يُعد التواصل الأسري عملية تبادل معلومات وأفكار ومشاعر بين أفراد الأسرة، سواء كان ذلك لفظيًّا أو غير لفظي، وهو يساعد على بناء الثقة والاحترام بين أفراد الأسرة، مما يخلق شعورًا بالانتماء والدعم، ويُعزّز الصحة العقلية ويُقلل التوتر والقلق، ويساهم في حلّ المشكلات وتجنب الصراعات والنزاعات، إضافة إلى التواصل الجيد مع الأطفال وتنمية مهاراتهم الاجتماعية والعاطفية، وجعلهم سعداء وناجحين.
وللتّواصل الجيد بين أفراد الأسرة أساليب تربوية وآليات تساعد على تحقيقه، ودونها يغيب هذا التواصل، فما هي معوقات هذا التّواصل وضعفه، وما هي نتائج غيابه عن الزوجين والأبناء؟ وكيف يُمكننا تحقيق تواصل كافٍ لتعم السعادة أرجاء الأسرة؟
أسباب ضعف التواصل الأسري
ويرجع ضعف التواصل الأسري إلى عددٍ من الأسباب، نذكر منها ما يلي:
- انشغال الأب في عمله: حيث يبتعد عن الأولاد الذين يلجأون إلى التواصل مع أصدقائهم للتعويض عن التّواصل الأسري، وربما يكونون من أصدقاء السوء، فيتعرّضون للانحراف عن المسار السلوكي والأخلاقي القويم.
- أساليب تعامل الوالدين مع الأبناء: ومن ذلك الإهمال، والضرب المبرح، والإساءة اللفظية، والتحقير، والتقليل من قيمتهم، وحرمانهم من التعليم والرعاية الصحية الكافية، وكثرة المشاحنات التي تنعكس سلبيًّا على نفسية الأطفال.
- عدم تعود الوالدين على قيم وثقافة التواصل: وعلى العكس من ذلك سيادة قيم سلبية لدى الوالدين تجاه أبنائهم، مثل ضرورة انصياع الأبناء لرغبات وقرارات الوالدين دون مناقشتهما.
- سوء التعامل مع جهاز التلفاز وقنوات التواصل الاجتماعي: حيث تستحوذ على وقت اجتماع الأسرة الشحيح.
- عدم وجود وقت للحوار والنقاش: وهو أمر مهم للغاية حال الرغبة في إيجاد تواصل فعال بين أفراد الأسرة.
- عدم اقتناع الوالدين بالمشكلة: وبالتالي لا يبذلان الجهد لإيجاد القاسم المشترك بينهم وبين أبنائهما، وبخاصة مع يمر به العالم من مرحلة صعبة، تتسم بالتغير والتطور المستمر، وتتطلب إيجاد أنجح السبل لخلق علاقة بناءة تكون جسرًا متينًا تعبر عليه الأجيال القادمة بأمان.
- الخلاف الدائم بين الأب والأم: وهو ما ينعكس على سلوكيات الأبناء، حيث يجد الأبناء الوالدين في حالة غضب دائمة ونفور وخلاف، وهو يؤدي بالضرورة إلى انعدام الثقة لديهم، وبطريقة غير مباشرة يفتقدون أدنى مبادئ الحوار الناجح، ولا يستطيعون بناء مناقشة مثمرة بشأن مشكلاتهم أو ما يحتاجون إليه.
- الخوف من العقاب: حيث يخاف كثير من الأبناء من الحوار، ويتجنبون أي جلسة أسرية للفضفضة والحديث العام لأن الوالدين لا يستثمرون هذه الجلسات في متابعتهم، بل يجعلونها للحساب والعقاب على الأفعال وتقويم ما يرونه من سلوكيات دون النظر إلى الظروف المحيطة ومعرفة أسباب هذه الأفعال.
علاج ضعف التواصل الأسري
وعلاج ضعف التواصل الأسر يتطلب السير على خطة تربوية تتخلص ملامحها في النقاط التالية:
- العناية والتعاون في إقامة أركان الدين الأساسية في الأسرة: ويكون ذلك بالتذكير بالصلوات الخمس، والنصح في الدين دون تعنيف أو إيذاء.
- مناقشة شؤون الأسرة: مهما بدت بسيطة من خلال عقد مجالس أسرية منتظمة يسودها الحوار الحقيقي الذي هو جدال بالحسنى.
- الالتزام: والمقصود به قدرة كل طرف على تقديم ما عليه من واجبات وأخذ ما له من حقوق، فالالتزام يجعل الفرد يتحمل المسؤولية ويتعاون مع الآخرين ويشعر بهم.
- المشاركة: بتبادل الأفكار بين الزوجين وبينهما وبين الأولاد والشعور بالمشاعر نفسها وتفهمها، وطرح المشكلة وإيجاد الحل المناسب لها وتقبل الخلاف والاختلاف بينهم جميعًا.
