أنا زوجة أعمل وأساعد زوجي بقدر من راتبي شهريًّا، إلا أنه يقول لي إنني أنانية ولا أساعده بالقدر الكافي لسداد ديونه، وإنني أفكر في نفسي، المشكلة كذلك أنه يُهددني بالتخلي عني لهذا السبب، فماذا يجب أن أفعل؟
موضوع السؤال من الموضوعات التي لا لبس فيها ولا غموض، معروف أختي السائلة أن الإنفاق على البيت وتلبية حاجاته، من المهام الأساسية الواقعة على عاتق الرجل، وهي أحد الأسباب التي جعل الله من أجلها القوامة للرجل على المرأة، حين يستقيم الرجل في قيامه بالمهام التي أوكلها الله له، يستقيم بعدها حال البيت، ويستقيم دور المرأة في القيام بمهامها كزوجة وأم.
قال الله تعالى في سورة النساء: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) (النساء: من الآية 34).
ومن القواعد الراسخة كذلك، أن الإسلام قد أعطى المرأة ذمة مالية مستقلة، تتصرف في مالها كيفما شاءت دون تحكم أو حساب من أحد. فإن شاءت ساهمت مع زوجها إن كان هناك حاجة لذلك وإن لم تشأ فلا، وقد قال الله تعالى: {فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا}، ويتضح هنا أن المعيار الأساسي هو رضا الزوجة وقبولها بسماحة نفس الأخذ من مالها.
ومع هذا نفهم أن في زماننا هذا قد كثرت أعباء الحياة، ولم يعد بعض الرجال قادرين على حمل الأمانة بمفردهم، فخرجت بعض النساء ساعيات مشكورات لمساعدتهم، بعضهن خرجن مختارات، لكن ما لا يصح هو خروج بعضهن مجبورات، فلا يصح أن يجبر الرجل زوجته على العمل لتحمّل مصاعب الحياة المادية معه، فالرجل لن يعدم حيلة لتوسيع رزقه كما أنه يستطيع أن يعمل بدلًا من الوظيفة اثنتين، وكما قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: ” لأنْ يأخذَ أحدُكم حبلَهُ على ظهْرِهِ فيأتي بحزمةٍ منَ الحطبِ فيبيعُها فيكُفَّ اللهُ بها وجهَهُ خيرٌ مِنْ أنْ يسألَ الناسَ أعطوْهُ أوْ منعوهُ” (البخاري)، وهنا حث واضح على عدم سؤال الغير في النفقة، فما بالك سؤال الزوجة ذلك؟!
أَمَا وإن خرج بعضهن متطوعات أو أنهن خرجن للعمل تحقيقًا لرغبة ذاتية، أو تحسينًا لمستوى معيشتهن، فلا ضير أن يساعدن دون أن يكون عليهن إلزام بالمشاركة بقدر معين من المال، خصوصًا أن خروجهن للعمل قد يؤثر على أداء دورهن بالمنزل، فربما تختار المرأة أن تنفق على ما يعينها في تدبير شؤون البيت، وتعويضًا عن تقصير محتمل في بيتها أو أن ينفقن لتحسين معيشتهن ما دام قد وفّى الزوج بالضرورات.
بعض البيوت يوافق فيها الزوج على خروج زوجته للعمل بشروط، منها أن تُساهم في نفقات الحياة، أو أن يكون اتفاق مُسبق قبل إتمام الزّواج وعدت فيه المرأة بمساعدة الزوج ماديًّا، أو أي اتفاق آخر قد جرى بين الأزواج لأسباب بعينها- وسواء اتفقنا على صحة الاتفاق على أمر كهذا أو اختلفنا وطالما تم برضا الطرفين ولم يجدّ ما يلزم تغييره- فإنها تظل اتفاقات يجب الإيفاء بها من قبيل الوفاء بالعهد وصون أمانة الكلمة، وليس من قبيل أحقية الزوج إجبار زوجته على مساعدته ماديًّا.
لقد خلق الله السيدة حواء من ضلع نبي الله آدم، وفي ذلك دلالة على أن المرأة خلقت لتظل دومًا في كنف رجل يرعاها ويتولى أمورها، وقد وكّل الله لها القيام بمهام غير تلك الموكلة للرجل، وأعطى كل منهما المقومات والقدرات التي تُؤهله للقيام بوظيفته، وليس من الصواب تحميل المرأة همَّ الإنفاق وتوفير المال، وبخاصة وزوجها حيّ يرزق، فهي لم تخلق لذلك! ثم يعود بعض الأزواج يشتكون من ضياع الأنوثة في زوجاتهن وإهمالهن بيوتهن!
ومن هنا اعلمي أختي السائلة أنه ما دام لم يكن بينكما اتفاق على شيء مُحدد في هذا الجانب، فإنّ ما تقومين به فضل يجب أن يكون مقدّرًا، وأنه لا يجب أن تحملي نفسك ما لا طاقة لك به، واعلمي أنّ ثمة مهامًا أخرى مطلوبة منك، هي التي يجب أن نتناقش حول أدائها، مثل واجباتك نحو زوجك ورعاية بيتك وأولادك، وإن كان الزوج يُهدد بالتخلي عنك لهذا السبب، فعليك بتذكيره بتقوى الله، وعلى أحد يتصف بالحكمة أن يذكره أو يخبره بواجباته وحقوقه، وحقوق زوجته وواجباتها.
ذكريه بالاستعانة بأسباب الرزق المختلفة، ككثرة الاستغفار وصلة الأرحام ودوام التوكل على الله والتبكير في طلب الرزق، وهي أمور تستطيعين القيام بها معه وإعانته عليها، وأخبريه أنه يكفيه أن الله في عونه ما دام يسعى سعيًا لسداد دينه، كما قال المصطفى- صلوات الله وسلامه عليه-: “ثلاثة حق على الله عونهم، المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف” (الترمذي).