حذّر الإسلام من عقوق الوالدين واعتبر هذا الذّنب من الكبائر التي تدخل مرتكبه النار يوم القيام، وهو يعني الإساءة إلى الوالدين بالقول أو الفعل أو الإهمال أو عدم الطاعة أو نكران الجميل، وفي المقابل أكد القرآن والسنة الفضل العظيم للوالدين؛ فهما السبب في وجود الإنسان وتربيته ورعايته، وقد بذلا الكثير من الجهد والتضحيات من أجله.
وتتمثل أسباب هذا العقوق، في قلة الإيمان بالله، وسوء الأخلاق، والتأثر بالسلوكيات السلبية، والضغوط النفسية مثل المشكلات الزوجية أو المادية، بينما يمكن علاج هذا الذنب من خلال المحافظة على الأعمال التي تزيد الإيمان، وتدريب النفس على الصبر والتحلي بالأخلاق الحميدة، وتقدير فضل الوالدين والتفكير في ما قدموه من تضحيات، وبرهما بالقول والفعل، وخدمتهما وتلبية احتياجاتهما، والابتعاد عن الأصدقاء السيئين الذين يحرضون على العقوق.
أسباب عقوق الوالدين
وتتعدد أسباب عقوق الوالدين وعدم برهما، ومن أبرزها ما يلي:
- التَّقصير في التَّربية: وعادةً ما يشترك الوالدين بذلك مع أبنائهم، فتقصير الوالدين في تربية الأبناء على منهج القرآن الكريم وعلى سنّة النّبي- صلى الله عليه وسلّم-، وعدم الحرصِ على تعليمهم تعاليمَ الدّين؛ من صلاةٍ، وصيامٍ، وصدقةٍ، وغيرها من العبادات، والأخلاق الحميدة؛ من شأنِه أن يتسبَّب في أن يعقّ الأبناء آبائهم.
- عقوق الوالدين أنفسهم لآبائهم في السّابق: فقد يؤدّي إلى عقوق أبنائهم لهم، فيكون الجزاء من جنس العمل. ابتلاءٌ وامتحانٌ من الله -تعالى-: فربما يقوم الوالديْن بتربية أبنائهما تربيةً سليمةً مُشتملةً على مكارم الأخلاقِ، ومع ذلك يقابلهم الأبناء بالإساءة والعقوق ولا ينبغي للأبناء أن يقصروا في طاعة آبائهم بحجّة تقصير الوالدين بتربيتهم، فطاعة الوالدين واجبةٌ في كلِّ الأحوال ما لم يكن في طاعتهما مخالفةٌ لأمر الله -سبحانه-، كما أن الإحسان إليهما واجبٌ وإن كانا على غير دين الإسلام.
- الخصومة: التي بين الوالدين وتنتهي بالطلاق حيث تؤدي إلى عدم احترام الأبناء لوالديهم؛ فيقوم الأب مثلاً في بعض الأحيان بتحريض الأولاد على والدتهم بذكر صفاتها السيّئة، وتقوم الأُمّ بفعل الشيء نفسه مع أبنائها.
- الظلم بين الأبناء: فهو يدعو إلى بثّ روح البغضاء والشحناء بين الأبناء والآباء، وقد يتزوّج الابن فيُبتلى بزوجةٍ سيّئة الخُلُق تدعوه إلى عدم الاعتناء بوالديه والتخلّص منهما.
- الجهل بفضل برّهما وعِظم ثواب ذلك عند الله -سبحانه-: والجهل بالمقابل بسوء عاقبة عقوقهما وعاقبته السيّئة.
- صحبة السوء: فهي من أكثر ما يدعو ويشجّع الابن على العقوق.
- تناقض الآباء في أفعالهم وأقوالهم: فإذا كان الوالدان لا يعملان بما يُعلّمان به أبناءهما؛ فذلك يؤدّي إلى نفور الأبناء، ويدعوهم إلى التناقض أيضاً.
- عدم إعانة الوالدين لأبنائهم على البرّ: فلا يُشجّعون أبناءهم إذا أحسنوا، ويُوبّخونهم ويغضبون عليهم، وإذا لم يجدوا التشجيع والدعاء؛ ربّما ملّوا وتركوا برّ والديهم.
- حبّ الراحة والدّعّة: فقد يكون الوالدَان كبيرَين في السّنّ، أو يُصيبهما المرض، فيتخلّص الابن منهم بوضعهم في دار العجزة، وما علِم أنّ راحته وطمأنينته ببرّه بهما، وخدمتهما، ورعايتهما.
- عدم الشعور والإحساس بالوالدَين: فبعض الأبناء لم يجرّب الأبوّة بعد، وكذلك البنات لم تؤدّي وظيفة الأمومة بعد، فيتساهل الأبناء في السّهر والتأخّر في اللّيل، والابتعاد عن والديهم، وعدم الاهتمام بهم، وهذا من العقوق. عقّ الوالدَين لوالدَيهما: فقد يؤدّي ذلك لعقوق الأبناء لهم.
