السؤال
لدي بنات في مرحلة المراهقة..
سافرنا بهم إجازة إلى بلد أجنبي سياحة لمدة شهر..
فوجئت أنهم مبهورات بجمال الغربيات
، ويتحسرون لأنهم ليسوا بجمالهم مع أنهم يتمتعون بقدر معقول من الجمال _بفضل الله_..
أصبحن يتكلمن عن ضرورة عمل عمليات تجميل ليجاروا هذا الجمال من وجهة نظرهم..!
استطردن في الضحك والتلامز بأنهم ليسوا جميلات لأني ووالدهم أشخاص عاديون..والدهم غضب عندما سمع كلامهم…
الحمدلله نتمتع بنعم كبيرة يتمناها أي أحد، فهل قصرنا معهم في شيء حتى تظهر عليهم علامات عدم الرضا عن شكلهم؟؟
الرد
أهلا بك على موقع المنتدى الإسلامي العالمي للتربية ومختلف صفحاته على منصات التواصل الاجتماعي
إذا أخذنا حديث المراهقين محمل الجد دائما، فحتما سنصاب بالجنون..فليس كل ما يقولونه يقصدونه وإن كان له بعض الدلالات..
ما حدث للبنات هو حالة من الإنبهار كالتي تحدث لأكثرنا عندما نزور أماكن جميلة تسر الناظرين، ربما أنت أيضا انبهرت بجمال خلقتهن، لكن لديك إيمان راسخ ومعارف مختلفة جعل تقييمك للأمر وردة فعلك مختلفة..
قد نتعلم من هذا الموقف عدم جاهزية الأبناء للاختلاط بالغرب وحضارتهم، قبل أن نرسخ معان مهمة..
نذكر في هذا السياق لحظة التقاء الحضارة الإسلامية بالحضارة الفارسية والرومانية في معركة القادسية..
حينما دخل ربعي ابن عامر على الملك رستم وكان الأخير قد زين مجلسه بالنمارق والوسائد المنسوجة بالذهب، لو رأيت هذا المشهد في التلفاز لظننت أن الصحابي ربعي بن عامر سيقف وسط هذه الزخارف منبهرا..
ولكن المنبهر في هذا الموقف، هو صاحب النمارق والوسائد..
اسمع ماذا قال ربعي للملك رستم حينما سأله الأخير ما الذي جاء بكم هنا؟؟
رد عليه وهو يمشي يمزق الوسائد بسيفه قائلا: (لقد ابتعثنا الله من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام…إلخ)..ثم أمهله ثلاثة ليال قائلا: ارجع وشاور أصحابك، إما الإسلام، وإما القتال، وإما الجزية عن يد وأنتم صاغرون..!!
فاجتمع رستم بأصحابه وقال هل رأيتم قط أرجح وأعظم عزا من كلام هذا الرجل؟؟
فردوا عليه أنظر إلى ثيابه..!!
اهتز عرش رستم المبهر مع كلمات الإيمان العظيمة..
هذا هو حال من امتلأ قلبه إيمانا وخشية، لا ينظر إلى ثقافة الغرب وجمال الغرب إلا بمنظور تقييم شرعي..
لم يهتز صحابة الحبيب المصطفى _صلى الله عليه وسلم_ مع أول التقاء حدث بين الحضارات لأن الإيمان ملأ قلوبهم، وتسليمهم للوحي كبير، وإيمانهم بالله عظيم..
وكما نعلم أن المراهقات والمراهقين لا يفضلون سماع الخطب والمواعظ فعلينا ذكر هذا النموذج وغيره في سياقات ودودة والتركيز على اختيار كلمات الإرشاد والتوجيه بحيث لا تكون منفرة طويلة ..
كما علينا بأن نذكرهم بحمد الله المنعم الذي رزقهم بتلك الزيارة..
وحمده على نعمة سواء المظهر..
وحمده على نعمة الإسلام، فهم (الأجانب)..يتمتعون بجمال نعم ولكنهم يعصون الله به، فالحمدلله أن رزقنا الله نعمة الستر، ولم يطلب منا التستر في البيت..فنترك لهم المجال بالتزين في البيت بشكل معقول..والثناء والإطراء على جمالهم..
والأهم من ذلك تأصيل الإعتزاز بدينهم في قلوبهم حتى إذا ما تكررت تلك الزيارة لا نخش على قلوبهم من الفتنة..
(لا تمدن عينك)..هو مبدأ قرآني هام، فإطلاق النظر و تتبع نعم الغير يورث في القلب السخط وعدم الرضا..
فإن كان الهدف من هذه السفريات تحقيق قول الله تعالى “فسيحوا في الأرض”..فلنذكرهم بالمقصود، ونملأ وقتهم بزيارات للطبيعة ونمارس معهم عبادة التأمل، ولنبتعد قدر الإمكان عن التجمع في أماكن يغلب عليها اللهو والتبرج والسفور..
إن خطورة التعرض لهذا الإنبهار كثيرا، يولد ما يعرف ب (الانبهار الإنهزامي)..
الذي مؤداه:-
احتقار للذات، والشعور بالقلة والدونية كما حدث مع البنات تماما..
الأسوأ من ذلك حدوث ما يعرف بتقديس مواطن الإنبهار والتأثر الشديد بها فيحدث انفصال تدريجي عن النفس؛ ثقافتها وهويتها ومرجعيتها، ويتجه المنبهر إلى التقليد الأعمى، وهذا ما نخشاه مع رقة دين البعض..
عفى الله أبنائنا أن يكونوا كذلك، ورزقنا السير إلى الله في كل خطواتنا حتى وإن كان العنوان هو “الترويح عن النفس”..
فممارسة عبادة الحمد والامتنان تملأ القلوب بالرضا، ويتعلم الأبناء ألا يمدون أعينهم لحياة ومعايش غيرهم، وأن تمتليء قلوبهم بالنعمة الأكبر؛ نعمة أن آفاء الله علينا وجعلنا مسلمين فنحن مثابون على الستر ومأجورون على الحجاب، ولنا متنفس شرعي بالتزين في المنزل..
وإنا إذ نرى أن سفركم هذا يقع في إطار التمتع بطيبات ما أحل الله لنا، نوصي الآباء أن يخططوا لرحلة أهم وأعمق أثرا، وذلك بالذهاب بأبنائهم لآداء عمرة طالما كان في مقدوركم السفر، فذلك مما يورث في قلب الأبناء معان إيمانية نستعين بها وتنفعهم بإذن الله إذا ما انفتحت عليهم الدنيا..
رزقنا الله وإياكم زيارة بيته الحرام وزيارة مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم..