وردت صفات عباد الرحمن في القرآن الكريم من خلال خواتيم سورة الفرقان وصدر سورة المؤمنون، وهي صفات لمن يرتقي أعلى منازل الجنة بسبب صبرهم على المعاصي والطاعات، بل يلقون في الجنة التحية والتسليم من الملائكة.
ومن أبرز الصفات العظيمة التي اتصف بها عباد الله- سبحانه وتعالى- الإيمان بالله تعالى، والابتعاد عن اللغو، والتواضع، والابتعاد عن الجاهلين، وقلة النوم حيث يقضون الليل سجودًا ووقوفًا، والإنفاق في سبيل الله، والابتعاد عن الشرك، والزهد في المحرمات، والوفاء بالعهد، والتطهير من الذنوب، والتدبر في القرآن الكريم، والخوف من الله، والدعاء لله، والإيمان باليوم الآخر.
صفات عباد الرحمن
وتتخلص صفات عباد الرحمن التي ذكرت في القرآن الكريم في الآتي:
- التّواضع في المشي قال الله- سبحانه-: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) [الفرقان: 63]، والتواضع الصفة الأولى التي ذُكرت في صفات هذه الفئة المؤمنة، حيث يمشون بتواضعٍ دون تكلّف ولا تصنُّع ولا خيلاء، فتظهر نفسهم المطمئنة الساكنة من خلال مشيهم الوقور الساكن، والقوي بالوقت ذاته دون تذلل أو انكسار.
- قيام الليل والتهجّد والدّعاء: قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) (الفرقان: 64-66) وهنا تصف الآيات ليل هؤلاء الصالحين الأتقياء، فهم يقضون ليلهم بالصلاة والقيام، ومحاسبة النفس ومراقبة الله في أعمالهم، وهم يتضرّعون إلى الله -عز وجل- بأن يقيهم عذاب النار.
- الحلم أو الكلام الطيب: {وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً}، أي: إذا سفه عليهم الجهال بالقول السيئ، لم يقابلوهم بمثله، بل يعفون ويصفحون، ولا يقولون إلا خيرًا، كما كان رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- لا تزيده شدة الجاهل عليه إلا حلمًا، وكما قال تعالى: (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ).
- الاعتدال في الإنفاق: قال الله جل في علاه: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) [الفرقان: 67]، أي والذين إذا أنفقوا على أنفسهم أو عيالهم ليسوا بالمبذّرين في إنفاقهم، فلا ينفقون فوق الحاجة، ولا بالبخلاء، فيقصرون في حقهم وفيما يجب عليهم، بل ينفقون عدلًا وسطًا خيارًا، بقدر الحاجة، وخير الأمور أوسطها.
- توحيد الله عز وجل: قال سبحانه تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ) [الفرقان: 68] فعباد الرّحمن يُخلِصون في عبوديتهم وتوحيدهم لله- عز وجل- وحده لا شريك له، وهذه الصّفة هي أساس العقيدة السليمة، وأهم ثمرات الإيمان وأعظمها، وهي سببٌ لمغفرة الذنوب ودخول الجنة.
- تجنّب المعاصي والمنكرات: قال تعالى: (وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا )[الفرقان: 68] فقد قدّر الإسلام حياة الإنسان واحترمها، وحرّم قتلها بغير حق تحريماً عظيماً، وعِباد الرّحمن يجتنبون فعل المعاصي والكبائر وظلم الناس وقتلهم، ويخافون من عاقبة الظلم وسوء مصيره، كما أنّهم يحفظون فروجهم وأنفسهم من الزّنا، فلا يقتربون من الفواحش وهذه المنكرات.
- الترفّع عن اللغو والظلم قال تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) [الفرقان: 72] والزور هو القول الكاذب الباطل واتّهام الناس بغير حق، وعباد الرحمن يجتنبون الباطل ولا يعترفون به، واللغو هو القول العبث أو القبيح الذي ليس فيه فائدة ومنفعة، وعباد الرحمن يترفّعون ويُعرضون عنه لوجه الله -تعالى-، وينشغلون بما يُرضي الله.
- الخوف من عذاب الله: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ: (رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ) أي والذين يخافون ربّهم ويدعونه في وجل، ويقولون في حذر: ربّنا أبعد عنا عذاب جهنّم وشدته، كما قال سبحانه: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) [المؤمنون: 60] .
- الدعاء بالذريّة الصالحة والتقوى: قال تعالى-: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان: 74] حيث يتمنّى عباد الرّحمن المتّقون أن يرزقهم الله- عز وجل- الذريّة الصالحة لتطمئن نفوسهم بها، ويزيد عدد المؤمنين السالكين درب الله، ويدعون أن يكونوا قدوة وإماماً للخير.
- قبول المواعظ: قال سبحانه: (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) [الفرقان: 73] أي والذين إذا ذكّروا بالآيات، أكبّوا عليها حرصا على استماعها، أقبلوا على من ذكّرهم بها بآذان صاغية واعية، وعيون مبصرة متفتحة، وقلوب مستوعبة، لا كالكفار والمنافقين والعصاة من المؤمنين إذا سمعوا كلام الله لم يتأثروا به، ولم يغيروا ما هم عليه، بل يستمرون على كفرهم وعصيانهم، وجهلهم وطغيانهم، كأنهم صمّ عمي.
- الابتهال إلى الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان: 74] أي والذين يبتهلون إلى ربّهم داعين الله أن يرزقهم زوجات صالحات وأولادًا مؤمنين صالحين مهديين للإسلام يعملون الخير، ويبتعدون عن الشر، تقرّ بهم أعينهم، وتسرّ بهم نفوسهم، فإن المؤمن إذا رأى من يعمل بطاعة الله قرّت عينه، وسرّ قلبه في الدنيا والآخرة. ويدعونه أيضا أن يجعلهم أئمة يقتدى بهم في الخير واتباع أوامر الدين.
