من الأمور التي يجب على المربي أن يراعيها في من يربيهم عنصر الزمان؛ فلكل جيل خصائصه المختلفة عن الأجيال السابقة له، وبلوغ المربي غايته من عملية التربية لا يتحقق إلا بأخذ هذه الخصائص في عين الاعتبار، وأن يبذل جهده حتى يستطيع التوفيق بين مستجدات الواقع والثوابت الأصيلة التي يسعى لبنائها في من يربيهم، وإهمال المربي لهذه القاعدة أو فشله في تحقيق هذا التواصل مع المربي يجعل عمله ضعيف النتائج.
ويمثل جيل الشباب في بلادنا العربية أكبر كتلة شبابيّة تشهدها المنطقة على مدى السنوات الخمسين الماضية، إذ يمثلون (30) في المائة من سكّانها الذين يبلغ عددُهم (370) مليونَ نسمة وهو ما يمثل فرصة كبيرة لتغيير صورة المستقبل في منطقتنا العربية إلى الأحسن، إن أُحسن التعامل معه أو إلى الأسوأ إن وقع الصدام وتُركت الساحة لأعداء الأمة ليصنعوا هذا الجيل الصناعة الخبيثة التي يريدونها.
من هم جيل الألفية؟
جيل الألفية Millennials هم الأفراد الذين ولدوا بين عامي (1980) و(2000)، وهم الجيل الأول في التاريخ الذي نشأ وترعرع في البيئة الرقمية، وبالتالي فإن هوياتهم ومواقفهم وسلوكياتهم تحددت على أسس مختلفة عن الأجيال التي سبقته، وهو أيضاً سيكون الأنموذج الذي ستنظر إليه الأجيال التي تأتي بعده.
إن جيل الألفية يمثل أكبر جيل في التاريخ الغربي، إذ يقدر عددهم في الولايات المتحدة بـ (80) مليون نسمة، وفي المملكة المتحدة بـ (14.6) مليون نسمة. أما في العالم العربي فإن عددهم أكبر من ذلك بكثير، إذ يصل عددهم إلى أكثر من (110) ملايين نسمة.
خصائص جيل الألفية
ما يميز أفراد هذا الجيل أنهم متعلمون أكثر من أي جيل سبقهم، وهو جيل مولع بالتقنيات الرقمية وبالتواصل الشبكي وبالهاتف الجوال وبالتقاط صور السيلفي، كما أن أفراد هذا الجيل أكثر وعياً بحقوقهم، وأكثر استعداداً للمجازفة لتحقيق ما يؤمنون به. وتشير الدراسات إلى أنهم -في الغالب- أقل أيديولوجية وأقل تزمتاً من الأجيال التي سبقتهم. ولكن الخطورة أيضاً تكمن في ما قد ينتج عن حرمانهم من فرص العمل والعيش الكريم.
وتشير الدراسات إلى أن (75) في المائة من موظفي الشركات سيكونون من جيل الألفية بحلول العام (2025)، وإنه وبحسب مسح للقوى العاملة في الشرق الأوسط فإن أكبر ثلاث أولويات لجيل الألفية في المنطقة العربية هي:
• الاستقرار المالي والاستقلال (78) في المائة.
• الصحة الجيدة (76) في المائة.
• مستقبل مهني ناجح (76) في المائة.
كما أشارت الدراسات إلى أن أكثر ما يقلق جيل الألفية في المنطقة العربية ثلاث قضايا هي:
• ارتفاع تكاليف المعيشة (59 في المئة).
• عدم الاستقرار المالي (57 في المئة).
• عدم وجود التوازن بين العمل والحياة (47 في المئة).
وفي تقرير لمؤسسة «غالوب» نشر في مجلة «صدى الموارد البشرية» في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، أشار إلى أن جيل الألفية سيستمر في إرباك الطريقة التي يتّصل عبرها العالم؛ أي الكيفيّة التي نقرأ ونكتب ونتواصل بها. وبينما نجد إبداعاتهم تكتسح الحركة في قطاعات التجزئة، الضيافة، العقارات والسكن، النقل والمواصلات، الترفيه والسفر، فإن هذا الجيل سيحدث في القريب العاجل تغييراً جذريّاً في قطاع التعليم العالي كذلك.
أهم القضايا التي تشغل جيل الألفية
وأشار تقرير «غالوب» إلى أن أفراد جيل الألفية لا يتعلّقون كثيراً بالمؤسّسات والتقاليد، ولذا فإنهم يغيّرون وظائفهم عادةً أكثر من الأجيال الأخرى، حيث يقول أكثر من نصفهم: إنّهم يبحثون عن وظيفة جديدة حاليّاً. وأوصت مؤسسة «غالوب» المؤسسات والشركات بضرورة تغيير ثقافتهم المؤسسية من نمط الجيل القديم، إلى نمط جيل الألفية الجديد، وأن ذلك يتطلب الالتفات إلى ستة تغييرات وظيفية على النحو التالي:
أولاً: أن جيل الألفية لا يعمل من أجل المال فقط، وإنّما هم يرغبون أيضاً في أن يكون لعملهم مغزى. إنهم يرغبون العمل في المؤسّسة التي تملك رسالة وهدفاً. وعلى رغم أن المكافآت والتعويضات مهمّة وعادلة، فإنها لم تعد هي المحرّك والدّافع الأساسي؛ لأن جيل الألفية يبحث عن المغزى، وهذا هو ما ينبغي أن توفره الثقافة المؤسسية لجذبهم.
