الرزق
نعيشُ اليومَ في عالمٍ يموجُ بالأزماتْ
وتعصفُ ببني البشرِ الضغوطُ والاضطراباتْ
ويغرقُ الإنسانُ في بحرٍ من المشكلاتْ
وفي هذه الحالْ
ترى الكثيرَ من الناسِ مضطربينَ قلقلينْ
خائفينَ من قابلِ الأيامْ
ظانّينَ باللهِ الظنونَا
تملأَ قلوبَهم الخشيةُ من غدِهِمُ المجهولْ
ويمنعُهم القلقُ عن عيشِ يومِهمُ المشهودْ
فتراهمْ حَزْنَى كُسَالَى
يائسينَ قانطينْ
أكلَ الهمُّ والأرقُ والتوترُ أرواحَهم
وما ذاك إلا استحواذُ الشيطانِ على نفسِ الإنسانْ
لينسيَه ذكرَ الله
فيغفلَ عن قسمِ نبيِّ الرحمة بالذي نفسُه بيده
أنه لن تموت نفسٌ حتى تستوفيَ أجلَها وتستكملَ رزقَها
فانظر أُخَيَّ بعين بصيرتِكْ..
واسمع بأذن قلبِك لكلامِ حبيبِكَ صلى الله عليه وسلم..
فالذي لا ينطقُ عن الهوى يُطمئِنُكْ
ألا يكفي ذلك ليطمئِنَّ فؤادُكَ وتقرَّ عينُكَ ويَهدأَ رَوْعُك؟
وتوقن حقًا وصدقًا أن رازقكَ وكافيَكَ هو الله؟
وكفى بالله وكيلًا
وكفى بالله حسيبًا
ولَعَمْرِي إذ يقولُ الإمامُ الشافعيْ
سَهِرَتْ أَعيِنٌ وَنامَتْ عُيونْ
في أُمورٍ تَكونُ أَو لا تَكونْ
فَادْرَأِ الهَمَّ ما استَطَعتَ عَن النَّفـ
ـسِ فَحِملانُكَ الهُمومَ جُنونْ
إِنَّ رَبًّا كَفاكَ بِالأَمسِ ما كانْ
سَيَكفيكَ في غَدٍ ما يَكونْ
لكنْ إياكَ إياكْ..
أن تظن أن ما سلَفَ دعوةٌ للركونِ وعدمِ السعيِ والعملْ
أو التكاسلِ والتراخي وتركِ الجد والاجتهاد
فذاكَ واللهِ عينُ التواكلِ المذمومْ
والمؤمنُ لا يكون أبدًا على هذه الحالْ
فالمؤمنُ نشطٌ إيجابيْ
يملأُ الدنيا سعيًا ونشاطًا وحركةْ
مستجيبًا لأمرِ اللهِ الذي ذلل لنا الأرضْ
لنمشيَ في مناكِبِها ونأكُلَ من رزقِهْ
كذلكَ فإنَّ المؤمنَ لا يكونُ أبدًا عالةً على غيرِهْ
فالمؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُ إلى اللهِ من المؤمنِ الضعيفْ
وكما قالَ نبيُّنَا صلى اللهُ عليهِ وسلمْ
ما أكلَ أحدٌ طعامًا خيرًا من أن يأكلَ من عملِ يدِهْ
وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ كان يأكلُ من عملِ يدِهْ
لكنْ الحذرَ الحذرْ..
فلا يحملنَّكمُ استبطاءُ الرزقِ على أن تطلبوه في غيرِ طريقِ اللهْ
فما عندَ اللهِ لا يُنال إلا بطاعَتِهْ
واعلمْ -أكرمَكَ اللهْ- أنَّ المالَ وسيلةٌ لا هدفْ
فهدفَ المسلمِ رضا مولاهُ جلَّ في علاهْ
فلا تنظرْ إلى فواتِ رزقٍ دنيويٍّ يأتيكَ بمعصيةٍ تُسخِطُ عليكَ ربَّكْ
وآمِنْ بِأَنَّ “مَن تركَ شيئًا اتِّقاء اللهِ عوَّضه اللهُ خيرًا منه”
وكن موقنًا أن طاعةَ الله هي المخرجُ من كل هم وضيق وأرقْ
{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ …}
واعلم أخي أن الرزق ليس صورةً واحدةْ
فقد يكونُ رزقُ اللهِ لكَ غيرَ رزقِه لأخيك
وليس شرطًا أن يأتِيَكَ الرزقُ بالهيئةِ التي ترغبْ
فكما قالَ الشاعرْ:
فإذا رُزقتَ خليقةً محمودةً
فقد اصطفاكَ مقسِّمُ الأرزاقِ
فالناسُ هذا حظُّه مالٌ،
وذا علمٌ،
وذاك مكارمُ الأخلاقِ