعدُّ مفتاحًا لحلِّها، التقبلُ والمرونةُ وبعضٌ من التنازلْ
فلا يجبُ أن يَصدمَ أو يرفضَ طرفٌ ما تعودَ عليه الآخرْ
كما لا يتمسكُ أحدُهما بما اعتادَ عليه في بيتِ أهلِهْ
بل يسعيَا لخلقِ نظامٍ لبيتِهما يناسبُهما معًا
*************
نعمْ، تتعددُ الصعوباتُ وأسبابُ الخلافاتْ في السنةِ الأولى للزواجْ
لكنَّ الأمرَ لا يبدو بهذا السوءْ
فمثلُ هذه الخلافاتْ هو أمرٌ طبيعيْ
إذْ أنَّ الاختلافَ هو سنةُ الحياةْ
كما قالَ اللهُ تعالى: (وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَٰحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ)
وهيَ ليستْ طبيعيةً فقطْ بل كذلك ضروريةْ
كي يتعرفَ الزوجانِ بحقٍّ على بعضِهما
ويفهمانِ ثم يتفهَّمانِ ثم يتفقانْ
ويتجنبانِ الوقوعَ في مشكلاتٍ عدةٍ قد تتكررُ دومًا لنفسِ الأسبابْ
لن يحدثَ هذا إلا حينَ يقررانِ عدمَ التركيزِ على المشكلةْ
بقدرِ الوقوفِ على كيفيةِ الاستفادةِ والتعلمِ منها
إذْ أنَّ الخلافاتِ لن تنتهي يومًا
***********
على كلِّ زوجينِ يرغبانِ في استمرارِ حياتِهما معًا بسعادةْ
أن يستعدا جيدًا قبلَ الزواجِ بالقراءةِ وحُسنِ الاطلاعْ
وأنْ يسطرا معًا ميثاقًا لزواجِهما
أساسُه: التقبلُ وعدمُ السعيِ لتغييرِ الآخرْ
وعمادُه: الحوارُ الهادئُ القائمُ على الاحترامْ
أركانُه: الوعيُ بمكائدِ الشيطانِ للتفريقِ بينهما
ووقودُه: الصبرُ والتغافلُ وحفظُ الأسرارْ
مبادئُه: الاعتذارُ عن الخطأِ وتقديرُ الإحسانْ
والانشغالُ عن تحصيلِ الحقوقِ بأداءِ الواجباتْ
يتضمنُ ميثاقُهما كيفيةَ معالجةِ خلافاتِهما
ولمن ومتى يلجآنِ عند احتدامِ الخلافْ
أهدافُه: أن يصيرَ بيتُهما سكنًا تملؤه المودةْ
فلا ينشغلانِ بعد ذلكَ إلا بما استخلفَهمُ اللهُ عليه في هذه الحياةْ