مظاهر عقوق الوالدين
وكثيرة هي مظاهر عقوق الوالدين وعدم برهما والإحسان إليهما، نذكر أبرزها على النحو التالي:
- الصراخ أمامها: وهي من الأمور التي تسبب الأسى للأهل، لذا جاء الإسلام لينبِّه على هذا الأمر ويعدَّه من مظاهر العقوق.
- التطاول عليهما: وهو من العقوق الفج، لذا جاء الإسلام ليبين أنَّه حتّى ولو كان الخلاف معهما في أمرٍ جللٍ مثل الاختلاف في مسألةٍ دينيَّة، فلا يجوز له النِّقاش معهما بصوت مرتفع أو نهيهما عن هذا الأمر بالصُّراخ أو التطاول.
- سرقة أموالهما: وهذا إن كان حرامًا مع النّاس فإنه مع الوالدين أشد حرمة، وقد حرم الله -تعالى- السرقة بجميع أشكالها ولو سرق الإنسان من والديه لكان ذنبه أعظم وأشد.
- أذيتهما: وقد نبَّه الشَّرع إلى عددٍ من الأمور التي يمكن أن يراها البعض بسيطةً إلى أنَّها تسبب الأذى للأبوين من دون أن يشعر الأبناء بهذا، ومن ذلك عدم الاستئذان أثناء الدُّخول عليهما، فلا بدَّ من الاستئذان كي لا يقع الأبناء في مغبة العقوق إن هما أدخلا الحزن والقلق إلى قلب أبويهما.
- معايرتهما: وقد حرَّم الإسلام ذكر عيوب الآخرين أو تتبعها، وعدَّ هذا الأمر من الذُّنوب التي استباح بها المسلم عرض أخيه، لذا فمن باب أولى أنَّها مجلبةٌ للغضب والعقوق.
- ضربهما: فإذا كانت لفظة أفٍ قد نزلت في كتاب الله محذرًا سبحانه الأبناء من أن يقولوها لآبائهم، فلا بدَّ من الحذر من هذا الفعل الشَّنيع والذي لا يمتُّ بصلة للأخلاق الإسلاميَّة، وأنَّه على الابن الانتباه من دعوة الأمِّ التي ستستجاب سواء كانت له أو عليه.
- النظر لهما بنظرات مسيئة: فمن مظاهر العقوق النَّظرة المسيئة التي يشوبها الاشمئزاز من الأهل، ومن ذلك النظر للآباء بعد أن يبلغوا الكبر وتضعف قوتهم.
- عدم الاستماع لنصيحتهما: فاعتداد الابن برأيه وعدم طلب مشورة الآباء بحجة أنَّ هذا الأمور تخصُّ حياته لا حياتهما، فهذا تصرُّف يشعر الآباء بعدم قيمتهما.
- مجادلتهما الدائمة: ومن مظاهر العقوق الإكثار من نقاش الأبوين ومجادلتهما في كثير من الأمور، ليس هذا فحسب بل قد يلحق المجادلة نظرات الازدراء والاحتقار أو ارتفاع الصَّوت أثناء النِّقاش.
- الخجل منهما أمام الآخرين: وهي من مظاهر العقوق، خصوصًا إن كان الابن يحتلُّ مركزًا اجتماعيًّا مرموقًا.
- عدم تقديم المساعدة لهما: فالآباء لا يحتاجون فقط إلى الاحترام والحب من أبنائهم، بل يحتاجون ليدٍ تساعدهم في أعمال المنزل بعد أن تقدَّم بهم العمر.
- الاستهزاء بهما: وهذا سببٌ لطرد العبد من الجنة وحرمانه من نعيم الله سبحانه وتعالى، بل ويتعدَّى الأمر إلى ذلك بأنَّه سيحرم من رؤية الله وأنَّ الله لن ينظر إليه من غضبه عليه، فقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “ثلاثةٌ لا ينظرُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ إليهم يومَ القيامةِ؛ العاقُّ لوالِدَيهِ والمرأةُ المترجِّلةُ، والدَّيُّوثُ، وثلاثةٌ لا يدخُلونَ الجنَّةَ: العاقُّ لوالِدَيهِ” (النسائي وأحمد).
- عدم طاعتهما: وقد جاء الإسلام ليرد للوالدين الجميل، وأن يأمر الأبناء بحسن الطَّاعة للأبوين والاستماع لهما، روي عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: “رِضى اللَّهِ في رِضى الوالِدَينِ، وسَخَطُ اللَّهِ في سَخَطِ الوالدينِ” (الترمذي وابن حبان).
- الانتقاد الدائم لهما: فكثرة توجيه النَّقد لتصرفات الآباء والأمهات من العقوق.
