أنا شاب متدين بنسبة معقولة، وخطبت فتاةً لا تصلي، هي محترمة جدًا الحقيقة، وأنا أحبها، لكن لا أدري ماذا أفعل؟! كما أنني أريدها أن تلبس النقاب.
أخي الفاضل: يبدو لنا من رسالتك أن المنظومة القيمية لديك بحاجة إلى مراجعة، تقول بنفسك عن نفسك أنك متدين، فماذا يعني التدين بالنسبة لك إن لم تزن اختياراتك بميزان الشرع؟!
لم يترك لنا الشرع شيئًا إلا وعلمنا وفهمنا وأرسى لنا القواعد والأحكام فيه، فالقاعدة الشرعية في اختيار الزوجة: “فاظفر بذات الدين تربت يداك” أي خذ صاحبة الدين وإلا ألصقت يداك في التراب، وهذه كلمة عتاب وإنكار على من يتجه إلى غير صاحبة الدين.
الصلاة عماد الدين، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “إنَّ أوَّلَ ما يُحاسَبُ الناسُ به يومَ القيامةِ مِن أعمالِهم الصَّلاةُ، قال: يقولُ ربُّنا عزَّ وجلَّ لملائكتِه- وهو أعلَمُ-: انظُروا في صلاةِ عبدي أتَمَّها أم نقَصَها؟ فإنْ كانتْ تامَّةً كُتِبتْ له تامَّةً، وإنْ كان انتقَصَ منها شيئًا، قال: انظُروا، هل لعبدي مِن تطوُّعٍ؟ فإنْ كان له تطوُّعٌ قال: أَتِمُّوا لعبدي فريضتَه مِن تطوُّعِه. ثمَّ تؤخَذُ الأعمالُ على ذاكم”.
ماذا تنتظر من فتاة عاشت أزهى مراحل عمرها في بعد عن الله! ترك الصلاة ليس بالأمر الهين، وفي نفس الوقت، هدايتها ليست بعيدة عن الخالق- عزوجل-.
لكن ما نعرفه أن تصحيح مسار الآخرين ليس بالأمر السهل، فإن لم تلتزم بالصلاة طاعة لله، هل ستلتزم طاعة لأمرك؟! هل هذا يرضيك؟! يقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}، يجب أن يكون التغيير نابعًا من تلقاء نفسها، ودورُك أن تذكر.
أخي الكريم: إذا كنت تريد زوجة بمواصفات معينة، فركز على اختيار فتاة فيها هذه المواصفات التي تريدها، ولا تفكر في الزواج بأي فتاة ثم تحاول تغييرها لتصير على ما تريد! إن لم تكن الطاعة نابعة من داخلها فلن تُفرض عليها فرضًا باسم الحب! ونؤكد لك مما خبرنا كثيرًا، أن أي تغيير إرضاءً للشريك، يكون هشًا، تغيير من الخارج فقط، تغير ليس له عمق أو أصول متجذرة في أرض صلبة.
نرى أنك اخترت خطيبتك بحاسة النظر وبقلبك، وتحتاج إلى إشراك عقلك في الاختيار، وتذكر أننا هنا في الدنيا لنعبد الله وفق مراده منا: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون}، الهدف من الخلق- عبادة الله- فكيف بالتقصير في ركن أصيل في الدين كما الصلاة؟! ضياع البوصلة والهدف، يعني حياة بلا معنى!
ابننا الكريم: أما وقد اخترت وتمت الخطبة، فأَطِل الفترة ومارس معها الدعوة واسمع منها أسباب عدم التزامها بالصلاة، واجعل التزامها بالصلاة شرطًا لإتمام الزواج.
تقول في رسالتك: إنها إنسانة محترمة جدًا، هذا أمر طيب، فصاحب الأخلاق الأساسية دعوته أيسر من غيره، فابدأ معها خطوة خطوة، ولا تمارس عليها ضغطًا حتى لا تؤدي الصلاة إرضاءً لك، وليس اقتناعًا بوجوبها، وانظر للأمام ولا تنظر تحت قدميك كما يقولون، الجمال نعتاد عليه بمرور الوقت، ويبقى الصلاح وغيره من صفات حقيقية هي ما تعمر بها البيوت، انظر إليها كونها أم أبنائك، هل ستعلمهم الصلاة وهي لا تصلي؟!