- الإنصات: فكل طرف يحتاج إلى إنصات الطرف الآخر له، لذا يجب على الأسرة الحرص على وجود الحوار الفعال بداخلها والاستماع إلى الأبناء واحتوائهم حتى نعمل على سد الفراغات النفسية والعاطفية التي من الممكن دخول أصدقاء السوء من خلالها.
- التيسير على الأهل: وهذه من العبادات التي ينبغي على المسلم أن يمارسها داخل أسرته، فالزّوج يُيسّر على زوجته فلا يكلفها ما لاتطيق من أعباء، وأيضًا الزوجة تُيسّر على زوجها فلا ترهقه بما لا يتناسب مع ظروفه وإمكاناته المادية.
- بناء الثقة لدى الأبناء: من خلال التواصل معهم وتوفير الأجواء الأسرية الهادئة والمستقرة لهم ومنحهم التقدير والاهتمام والتعاطف مع مشاعرهم في وقت الحزن والضيق وبالتالي يجب على الأب قضاء معظم الوقت مع أبنائه ولا يجعل وجوده في المنزل بمنزلة عقاب لهم بل يجعلهم يشعرون بالمتعة والسعادة ويشاركهم اللعب والمهارات التي يقومون بها.
- مهارة الوعي: لن ينجح التّواصل بين أفراد الأسرة إلا في ظل وجود قدر من الوعي الثقافي، وذلك بترغيب الأبناء في القراءة وحثّهم عليها، فالثقافة محور مهم للتواصل يجعل الأبناء يتمتعون بالثقة والقدرة على التحدث بإيجابية، ومهما تعرّضوا إلى مشكلات فهم يستطيعون أن يتجاوزوها.
- انتهاز فرص للحديث والحوار: ويمكن ذلك من خلال طرح أسئلة خلال قراءة كتاب أو مشاهدة وثائقي على التلفاز، ثم إعطاء الأولاد مساحة للتحدث والتعبير عن الرأي وإبداء وجهات النظر.
- الحفاظ على الوجبات العائلية: فتواجد أفراد العائلة حول مائدة الطعام يقومي العلاقات العائلية، والتقيد بها ينمي الإحساس بالدفء العائلي.
- الرحلات الترفيهية: بأن تخصص العائلة يومًا في الأسبوع أو في الشهر للرحلات والتنزه الجماعي سواء كان للحدائق أو الأماكن الطبيعية أو المتاحف أو المراكز العلمية أو المعارض أو تناول وجبة في أحد المطاعم المفضلة.
- المحافظة على الشعائر الدينية والتقاليد الاجتماعية: مثل شهر رمضان أو الأعياد أو الزيارات الدورية للأقارب والتواصل معهم فهذا يزيد من التلاحم العائلي ويُربّي في الأبناء احترام هذه المناسبات ويمد جسورًا من التواصل العائلي المثالي.
- تحدي ضغوط الحياة: فالحياة مليئة بالضغوط من مختلف الجوانب، سواء كانت متعلقة بالعمل، أو الدراسة أو التزامات أخرى، فيجب توفير وقت للاستراحة والاستمتاع بالوقت مع العائلة وتنظيم جداول الأنشطة لتخفيف هذه الضغوط وتحقيق التوازن.
- التفاهم والاحترام: فهما أساس السعادة الأسرية، لذا يجب عدم التجاوز في التعبير عن الآراء وتعزيز ثقافة الاحترام المتبادل وتقدير تنوع الأفراد.
- التوازن بين الحياة الشخصية والعائلية: يمكن تجاوز هذا التحدي من خلال تحديد أهداف واقعية وتخصيص وقت للأسرة بشكل منتظم.
- التعليم والتوجيه: يجب تقديم الدعم والاستماع للأولاد وتوجيههم.
فإن التواصل الأسري يحافظ على استقرار المجتمعات، وهو مهارة ضرورية لتماسك الأسرة وترابطها وفَهْم كل طرف ميول واتجاهات الطرف الآخر والحد من حدوث خلافات، وعلى العكس فإنّ غيابه يتسبب في ظهور أمراض ومشكلات أسرية.
مصادر ومراجع:
- حسن الأشرف: التواصل الأسري.. المشكلة والحل.
- موقع النجاح: 14 طريقة لتعزيز التواصل الأسري.
- نهى سعد: 12 نصيحة لحوار فعال وإيجابي داخل الأسرة.
- ضيف العامري: التواصل الأسري وأثره على التحصيل الدراسي للأبناء.
- ميسون عبد الرحيم: أضرار انعدام التواصل بين الآباء والأبناء.
- د. صالح نجيدات: ضعف التواصل بين أفراد العائلة الواحدة يهدد كيانها.