- التسبب في بكائهما الدائم: ومن أسباب ذلك أن يقسو الولد عليهما بالكلام ويبحث عن الكلمات الجارحة في حقهما، أو أن يأتي بأفعال تسبب حزن قلبيهما كأن يعاملهما كخدمٍ في بيته لتنظيفه وتحضير الطَّعام وفي حال تقصيرهما بأي أمرٍ ينهال عليهما بالسَّب والشَّتم.
- التأفف من أفعالهما وأقوالهما: فأي تصرُّف يسبب الحزن والألم للوالدين، وضعه الله سبحانه وتعالى في رتبة الأعمال التي تعدُّ عقوقًا، قال تعالى: (فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيما) [الإسراء: 23].
وسائل للعلاج
ومما يُعين العبد على عدم عقوق الوالدين والالتزام ببرهما، ما يلي:
- الاستعانة بالله -سبحانه- وتعالى: فلا بد من الإكثار من التوجّه إلى الله -تعالى- بالتضرّع والدّعاء بأن يُكرمه بالبرّ، ويُعيذه من العقوق ومن سوء عاقبته، وأن يُذَّكر الإنسان نفسه بأنَّه قد يأتي يوم يفقد فيه والديه، فأحوال الدُنيا لا تدوم، والفقد سُنَّةٌ مُقدَّرةٌ على الناس عاجلاً أم آجلاً.
- استحضار رضا الله -تعالى: وذلك على هذا الفعل الحسن؛ ممَّا يُشوّق الابن إلى الاستزادة من البرّ والإحسان، فالابن البار في طاعةٍ دائمةٍ لله -عزّ وجلّ-.
- التخلَّق بالأخلاق الجميلة: مِن الكرَم، والسخاء، والحلم، والحياء، والتواضُع، والاحتمال، وكف الأذى، والصَّفْح، والعفو، وكَظْم الغَيْظ، والطلاقة، والبِشر؛ حتى تصير هذه عادةً المرء، فيوجب ذلك دفْع الغضب عنك وبر الوالدين.
- المبادرة بالتوبة: وذلك في حال الوقوع في أي مظهر من مظاهر العقوق لعل الله يغفر هذا الذنب، فإنَّ التائب من الذنب كمَن لا ذنب له.
- تذكَّر أن الأم لها ثلاثة أرباع البرِّ: كما في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، مَن أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: “أمُّك”، قال: ثم مَن؟ قال: “ثم أمُّك”، قال: ثم مَن؟ قال: “ثم أمُّك”، قال: ثم مَن؟ قال: “ثم أبوك”.
- ويجدر التذكير أنّ باب التوبة مفتوحٌ مهما اقترف الإنسان من ذنوب، بما فيها عقوق الوالدين، ولا يقتصر الأمر على امتناع المرء عن عقوق والديه، وإنّما يشمل منعه زوجته، وأولاده، وأصدقاءه من عقوق والديه أيضاً، وعليه أن يتستحضر أنّ عقوق الوالدين أمرٌ خطير للغاية؛ إذ لا ينفع المسلم صلاةٌ، ولا زكاةٌ، ولا أيّ أشكال العبادة إن كان عاقّاً لوالديه، ولربّما تسبّب عقوق الوالدين في حجب لسان المرء عن الشهادتين عند الموت.
- قراءة قصص السلف الصالح بشأن بر الوالدين: فهي تحفل بآثارٍ نافعةٍ وشواهد دالّةٍ على برّ الوالدين والإحسان إليهما.
- مجاهدة النفس، فيجاهد الابن نفسه على برّ والديه حتى تصبح عادةً وطبعاً لديه.
- النصيحة للعاق بتذكيره بعواقب العقوق، وتشجيع البار وتذكيره بفضائل البر.
- تحفيز الآباء والأمهات لأبنائهم وتشجيعهم على البر، ويكون ذلك بالدعاء لهم وشكرهم على إحسانهم ومحبتهم وإسعادهم.
- الشعور بمسؤولية الوالدين، فيجعل الابن نفسه مكان والديه، فيحرص على أن يحسن إليهما، لأنه لو وضع نفسه مكانهما لما تمنى أن يُساء إليه خاصةً عندما يكبر.
- تذكّر فضائل وثمرات بر الوالدين، فذلك يشجع على فعله، بالإضافة لتذكر عواقب العقوق وما يجلبه من الحسرة والهموم والندم، فيجعل ذلك الابن يبتعد عن العقوق ويعينه على البر.
عقوق الوالدين من أعظم الذنوب التي حذر منها الإسلام، ويجب على كل مسلم ومسلمة بر الوالدين لأنه مفتاح السعادة في الدنيا والآخرة، وهو سبب في رضا الله تعالى.
مصادر ومراجع:
- محمد إبراهيم الحمد: كتاب عقوق الوالدين أسبابه-مظاهره-سبل العلاج، ص 25-28.
- أحلام بكري: مظاهر عقوق الوالدين.
- إسلام أون لاين: عقوق الوالدين..أسبابه وعلاجه.
- خالد الرفاعي: علاج الغضب وعقوق الوالدين.
- إسلام ويب: عقوق الوالدين جريمة كبيرة.