تمهل ابننا الكريم، وراجع أسس الاختيار القويم، ورتب أولوياتك، ومنظومتك القيمية، ما الذي تتمناه من صفات في زوجتك وأم أبنائك في المستقبل، وعليه أعد تقييمك للأمر، فمن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه، ثم من الترفيه أن نتحدث عن فضيلة وهي (النقاب)، وهي تاركة للفريضة!
الفضيلة تنبع من الداخل، أو بالحوار الهادئ، وليس بالفرض والإملاء، ونكررها ثانية، تريدها مصلية، فلتخترها كذلك من البداية، تريدها منتقبة، فاختارها كذلك من البداية، أو على الأقل تلمس ترحيبًا منها للفكرة، الزواج نبدأه بالاستخارة، فكيف لمن لا يصلي أن يقيس صحة اختياره من عدمه؟!
ترك الصلاة يبعد الإنسان عن جوهر الحياة، وتصير روحه خاوية، يكون في حيرة من أمره، ولن يتحصل تارك الصلاة على السعادة؛ لأنه يطرق كل الأبواب التي يظن أن فيها السعادة، ويهجر الباب الحقيقي الذي فيه الصلة بالخالق ميسر أسباب السعادة!
ألم تقرأ قول الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (البقرة: 238). جاءت آية الحفاظ على الصلاة وسط آيات تتحدث عن الطلاق، في إشارة لمعنى مهم، كيف لمن قطع الصلة بالله، أن يرجو لحاله صلاحًا وفلاحًا؟! فمن كان في شقاق مع ربه، فكيف له أن يُفلح في وصاله مع زوجته؟!
وأخيرًا: نوصيك بالرفق في كل الأحوال، فما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شئ إلا شانه، فارفق بها وأنت تدعوها، وارفق بها إن قررت إنهاء الإرتباط، وتذكر أن الصلاة لها مراحل سبع، فابحث واقرأ في هذا المعنى حتى لا تتعجل أمر صلاحها وتظن أداء الصلاة بحق يأتي في يوم وليلة!
يقول أحد السلف الصالح: “جاهدت نفسي بالصلاة عشرين عامًا حتى استقامت، ثم تلذذت بها عشرين عامًا، والله إني لأدخل في الصلاة أحمل هم خروجي منها”، رضي الله عنهم وأرضاهم، ورزقنا المعية في الصلاة، كما سنوضح لك في عجالة مراحل الصلاة السبعة كما ذكرها الإمام الغزالي:
- مرحلة العِبْء: وفيها ترى الصلاة عبئًا ثقيلا على نفسك تؤديها بصعوبة.
- مرحلة الرياء: وفيها يراودك الشيطان بأنك منافق وترائي الناس وعليك التوقف حتى تصلح قلبك! وهذه حيلة من الشيطان ليصرفك عن الصلاة فانتبه، وأكمل صلاتك حتى لو كانت ثقيلة وكان فيها رياء، فالاستمرار على الصلاة يصلح ذلك الخلل في قلبك.
- مرحلة إسقاط الفريضة: وفيها تكون مقتنعًا ومحافظًا على الصلاة، لكنها تؤديها فقط لكي تسقط عنك الفريضة ولا تحاسب على التقصير فيها يوم القيامة.
- مرحلة التعوُّد: هنا الصلاة أصبحت عادة تفعلها دون تفكير أو قرار.
- مرحلة المُنَاجَاة: وفي هذه المرحلة تعتبر الصلاة ملجأ لك حين تقع في مشكلة، أو يحدث لك مكروه، فتصلي لكي تدعو الله بما تريد.
- مرحلة “أرحنا بها يا بلال”: وفي هذه المرحلة تجد راحتك في الصلاة.
- مرحلة المَعِيَّة: وهنا أولوياتك تتغير وتصرفاتك تتغير وأخلاقك تتغير، وتصير الصلاة بالنسبة لك روضة من رياض الجنة.
من الطبيعي أن تتعرض لتلك المراحل ويدخل فيها الشيطان مؤجلًا وميئسًا، وربما وصلت لمرحلة متقدمة ثم عُدت مرحلة سابقة لها، لا بأس، المهم أن تجاهد وتحاول، وتنصح خطيبتك بالأمر، وإدراكك لطبيعة المرحلة يجعلك رحيما بهًا، معينًا لها على المضيِّ قُدمًا لتفهمك أن البناء يحتاج إلى صبر وعزيمة، وتذكير بالهدف والغاية. هدانا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه.