فَقَدَ العالَم الإسلامي الشيخ العلَّامة عبد المجيد الزنداني أحد كبار علماء دولة اليمن، عن عمر ناهز 82 عامًا، وذلك يوم الاثنين 22 أبريل 2024م في مدينة إسطنبول بتركيا، بعد مسيرة علمية ودعوية حافلة بالإنجازات.
وقد كان الزنداني علمًا من أعلام الأمة، وكوكبا من كواكبها، ورائدًا من روادها، وعالمًا عاملًا، ومجاهدًا، وصاحب عطاءات دعوية، وإمدادات تربوية، وجهود تعليمية، وهي كلها صفات تكفي واحدة منها ليدخل بها صاحبها في التاريخ، ويوضع بها بين كبار المصلحين والعلماء الربانيين.
من هو عبد المجيد الزنداني؟
وُلِدَ الشيخ عبد المجيد الزنداني في 13 من ذي الحجة 1360هـ الموافق 1 يناير 1942م في قرية تُسمّى “الظهبي” من قرى مديرية الشعر في محافظة “إب” بدولة اليمن، ويرتبط أصله بمنطقة “زندان” في مديرية أرحب بمحافظة صنعاء، وإليها يُنسب.
تلقى الشيخ الفقيد تعليمه الأوّلي في الكتاب بمسقط رأسه، وانتقل للالتحاق بالتعليم النظامي في عدن، قبل أن يتوجه إلى مصر لمتابعة دراسته الجامعية، حيث التحق بكلية الصيدلة بجامعة عين شمس، ودرس فيها لمدة عامين، لكنه ترك دراسته للصيدلة، لاهتمامه المتزايد بالعلوم الشرعية.
وباشر الزنداني تعلم العلوم الشرعية وتفاعل معها، ووفرت له الفرصة للالتقاء بالعلماء المشهورين في الأزهر الشريف، والتقى طلابا يمنيين في مصر مثل محمد محمود الزبيري، وعبده محمد المخلافي، وقطع دراسته وعاد معهما إلى صنعاء للمشاركة في دعم قيام النظام الجمهوري وحماية مكتسبات الثورة في خمسينيات وستينيات القرن العشرين.
وبعد ذلك انتقل إلى المملكة العربية السعودية، والتقى كبار العلماء هناك، من بينهم: الشيخ عبد الله بن باز، والشيخ محمد بن صالح العثيمين، وحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة أم درمان الإسلامية في السودان، ما زاد من سعة معرفته وعمق مداركه.
وتولى الشيخ الزنداني مناصب عديدة، منها: إدارة معهد النور العلمي في اليمن، والتدريس في بعض مؤسسات التعليم، وتولى منصب إدارة الشؤون العلمية في وزارة التربية والتعليم اليمنية، وعين رئيسا لمكتب التوجيه والإرشاد عند إنشائه في عام 1975، قبل أن يُعيّن في وزارة المعارف، وهو أيضا رئيس مجلس شورى حزب التجمع اليمني للإصلاح.
وتأثر “الزنداني” خلال وجوده في مصر بجماعة الإخوان المسلمين وكانت له صلات بها، وهو ما أدى إلى اعتقاله على يد السلطات المصرية وطرده من البلاد، ونجح مع الشيخ عبد الله الأحمر في إضافة بند إلى الدستور اليمني ينص على أن الشريعة الإسلامية مصدر كل التشريعات.
وساهم في جهود حماية الثورة اليمنية التي قضت على الحكم الإمامي سنة 1962، وخلال عمله في وزارة التربية عمل على إحداث تفاعلات فكرية واسعة عبر استقدام عدد من كبار المفكرين العرب والمسلمين إلى اليمن، كما ساند الأفغان ضد القوات الروسية في ثمانينيات القرن الـ20.
وفي عام 2004، اتهمته الولايات المتحدة الأمريكية بدعم ما تسميه “الإرهاب”، وتقول إنه “الأب الروحي” لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وطلبت عام 2011 من الحكومة اليمنية اعتقاله، في حين قرر مجلس الأمن تجميد أرصدته.