كيف نسير على خطى عباد الرحمن؟
ويمكن أن نسير على خطى عباد الرحمن الذين وعدهم الله بالجنة يوم القيامة، وذلك من خلال الآتي:
- التعرف إلى صفات هذه الفئة المؤمنة من خلال قراءة خواتيم سورة الفرقان وصدر سورة المؤمنون.
- السعي إلى تحقيق هذه الصفات التي تضمن لصاحبها طريق الفوز والنجاة في الدنيا والآخرة.
- التأسي بعباد الرحمن في أخلاقهم وأفعالهم، فهم خير قدوة يُحتذى بها.
- عدم حضور المجالس التي فيها منكرات؛ لأن مَن يقعد مع أهل المنكر حال وقوعهم فيه، ولا ينكر عليهم يكون شريكًا لهم في الإثم، ولو كان لا يرضى بهذا المنكر، فإن كان لا يستطيع الإنكار عليهم، فلا يقعد معهم، قال سبحانه: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) [الأنعام: 140].
جزاء عباد الله
وختمت الآيات بذكر جزاء عباد الرحمن وهو الجنة، وخصّصت مكانا مُحدداً لهم بالجنة يُدعى (الغرفة)، وهو مكان لائق حسن بهم جزاء صبرهم على شهوات النفس وجهادهم على مُقاومة المغريات، ولتقواهم ومخافة الله في عواقب الأمور.
وأولئك الذين اتصفوا بالصفات السابقة من عباد الرحمن، يثابون أعلى منازل الجنة بسبب صبرهم على المعاصي والطاعات، وسيلقون في الجنة التحية والتسليم من الملائكة.
ودخول الجنة أمنية كل مؤمن ومؤمنة، ومطلب كل مسلم ومسلمة، فعند الترمذي عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قلنا: يا رسول الله ما لنا إذا كنا عندك رقَّت قلوبنا، وزهدنا في الدنيا وكنا من أهل الآخرة، فإذا خرجنا من عندك فآنسنا أهالينا وشممنا أولادنا أنكرنا أنفسنا؟ فقال رسول الله: “لو أنكم تكونون إذا خرجتم من عندي كنتم على حالكم ذلك لزارتكم الملائكة في بيوتكم، ولو لم تذنبوا لجاء الله بخلق جديد كي يذنبوا فيغفر لهم”.
قال: قلت: يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها؟ قال: “لبنة من فضة ولبنة من ذهب ومِلاطها (ما يوضع بين اللبنتين) المسك الْأَذْفَرُ (الشديد الرائحة)، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وتربتها الزعفران، من دخلها ينعم ولا يبأس (البأس: العذاب والشدة في الحرب)، ويخلد لا يموت، لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم”.
وعن علي بن أبي طالب عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: “إنَّ في الجنَّةِ غُرفًا تُرَى ظُهورُها من بطونِها وبطونُها من ظُهورِها فقامَ أعرابيٌّ فقالَ لمن هيَ يا رسولَ اللَّهِ فقالَ لمن أطابَ الكلامَ وأطعمَ الطَّعامَ وأدامَ الصِّيامَ وصلَّى باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ” (صحيح الترمذي).
وفي صحيح البخاري، يقول أبو قتادة بن ربعي رضي الله عنه: مُرَّ على النبي- صلى الله عليه وسلم- بجنازة، فقال: “مستريح ومستراح منه”، قالوا: يا رسول الله، ما المستريح والمستراح منه؟ قال: “العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها، إلى رحمة الله، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب”، ولما حضرت الوفاة رسول الله، قالت فاطمة- رضي الله عنها-: واكرب أبتاه، فقال رسول الله: “لا كرب على أبيك بعد اليوم”، أراد المعصوم أن يقول لها: إن أيام الكرب والهم والتعب قد انتهت، وانطلقت أيام السعادة والراحة وبدأت.
وعند الترمذي عن أنس- رضي الله عنه- أن الربيع بنت النضر أتت النبي- صلى الله عليه وسلم- وكان ابنها الحارث بن سراقة أصيب يوم بدر، فأتت رسول الله فقالت: أخبرني عن حارثة، لئن كان أصاب خيرًا احتسبت وصبرت، وإن لم يصب الخير اجتهدت في الدعاء، فقال: “يا أم حارثة إنها جنة في جنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى”.
ونعيم الجنة الأعظم ليس في بنائها وقصورها، ولا في ذهبها وفضتها، ولا في شرابها وطعامها، ولا في لباسها وحريرها، ولا في أنهارها وحورها، ولكن في النظر إلى وجه الله الكريم، فعند مسلم من حديث صهيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا دخل أهل الجنة الجنة قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا، ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار، قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل”.
فالله وعد عباد الرحمن بالمنافع العظيمة في الجنة التي يعيشون فيها حياة الخلود، فهي لهم (حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاما)، لذا على المسلم السعي لتحقيق هذه الصفات في حياته، فهي طريق الفوز والنجاة في الدنيا والآخرة.
مصادر ومراجع:
- إسلام ويب: صفات عباد الرحمن في القرآن الكريم.
- موقع المسلم: صفات عباد الرحمن.. متى يمتثلها الدعاة؟!.
- صفاء العطاس: تأملات في صفاتِ عِبَادِ الرَّحْمَن.
- عبد العزيز آل الشيخ: صفات عباد الرحمن.
- إسلام أون لاين: كيف تكون من عباد الرحمن؟
- عبد المالك واضح: جزاء عباد الرحمن.