تزوجت بطريقة تقليدية، ورزقني الله ثلاث بنات، وصار بيني وبين زوجي مشاعر ومحبة.
أنا موظفة ومرتبي أكثر من مرتبه، وكان علينا ديون كثيرة بعد الزواج، وكنت أعطي زوجي كل مرتبي، ولم أطالبه أبدًا بشيء يعجزه، ما صدمني مؤخرا أنه صار يتضايق من ملابسي ويصفها بأنها غير جميلة، رغم أنه يعلم أنني محجبة ولا أضع المكياج وخلافه.
لمدة 5سنوات كان يصفني بأنني مقصرة، ولا أشتري ثيابا تعجبه، هو شديد التعلق بأمه، وكانت دائما تقول له: إذا ليس مع زوجتك مال فيمكنها أن تشتري من الملابس المستعملة، وهو بدوره يكرر عليّ نفس الكلام! رغم ألبس كباقي الناس، ولست كما يصفني بأن ملابسي غير جميلة، بدأت أشك أنه يلاحظ البنات في الخارج ويقارن بيني وبينهن.
حين كنت أطلب منه أن “نغير الجو” كان يرفض، وهو كثير الزيارة لأهله، صباح كل يوم يشرب عندهم القهوة، ويزورهم كذلك في المساء، ويجعلني أوصل بناتي بالسيارة لبيت أهلي كي أنطلق بعد ذلك لشراء لوازم البيت، ثم أذهب للعمل، المشكلة الأخرى أنه يرتاد المقهى كثيرًا وحين يرجع للبيت يظل مستغرقا مع هاتفه.
أنا لا أسكت! وكنت أنبهه باستمرار، وأحيانا أصل لحالة من التشنج في رد الفعل، وهو يرد عليّ بالكلام والإهانة والضرب، ثم يأتي بعد ذلك يصالحني ويراضيني.
أهلي طيبون، وكانوا دائمًا يصلحون بيننا، على العكس من أهله، وآخر مرة رأيته مستغرقا في هاتفه نبهته فأهانني بكلام بذيء وضربني، وهذه المرة أعترف أنني أخطأت ووصفته بأنه ليس رجلا! وبعدها اتصلت بأهلي وقدمت على قضية طلاق، ووجدت أنه موافق، لكنني متأكدة أنه وافق لأني من بدأت القضية، وجاء ليوقع على الأوراق.
مر 20 يوما ولم يسأل عليّ أي شخص من عائلته، بل جاء هو ليأخذ بناته مرتين لبيت أهله، وقابل أمي حينها ولم يتكلما في شيء بخصوص الأمر.. مع أن موعد الجلسة في يناير 2023.
كما أنني وضحت له أنني أغار من أخته وأمه؛ لأنه دائمًا يُشعرني بالنقص وأنهما يفهمان في كل شيء! أرى أنه مدلل وغير مسؤول، وليس فيه عيوب أخرى غير أنه لا يصلي!
السائلة الكريمة:
سأبدأ بما أنهيت به كلامك: “ليس فيه عيوب أخرى غير أنه لا يصلي”!
كيف نرجو لبيوتنا صلاحًا وانصلاحًا في ظل بعد عن الله؟!
قبل الاختيار نذكر دائمًا بحديث النبي- صلى الله عليه وسلم-: “إذا أتاكُم من تَرضونَ خُلقهُ ودينهُ فزوّجوهُ ، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ عريضٌ”، كيف قبلتِ الزواج بالأساس ولديه مشكلة في الصلاة، التي هي عماد الدين؟!!
ترك الصلاة ليس بالشئ الهين أبدًا، يقولون: “أقم صلاتك تستقم حياتك”، يؤسفنا أن نقول أن ما أنتم فيه نتيجة طبيعية للتقصير في جنب الله.
الدين يضبط كثيرًا من الأمور ويعصم كثيرًا، على أقل تقدير الملتزم بالصلاة له مرجعية، إذا ذكرتِه بالله استجاب، فإذا أحب زوجته أكرمها وإذا كرهها لم يظلمها، ميزانه في الأمور ما أمر الله به وما نهى عنه، لا شيء آخر.
بجانب ترك الزوج للصلاة ثمة مشكلات أخرى تعكر صفو أي علاقة، نبينها في السطور القادمة بإذن الله ونوضح كيف يمكن إصلاحها، ولكن اجعلي أولويتك مع زوجك إن اخترت الرجوع عن فكرة الطلاق، أن يكون مهرك الجديد، حفاظه على الصلاة، ولتكن ملابسك، ودلاله، وغيرتك من أمه وأخته لاحقًا.
السائلة الكريمة: بما أنكِ تعيدين تقييم أمر زواجك فابدأي بسؤال نفسك:
- ماذا رأيت في زوجك من صفات إيجابية حين تقدم لك حتى مضيت قدمًا في مشروع زواجك؟!