الفكر التربوي والدعوي عند عبد المجيد الزنداني
ويتلخص الفكر التربوي والدعوي والحركي عند الشيخ عبد المجيد الزنداني في النقاط التالية:
- أثرى المكتبة العربية والإسلامية بالعديد من المؤلفات: أبرزها “تأصيل الإعجاز العلمي”، و”علم الإيمان”، و”طريق الإيمان”، و”نحو الإيمان”، و”البينة العلمية في القرآن الكريم”، وغيرها.
- انشغل بتأصيل الإعجاز العلمي في النصوص الشرعية، حيث وسع مداركه من خلال المطالعة واستنطاق النصوص الشرعية ومحاولة فهمها في ضوء الحياة المعاصرة والاكتشافات العلمية، ما فتح أمامه مجال الإعجاز العلمي في القرآن الذي شكل أحد أهم انشغالاته ومجال تميزه.
- ساهم في تأسيس الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة في المملكة العربية السعودية وترأسها بعد ذلك، وعندما عاد إلى اليمن أسس جامعة الإيمان للعلوم الشرعية، وتواصلت مصنفاته وأبحاثه في علم الإيمان والإعجاز.
- أعلن اكتشافه علاجًا من الأعشاب الطبيعية للشفاء من مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز). ودعا جميع شركات الأدوية ومنظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة إلى زيارة اليمن للاطِّلاع على العلاج، ورؤية نتائج الفحوص، رافضًا إعطاء تفاصيل عن الأعشاب ومكان نموِّها، لضمان عدم تسريب الاختراع قبل تسجيل براءته.
- ورأى الزنداني أنه لا مانع من زواج الصداقة (زواج فرند) وهو أن يتزوَّج الشاب بالشابة بعقد شرعي صحيح مستوفٍ للشروط والأركان، من موافقة الولي وحضور الشاهدَين وتسمية المهر، ولو لم يكن لهما سكن يأويان إليه، فيستمتع أحدُهما بالآخر، ثم يأوي كل واحدٍ منهما إلى منزل والده، وقد أثار ذلك ضجَّة كبيرة في الشارع العربي والإسلامي
- الاعتذار عن الخطأ، ففي مطلع عام 2000 ألقى الزنداني محاضرةً عن أصوات المعذَّبين في القبور، وأنها من أمثلة الإعجاز العلمي في القرآن بعد أن تسلًم شريطًا مشبوهًا يتحدَّث عن اكتشاف علماء في الجيولوجيا لأصوات بشرية تحت الأرض، وظل الزنداني مصرًّا على فكرته سنوات، ودخل في جدال مع بعض علماء دين آخرين، وحين تبيَّن له أن المعلومات التي تسلَّمها كانت مزيفة، اعتذر عن الخطأ وفنَّد شريطه السابق، وتراجع عمَّا فيه.
- وللشيخ الزنداني جهوداً مشهودة في التصدي للاستبداد والفكر الإمامي الكهنوتي، فكان مشاركاً في توعية الشعب بأهمية النظام الجمهوري عبر إذاعة صنعاء، وبيان أن الجمهورية ليست ضد الإسلام- كما روج الإماميون-.
- واستمر الشيخ الزنداني يحمل راية التوعية والتنوير والمشاركة في تثبيت الجمهورية والدفاع عنها، واهتم بالتعليم ونشر العلم، وأسهم في “يمننة” المناهج الدراسية وتنقيتها من الشبهات والنظريات الباطلة.
- وتصدى هو وكثير من العلماء لموجة الإلحاد في اليمن وفي الدول العربية الأخرى، ورد على الشبهات التي تشكك في العقيدة الإسلاميَّة، وألف كتاب ” توحيد الخالق” الذي اعتمد فيه على الحقائق العلمية والإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وعلى الأدلة العقلية والعلمية التي تناقش الملحدين والشيوعيين، وكانت له معهم صولات وجولات انتهت بفضل الله بهزيمة الفكر الإلحادي وتراجعه ورفعه للراية البيضاء.
- وكانت للشيخ الزنداني مناظرات مع منكري الإيمان بالله خالق الكون والحياة، حتى أنها انتهت بأن سيق الفريقان إلى السجن بعد معركة حامية الوطيس.
