يقع كثيرٌ من الآباء والأمهات في خطأ تربوي كبير وهو تهديد الطفل بأنواع مختلفة من العقاب في حال ارتكب أي خطأ أو مخالفة، وعلى الرغم من أنّ هذا الأسلوب قد يبدو فعّالًا على المدى القصير، فإنّه يحمل آثارًا سلبية طويلة الأمد على نفسية الطفل.
ولا شك أنّ تربية الطفل تتطلب كثيرا من الحكمة والوعي والصبر، وإذا كانت الحماية الزائدة والدلال يؤثران سلبا في تصرفات الطفل لاحقا، فإنّ القمع والتهديد والوعيد وعدم إعطائه الفرصة في التعبير عن تصرُّفاته بحُرِّية وطلاقة، ينعكس سلبا عليه كذلك.
آثار سلبية لأسلوب تهديد الطفل
وأسلوب تهديد الطفل أثناء تربيته يُخلّف آثارًا سلبية خطيرة، منها:
- الخوف والقلق: فالتهديد يزرع في نفس الطفل شعورا بالخوف والقلق المستمرين، ما يؤثر سلبا على علاقته بالآخرين، وقد يكون هذا التهديد والتخويف وسيلة مؤقتة للتهذيب لكنها ليست ذات أثر طيب في غرس السلوك الحميد.
- العلاقة المتوترة: يُؤدي التهديد المتكرر إلى تدهور العلاقة بين الأبناء والآباء، ويخلق جوًّا من التوتر والعداء في الأسرة.
- السلوك العدواني: قد يتعلم الطفل أنّ العنف والتهديد هو وسيلة فعالة لحل المشكلات، ما يُؤدّي إلى سلوك عدواني تجاه الآخرين.
- الكذب والخداع: ربما يلجأ الطفل إلى الكذب والخداع لتجنب العقاب والتهديد، فهو يرى أنه حتى يصبح محبوبا مرغوبا به، عليه تنفيذ ما يُطلب منه بسرعة حتى لا يتعرّض للتهديد والخوف والعقاب، لذلك يؤدي أعمالا غير مناسبة، وقد تكون مؤذية.
- الابتعاد عن الأصدقاء: فالطفل الذي يخاف ويتعرض للتهديد ليس من السهل عليه تكوين الأصدقاء، ويُفضّل أن يبقى مع نفسه ويرى أن العالم الخارجي من حوله ليس مصدر أمان وطمأنينة، كما أنه لا يستطيع الاعتماد على نفسه ويصبح غير قادر على التصرف بمفرده في مواقف الحياة المختلفة سواء في المنزل أو في المدرسة.
- فقدان الأمان: وذلك نتيجة تخويفه المستمر، حيث يشعر بأنه مُعرّض للخطر في كلّ مرة يرفض أن يقوم بأي شيء، أو حتى عندما يقوم بشيء دون الالتزام بالقوانين.
- استخدام التهديد مع إخوته وأقرانه: فهو يبدأ باستخدام الأسلوب نفسه على إخوته الصغار، أو مع زملائه في المدرسة؛ لأنه لا يعرف أي طريقة أخرى للحوار والتفاوض.
- مفعوله مؤقت: والتهديد مفعوله مؤقت على تغيير السلوك السلبي للطفل، لأن الطفل في النهاية سيصل إلى مرحلة تهدم فيها علاقته مع والده.
- اهتزاز علاقة الحب بين الطفل ووالديه: خصوصًا إذا كانت أغلب التهديدات التي تصدر عن الأب أو الأم غير منطقية أو غير قابلة للتنفيذ.
- ذاكرة سلبية: يترك التهديد حسب محتواه وتكراره ومرحلة تطور الطفل، صورة سلبية عن ولي الأمر (الأب أو الأم) في ذاكرة الطفل قد لا تزول مدى الحياة.
- تعرض الطفل للاكتئاب: لأن التهديدات نمط من أنماط العنف النفسي، كما أن التهديد بالعنف الجسدي والتهديد بالتخلي عن الطفل وإهماله يتخلف عنهما العواقب النفسية ذاتها التي تتخلف عن وقوع العنف الجسدي أو الإهمال على أرض الواقع.
