تُعد الطفولة مرحلة ذهبية لِمَن يرغب في حفظ القرآن الكريم وإتقانه جيدًا، لذا فإنّ كثيرًا من أولياء يسعون إلى تحفيظ أولادهم كتاب الله العزيز، حينما يبدأون في نطق الكلام، حيث يكون عقل الصغير يقظًا، وملكات الحفظ لديه نقية.
ولا شك أن للفهم دور كبير، فشرح معاني الكلمات بأسلوب شيق، ييسر عملية الحفظ والاستحضار، ولا بد من احترام عقلية الطفل، إذ إن لديه قدرة كبيرة على تخزين المعلومات، كما يجب مراعاة الفروق الفردية بين الأطفال في الحفظ.
أهمية حفظ القرآن في الصغر
وتكمن أهمية حفظ القرآن الكريم في العديد من النقاط، أهمها:
- الهداية: (إِنَّ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانَ يَهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) [الإسراء9).
- التأسي بالنبي- صلى الله عليه وسلم- الذي كان يحفظه ويراجعه مع جبريل.
- حملة القرآن هم أهل الله وخاصته.
- الخيرية: “خيركم من تعلم القرآن وعلمه”.
- الإمامة: “يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله”.
- الرفعة “إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين”.
- الشفاعة: “اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه”.
- الارتقاء في الجنة: “فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها”.
- مع السفرة الكرام البررة: “مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة”.
طرق حفظ القرآن في سن مبكر
وهناك طُرُق عديدة تُؤدي إلى حفظ القرآن الكريم في سن صغيرة، يجب على أولياء الأمور والمربين أخذها في الاعتبار، ومنها:
- أن يعتاد الطفل على سماع القرآن الكريم باستمرار منذ وجوده في رحم أمه حتى يُولد ويكبر.
- أن يكون الوالدَان قدوة حسنة للطفل، بحيث يراهم مواظبين على تلاوة القرآن.
- عدم إجبار الطفل على الحفظ، بل لفت انتباهه بطريقة غير مباشرة، ورصد الجوائز والهدايا لتشجيعه.
- اختيار الوقت المناسب لتحفيظ القرآن للطفل، وهو في الصباح الباكر.
- والصبر على أخطائهم أو الصعوبة في الحفظ عندهم.
- احترام طفولته، حيث إن الطاقة الحركية لديه كبيرة، وقد لا يستطيع الجلوس صامتًا منتبهًا طوال فترة التحفيظ.
- اختيار المكان المناسب بعيدًا عن المُشتّتات، ليكون بصر الطفل وسمعه وحواسه كلها مع الحفظ.
- تخصيص مصحف للطفل يستمر بالقراءة منه طوال فترة الحفظ.
- تكرار ما يتم حفظه في أوقات مختلفة من اليوم.
- الانتظام بالحفظ يوميًّا ومراجعة السّابق وربطه بالحفظ الجديد.
- الالتزام بطريقة الصفحة، وهي حفظ صفحة من القرآن حفظا جيدا، وعدم مغادرتها لغيرها قبل حفظها جيدا، وهنا لا نلتزم بوقت محدد.
- كما توجد طريقة الآيات أو الآية، وفيها تحفظ 3 أو 5 أو 7 آيات من القرآن يوميًّا، مع تكرارهم، ومراجعتهم حتى يتم الحفظ جيدا.
- مراعاة القراءة الصحيحة، مع تصحيح مخارج الألفاظ و ضبط الحركات.
- التسميع للغير، فإن ذلك مما يعين على الحفظ والتذكر.
نصائح وتوجيهات
ومن يريد حفظ القرآن الكريم عليه الأخذ ببعض النصائح والتوجيهات وهي تصلح للكبار والصغار، ومنها:
- الاستعانة بالله- سبحانه وتعالى-، وإخلاص النيّة له.
- الالتحاق بحلقات التحفيظ؛ لأنّ الحِفظ مع الجماعة يزيد الهمّةَ والعزيمةَ.
- والحِفظ بقَدرٍ بسيطٍ مُثبَّت ومُمَكَّن أفضل من الحِفظ الكثير دون تمكين.
- لا بد من الالتزام بوِرْدٍ يوميّ من الحِفظ، والمُراجعة، والتلاوة حسب المقدرة والطاقة.
- البَدء بالحِفظ من جزء عمَّ، ثمّ تبارك، ثمّ الذي قبله حسب ترتيب المصحف، وهكذا.
- الحرص على قراءة ما تمّ حِفظه في الصلاة، وتحديدًا في النوافل منها.
- استثمار الأيّام والأشهر الفضيلة في حِفظ القرآن، كشهر رمضان، ويوم الجمعة؛ لتثبيت الحِفظ، ومُراجعته.