- وهل ما زال يحافظ على تلك الصفات؟
قلتِ أن مشكلته الوحيدة أنه لا يصلي، بينما أثناء سردك تفاصيل المشكلة تحدثت عن الضرب ومد اليد! وعدم همته في العمل، وإلقاء المسئولية المادية عليك، وتخليه عن دوره في شراء الحاجيات وتوصيل البنات، إذن مشكلة زوجك ليست في عدم صلاته فقط!
مد اليد خط أحمر، إن ارتضيتِه لنفسك، ستكبر البنات على أن هذا شيءٌ عادي، فيقبلن بأزواج يمدون عليهن أيديهم، ونعيد الكرة في بناء بيوت متصدعة غير مستقرة.
عملك لك، ومساعدتك لزوجك كرمًا منك، لكن انقلاب الكفة هكذا، بأن تكوني أنت مصدر الدخل الأكبر، وأنت من تسددين ديون زوجك، هذا أمر يخالف معنى قوامة الرجل.
قد تساند المرأة زوجها إذا ما تعثر، لكنها تسانده بعض الوقت، وهو يسعى في كل الاتجاهات يستجلب الرزق، لا يجلس على المقهى ويقلب في الهاتف، ويتردد على بيت أهله صباح مساء.
ثم لا يكتفي بذلك بل يسقط عليك ضعف شخصيته بالتقليل من شكل هيئتك! ويمتد الأمر إلى التعليق من والدته! فقبل أن تتخلي عن قضية الطلاق، اكتبي: “إذا عدت فإنك تعودين لأن به صفات ايجابية كذا وكذا، وأنه بحاجة إلى أن يغير من نفسه، وأنا بحاجة إلى أن أتغير في كذا وكذا”.
باختصار شديد نرجع عن قرار الطلاق لما ينصلح حال الزوج ويرجع الزوج عن مسببات الطلاق.
السائلة الكريمة:
مبدأ الاحترام حين يسقط، يصعب معه الإصلاح، إلا بمرور وقتٍ كافٍ، وقد وقعت في سقطة لسان تنم عن رؤيتك الحقيقة لزوجك، بوصفه “أنه ليس رجلًا” كما وضحت في رسالتك، كيف إذا عاد ليثبت لك رجولته مستخدمًا عضلاته، ويبرحك مزيدًا من الضرب.
إن لم يكن بينكما مخزون ود كاف ستتعقد الأمور أكثر، والتمهل في العودة في مصلحة نسيان الإساءات والتفاصيل المؤلمة، نحن لسنا مع العودة أو ضدها، نحن مع إقامة بيوت صالحة، ترضي الله عنا، يملؤها الود والسكينة والرحمة، ينمو فيها أبناء أصحاء نفسيًا وجسديًا، هذه أعمدة رصينة وأركان مهمة للبيت المسلم، فإذا ما حققتِها مع هذا الزوج، فألف ألف مرحبًا بعودته وعودتك، حينها تكونين قد منحت بناتك أبًا صالحًا، وإن لم ينصلح الحال فتذكري، {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ} (النساء: 30).
أختنا الفاضلة اسمحي لنا بمحادثة أمهات الرجال، من دللن أبناءهن صبية فأفسدوا عليهم حياتهم رجالًا، الابن المدلل من يترك بيته ومسئولياته ويذهب ليتسامر في بيت أمه يوميًا، أهلًا به زائرًا كل يوم لا ضير في هذا، المشكلة تكمن في تقصيره في حق بيته.
الأمهات التي تشجع على هدم البيوت بعدم نصح أبنائهم في أن يتقوا الله في زوجاتهن وأزواجهن، ويسعدن بصحبة أبنائهم لهم غير عابئين بتقصيرهم في بيوتهم، بل يصل الحال لبعض الأمهات بقول: “ولا يهمك بكرة أزوجك أحسن منها!”، أمهات كن لأبنائهم معاول هدم لا بناء، فاتقوا الله في نصح أبنائكم وذكروهم بأن يتقوا الله في النساء فإنهن أسيرات عندهم، كما علمنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
السائلة الفاضلة: ثمة بعض المهارات والحنكة تنفع مع الزوج المدلل، تحسن من سلوكه بعض الشيء:
واحدة: أن تكوني له كأمه بشكل مؤقت، فلن تستطيعي لعب هذا الدور كثيرًا، فهذا مما سيرهقك، معنى أن تكوني له أمًا، أن يجد لديك الحنان والإنصات وعدم التوبيخ والراحة والسكن، لأنه كلما افتقد هذه المشاعر يذهب مسرعًا يلبي احتياجاته من هناك، قد تحتاجين في بادئ الأمر إلى المبالغة في الاهتمام وهذا ما نقول بأنه سيكون مرهقًا (المبالغة)، حتى تأخذي بعدها بزمام العلاقة نحو الوسطية والاتزان.
الثانية: إذا كان زوجك يدلي بجميع التفاصيل لأمه، فاطلبي منه المشاركة والاحتفاظ بموضوع معين بينكما فقط، لا يحكيه لأمه ولا لأخته، أشعريه بثقتك في الحلول التي سيصل إليها، فيبدأ في التوازن هو أيضًا، وتنضبط علاقته بأمه وببيته.