بدائل صحية لأسلوب تهديد الطفل
وهناك العديد من البدائل الصحية لأسلوب تهديد الطفل وترهيبه، منها:
- تعزيز العلاقة الإيجابية بين الوالدين وبين الطفل على أن تكون مبنية على حوار هادف وبالتالي يستجيب الطفل لتوجيهات والديه.
- استخدام الوسائل السمعية والبصرية لإيضاح ما نريد إيصاله مثل طباعة صور عن الطعام الصحي وأهمية النظافة والمشاركة في التلوين، وهو ما يُدرج ضمن “العلاج بالفن”.
- استخدام صور سلوكيات ضمن وسائل الإيضاح تتضمن أسئلة وأجوبة يُدوّن عليها الطفل علامة صح وخطأ سواء على “بازل” أو “فلاش كارد” وغيرها، وهذه طريقة علاج وتَدَخّل غير مباشر لتعليم الطفل السلوكيات الصحيحة بعيدًا عن الترهيب والتهديد.
- تهدئة الطفل عند الغضب، واتباع أسلوب “العواقب المنطقية” بعيدا عن منطق الترهيب.
- الثناء إزاء أي تقدم في السلوك للطفل وإعطائه الدافعية للقيام بما نريده.
- تعليم الطفل التعبير عن مشاعره عبر كتيبات ولصق الصورة المناسبة على الموقف، وهذا يفيدنا برصد أحاسيس الطفل واختراق نفسيته جراء مواقف معينة يتعرض لها.
- الاستعانة بالطفل الأكبر لتعليم الطفل الأصغر سلوكيات إيجابية ويمكن إنتاج قصة اجتماعية تحاكي جميع السلوكيات.
- التواصل مع الطفل بطريقة إيجابية مستدامة، وعند المواقف الصعبة يتم التواصل مع الطفل بحزم وبعبارات قصيرة.
- عدم الاستعجال في العقوبة والتهديد حتى نتأكد من المشكلة، ولماذا يرفض الطفل تنفيذ الأوامر.
- ألَّا تكون المُدّة الزمنية للعقوبة والتهديد طويلة، حتى لا يتأقلم معها، وتصبح عاديَّةً ولا تؤثر في نفسيَّتِه.
- ألَّا يكون الحرمان والعقوبة يهدم خُلُقا حسنا وقيمة تربوية، مثل تهديده بمنعه من الذهاب إلى المسجد أو الذهاب إلى بيت جدته أو الذهاب إلى المدرسة.
- تعليم الطفل النظام في البيت منذ صغره، وأن يكون الوالدان هما أول مَنْ يُطبِّق ذلك؛ مثل: الصلاة في وقتها، وعدم السهر، وآلية استخدام الأجهزة الإلكترونية وغيرها.
- معاقبة السلوك السيئ عقابا لا قسوة فيه ولا عنف ولا تهديد، عقوبات لا يترتب عليها انحرافات في سلوك الطفل عند الكبر.
لقد ثبت فشل أسلوب تهديد الطفل وترهيبه، لأنه يُؤدّي إلى نتائج عكسية تضُرُّ بالطفل والأسرة والمجتمع؛ ومن ثمَّ من الأفضل استبداله بأسلوب الشرح والتفسير، وتعريف الطفل على السلبيَّات التي ممكن أن تنتج عن قيامه أو عدم قيامه بأمر معيَّن.
مصادر ومراجع:
- بشيرة حسن: أسرار الخوف عند الأطفال: الأسباب والعلاج، ص 64.
- كلير فهيم: مشكلات الأطفال النفسية، ص 36.
- الدكتور عبد الحميد محمد علي، ومنى إبراهيم قرشي: العنف ضد الأطفال، ص 174.
- الدكتور هاني جهشان: عواقب تهديد وترهيب الأطفال.
- سلام ناصر الدين: أضرار استخدام أسلوب “التخويف”مع الأطفال.. وهذه هي البدائل.