آثار حفظ كتاب الله في الصغر
أكدت دراسات علمية حديثة أن حفظ القرآن الكريم في الصغر يُقوي الذاكرة، ويضمن للأبناء النجاح والتفوق في الكبر، ويحفظ اللغة العربية من الاندثار، وهو وقاية من الأمراض النفسية.
ويؤكد علماء الدين أن الدور المتخصصة في تحفيظ كتاب الله “الكتاتيب” لعبت دورًا متميزًا في تكوين الخلفية القرآنية والثقافية والإسلامية لدى أبناء المجتمع الإسلامي لقرون عدة، ومن آثار حفظ الكتاب العزيز ما يلي:
النمو اللغوي: فوفقًا لنتائج دراسة علمية حديثة للدكتور عبد الباسط متولي- أستاذ الصحة النفسية بجامعة الزقازيق- حول أثر تعلم القرآن والفقه على مستوى النمو اللغوي والذهني للطفل وتنمية الذكاء لدى الأطفال، فإن الحفظ في الصغر يضمن تفوق الأبناء ونجاحهم في الكبر، وينمي مدارك الأطفال واستيعابهم بدرجة أكبر من غيرهم، بالإضافة إلى تمتعهم بقدر كبير من الاتزان النفسي والاجتماعي وقدرة كبيرة على تنظيم الوقت.
وأشارت الدراسة إلى أهمية البدء في دفع النشء في سن مبكرة إلى حلقات ومدارس تحفيظ القرآن الكريم نظرًا لسهولة الحفظ في هذا السن والقدرة على الاستيعاب السريع والاسترجاع.
التنافس بين الأبناء: وأكدت الدراسة أهمية دور الأسرة في تحفيز أبنائها وبناتها على حفظ كلام الله وتشجيع التنافس بين الأبناء والبنات داخل الأسرة الواحدة على ذلك، حيث أثبتت الدراسة أن أكثر من 80% من حفظة القرآن من البنين والبنات عرفوا طريقهم إلى حلقات التحفيظ والمدارس القرآنية بتشجيع من الآباء والأمهات، وأكثر من 50% منهم لهم أشقاء وشقيقات يحفظون القرآن أو أجزاء منه.
الآثار النفسية: وحول الآثار النفسية لحفظ كتاب الله، أوضح الدكتور حسين زهدي الشافعي- أستاذ الأمراض النفسية والعصبية بجامعة القاهرة- أن القرآن يصاحب من يصاحبه، وكل يوم تقرأ وتحفظ فيه تنفتح لك أسرار جديدة، وتشعر بأنه صديقك الذي يحلق بك في عالم مليء بالأسرار ليضع بين يديك منهاجا دنيويا وسيناريو أخرويا.
ومن شأن ذلك أن يولد لدى الإنسان الشعور بالراحة النفسية والاسترخاء بفعل ما يفرز في الجسم من هرمونات “السيرتونين” المنشطة للخلايا العصبية والتي تنشط الموصلات العصبية وتقاوم الاكتئاب وقائمة طويلة من الأمراض المعروفة بالنفس جسمانية وهي التي تبدأ بالنفس وتنتهي بالجسد، ومنها القولون العصبي وأمراض القلب والشرايين، كما أن الحفظ في الصغر يقوي الذاكرة ويمرنها على الإلمام بالعلوم، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى التفوق في كافة العلوم.
إنّ حفظ القرآن الكريم في مرحلة الطفولة من أفضل الأعمال، ولا بُد من تعويد الصغار على سماعَ كلام الله، كما أن الطفل يمكن أن يتلقى القرآن منذ تكوّن الحروف على لسانه، ويُفضل أن يكون التحفيظ على يد مُتقِن للتلاوة، سواء أحد الوالدَين، أو مُعلّما مُتقِنا من أهل القرآن، مع ضرورة وجود المصحف مع الطفل خلال الحِفظ؛ حتى يعتاد النَّظَر إلى الكلمات، وإلى طريقة رَسْمها، ويَربط بينها وبين حِفظه والنُّطق السليم لها.
وكان الصحابة- رضوان الله عليهم- لا يحفظون الجديد إلّا بعد إتقانهم الحِفظَ القديم، وعملهم بما جاء فيه، ما ساعد على ترسيخ الحِفظ لديهم، وهي من الطرق السهلة في تحفيظ القرآن للأطفال، كما أنّها تساعد الحافظ على التفريق بين الآيات المُتشابهة في التراكيب والألفاظ، علمًا أنّه لا بُدّ من وضع خطّة زمنيّة للحِفظ؛ حتى يتيسّر للحافظ تقسيم السورة، وحِفظها وِفق جدول زمنيّ يتناسب مع طاقته، وأحواله.