الثالثة: احفظي مقامك كزوجة، لها ميزات لا تضاهى ولا تقارن بدور الأم أو الأخت، الجميع له تقديره واحترامه، لكن الأدوار متباينة بشدة، اجعلي الغيرة والتنافس في الخير، وإن كان قربهم من زوجك هو مصدر الغيرة فلا يحق لك! اضبطي بوصلتك كزوجة، واتركي الساحة للأم وللأخت للعب أدوارهما، بل اسألي نفسك ما سبب غيرتك منهما؟! قد تجدين أنك تفتقدين الدلال في بيت أهلك، أو غيرها من أسباب، توضح أن المشكلة عندك لا عندهم، إرجاع الأمور إلى أصلها وفهم جذور المشكلة يساعد في الحل كثيرًا.
الرابعة: من الذكاء الاجتماعي مشاركة زوجك فيما يحب، فإذا كان يحب التردد على بيت أهله كثيرا، اطلبي مصاحبته كل فترة، اصنعي لهم حلوى يأكلونها بجوار القهوة، فلن يقابل المعروف إلا بخير طالما كانت نيتك أن تعاملي الله فيهم، وتحسني إليهم.
الخامسة: وكم هي مهمة- وكم أهلَكَ التخلي عنها بيوتًا كثيرة- تذكري دورك كأنثى، خروجك إلى العمل واستسلامك لدلال الزوج يجعلك تتقمصين أدوار الرجل على حساب دورك كأنثى، والمدلل بطبيعة الحال حينما يرى من يحمل عنه، لن يقول له: “دع عنك، هذه من مسئولياتي!”؛ بل سيتمادى في الدلال أكثر، وتفقدين دورك كأنثى أكثر وأكثر، خذي خطوة للوراء قليلًا، أسندي إليه بعض المهام التي حملتِها عنه بشكل تدريجي، عوِّدي البنات أن يطلبن حاجيتهن من أبيهم، أعيدي لزوجك أدواره المسلوبة بدعوى دلاله.
خطابنا الأخير لك وللنساء جميعًا: ماذا يريد الزوج من زوجته، لعل بتلك المكاشفة تستقيم البيوت وتنصلح الأحوال: يريد الزوج من الزوجة:
- التقدير: (أن يكون الزوج هو من يملأ عين زوجته)، ولا يكون ذلك إلا من خلال حسن الاختيار من البداية، الرجل إذا شعر بأنه وقع من عين زوجته، يتحول إلى بركان غضب.
- الرجل يحب أن يعود إلى البيت فيشعر فيه بالسكن والهدوء والبعد عن المشاكل، يقولون عنه (عُش الزوجية)، فالعش الذي يجذب الرجل يتنافى في أحيان كثيرة مع بيت به أطفال غير مدربين على التصرف بشكل معين في وجود الأب، لذا يلجأ كثير من الرجال للمقهى والغوص في التطبيقات الإلكترونية المختلفة كنوع من الانفصال عن العالم الصاخب حولهم.
- الرجل يحتاج لزوجة ترعاه في ماله وتدبر حاجيات المنزل بأقل خسائر ممكنة، وأن تسير على قدر دخله ووفق ظروفه.
- الرجل يحتاج إلى زوجة تلبي حاجته الجنسية، وكثيرًا ما تقع النساء في دوامة البيت والأبناء فتهمل في نفسها فيتأخر دورها كزوجة بسبب دورها كأم.
- التعامل مع غضب الزوج يجب ألا يكون بندية، يعلو صوته فترفع الزوجة صوتها، نتذكر الآية: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ}، خفض الجناح حيال الغضب، نقطة قوة للزوجة، وليس علامة ضعف أبدًا.
- الرجل لا يحب وضع خطة لتحسينه، إذا شعر بذلك يعاند ولا يستجيب، يحتاج التغيير لمهارة شديدة من الزوجة، وعدم الكلام في الموضوع بشكل مباشر، خصوصًا إذا لم تتفاجأ الزوجة بتلك الصفات.
السائلة الكريمة: إذا كنا قد أطلنا الجواب، فذلك من فرط تكرار السؤال، واستقرار التعاسة في البيوت، لعل برسالتك هذه تكونين سببًا في رفع غشاوة عن حالات مثلك، سكتن حتى تفاقمت أمورهن، ولا نجد أصعب المضاعفات (الطلاق)، بل أصعبها أن نحيا بغير مراد الله منا، أراد لنا الزواج سكن ومودة ورحمة، فلم نفهم ذلك، وأخذنا الأمر في منحنًى يبعد كل البعد عن ما شرعه الله، ليس هذا فحسب، الناظر لتكرار تلك المشكلات يستطيع تخيل صورة المجتمع عقب عقد أو عقدين، التفكك سيده، رباط الأسرة مفكك فكيف حال المجتمع ونواته الأسرة على هذه الشاكلة.
وأخيرًا، كما بدأنا مشروع الزواج بالاستخارة، عليكِ اللجوء إلى الله مستخيرة بأن يقدر لكِ الخير حيث كان ويرضيك به: {رَبَّـنَا هَبْ لَنَا مِنْ اَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقينَ إِمَاماً}.