- ومضى الزنداني على أسلوب أستاذه الزبيري وطريقته في تجميع العلماء وحشدهم حول الكثير من القضايا التي تهم المجتمع سواء ما يتعلق منها بمحاربة المنكرات أو الدعوة إلى تيسير الزواج، بما في ذلك الخروج إلى القبائل لإصلاح ذات البيّن وإنهاء الثارات وإطفاء الفتن.
- وتبنى إقامة معهد للتوعية والتنوير تم فتحه في مدرسة جمال جميل بالتحرير، سمي معهد التوجيه والإرشاد وكان يمارس نشاطه من بعد العصر، ويشارك في الدروس والمحاضرات علنا مع دعاة من خريجي الأزهر والكليات الإسلامية.
- وتبنى تشكيل الجمعية العلمية اليمنية التي جمعت العلماء من كل الأطياف والمذاهب الموجودة في اليمن من زيدية وشافعية.
- وكان ينزل بنفسه لتدريس كتاب التوحيد في مدارس صنعاء والحديدة وتعز وفي المدن الأخرى، ويظل في بعض المحافظات شهراً كاملاً يدرب المدرسين ويعلم الطلاب ويرد على الشبهات التي كانت تثار، وبخاصة مع وجود أنشطة الفكر الإلحادي الذي كانت تتبناه المراكز الثقافية السوفيتية والسفارة الصينية.
- وفي صنعاء لم ينقطع عن المحاضرات والدروس، وكان يخطب الجمعة في مسجد قبة المتوكل حيث كان يرتاد المسجد الكثير من المثقفين والشخصيات الاجتماعية والسياسية، التي تجد في خطب الشيخ عبد المجيد الزنداني ما يجيب على تساؤلاتها ويشفي صدورها.
- وبعد تحقيق الوحدة اليمنية عاد إلى اليمن وكان له ٳسهام في نشر الوعي ومخاطبة الجماهير، فمحاضراته التي يلقيها كانت لا تتسع لها إلا الميادين العامة.
- ولم يعهد عنه أنه تخلف عن واجب من الواجبات التي أسندت إليه، وكان نزيهاً طاهر اليد، فلم يأخذ شيئا من المال العام حتى الاعتماد المخصص له كان يوزعه بالكامل إما على الفقراء والمساكين المحتاجين أو لمن لديه مشروع عام من المشروعات التي تحتاج الى دعم، ولم يصل إلى يده من ذلك الاعتماد ريالا واحدا.
وظل الشيخ عبد المجيد مشغولاً بالهدف الذي نذر حياته له وهو تثبيت الإيمان في النفوس وتفنيد شبهات المشككين وأعداء الإسلام فأسس جامعة الإيمان التي استقطبت الطلاب من مختلف محافظات اليمن، والتحق بها طلاب من كثير من دول العالم.
ولم يكن بعيداً عن الناس في اليمن، بل كان يعيش همومهم ويتبنى قضاياهم، ودروسه ومحاضراته متاحة للجميع حيث يستمع الناس منه مباشرة لمعاني الإيمان والتوحيد والإعجاز العلمي في القرآن والسنة بأسلوب رائع وواضح وميسر يخاطب العقول والقلوب.
ولما استقر في تركيا بعد رحلة نضال طويلة وشاقة، وعلى الرغم من حالته المرضية، فقد استمر في أداء رسالته والتواصل مع علماء العالم الإسلامي نصرة لقضايا المسلمين في العالم وأولها قضية فلسطين.
مصادر ومراجع:
- سيف باكير: العلَّامة عبدالمجيد الزنداني.. شيخ الإعجاز العلمي في القرآن.
- وصفي عاشور أبو زيد: عبد المجيد الزنداني.. حياة حافلة بالعلم والعمل والجهاد.
- إسلام أون لاين: وفاة عبد المجيد الزنداني .. فارس الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
- توفيق الشنواح: وفاة عبد المجيد الزنداني في اليمن.
- زيد الشامي: الشيخ الزنداني.. العالم المجتهد والسياسي المناضل.