ثانياً: لا يسعى جيل الألفية لتحقيق الرضا الوظيفي كما كان حال الجيل القديم، وإنما يسعون إلى التطوّر والتنمية. وعليه، فقد لا يهتم معظم جيل الألفية للمغريات التي نجدها في العديد من أماكن العمل في الوقت الحالي، مثل طاولات البينغ بونغ وأجهزة تحضير القهوة التي تتيحها الشركات في محاولة منها لصناعة الرضا الوظيفي، لأنهم يسعون أكثر نحو فرص النمو والتطوّر.
ثالثاً: لا يحبذ جيل الألفية التعامل مع المدير الذي يتبنى الأسلوب القديم في الإدارة والقائم على الأوامر والسيطرة، ولكنهم يحبذون العمل مع المدراء الذين يعتنون بتدريبهم، ويوفرون فرصاً لتمكينهم، ويقدّرونهم كأشخاص وكموظّفين على حدّ سواء، ويساعدونهم على فهم وبناء مواطن قوّتهم.
رابعاً: يفضل أفراد جيل الألفية التواصل باستمرار مع كافة أفراد المؤسسة من خلال وسائل التواصل الحديثة، كالرسائل النصية القصيرة، الواتس اب، مواقع التواصل الاجتماعي، والمحادثات عبر وسائط الإنترنت مثل سكايب. ويعتقد جيل الألفية أن هذا النوع من التواصل يؤثر بشكل كبير وإيجابي على بيئة العمل، ويرون أن المراجعات السنوية لا تفي بالغرض.
خامساً: لا يرغب جيل الألفية في إصلاح نقاط ضعفهم، ولكنهم يرغبون في تطوير مواطن القوّة لديهم. وبحسب «غالوب»، فإن نقاط الضعف لا يمكن تحويلها إلى نقاط قوّة أبداً، ولكن يمكن العمل على تطوير نقاط القوّة، وفي الوقت الذي ينبغي للمؤسّسات ألا تتجاهل نقاط الضعف، إذ يمكن التقليل من مكامن الضعف، وفي الوقت ذاته ينبغي العمل نحو الوصول إلى أقصى قدر من مواطن القوة.
سادساً: يرى جيل الألفية أن العمل في المؤسسة ليس مجرد وظيفة، وإنّما هي حياة كل شخص، وبالتالي فإن كل فرد من أفراد جيل الألفية يسأل نفسه: “هل تقدر هذه المؤسسة مواطن قوّتي ومساهمتي فيها؟ وهل تعطيني هذه المؤسّسة الفرصة لأفعل ذلك؟”.
أبرز الفروق بين جيل الألفية و الأجيال السابقة
وكذلك فإن من أهم ما يميز الجيل الحالي كثرة مغريات الحياة حتى أصبحت ما كانت تعرف بالكماليات عند الجيل السابق من الضروريات عند هذا الجيل؛ مما أدى إلى طغيان المادة وغلبة الأهداف المادية بشكل أثر تأثيرا كبيرة على توازن منظومة القيم لدى الجيل الحالي، فأصبح الجميع مشغول بتأمين دخل مناسب يلبي احتياجات أسرته؛ وكان لذلك أثر سلبي على الجهد المبذول في عملية التربية وإعداد هذا الجيل لمواجهة تحديات الواقع بشكل مناسب.
الجيل السابق كان يعيش في حدود ، وكانت مساحة التواصل مع الوالدين كبيرة، وكانت الحياة أكثر بساطة، أما الآن وفي ظل ثورة المعلومات التي شهدها العالم في العقدين الأخيرين فقد اتسعت الهوة بين الشباب وبين الوالدين، لذلك فالأمر يحتاج إلى بذل جهد كبير من المربي حتى يستطيع تقليص هذه الهوة وإيجاد اهتمامات مشتركة وتواصل متبادل مع أبناء هذا الجيل.
وأشار تقرير «التنمية الإنسانية العربية للعام (2016): الشباب وآفاق التنمية واقع متغير» إلى أن البلدان العربية تستطيع تحقيقَ طفرة حقيقية ومكاسب كبيرة في مجالي التنمية وتعزيز الاستقرار، وتأمين هذه المكاسب إذا تبنَّت سياساتٍ تُعطي الشباب حصةً يستحقونها في تشكيل مجتمعاتهم وتجعلهم محطَّ الاهتمام؛ سياسيّاً واجتماعيّاً واقتصاديّاً.
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم