السلام عليكم ورحمة الله..
أنا امرأة من الجزائر، تعرضت للخيانة الزوجية، ولدي كل الأدلة والشهود، الآن أنا في بيت والدي، وهجرت زوجي، طالبته بالطلاق ولكنه رفض، مع العلم أنه يسرقني ويكذب علي ويطمع في مالي الشخصي لأنني امرأة عاملة، يقول أنه نادم على ما فعله بي من أذى، لكن أهلي يرفضون عودتي إليه بحكم أنه دائما ما يؤذيني ودائمًا يسامحونه، لكن هذه المرة هم يصرون على الطلاق.
فبماذا تنصحوني؟ جزاكم الله ألف خير.
السائلة الكريمة:
غفر الله لزوجك إذا كان ما ارتكبه في إطار الحرام وليس في إطار ما شرع الله، فيجب أن نفرق بين أن يكون قد تزوج عليك دون علمك، وبين ممارسته ما حرم الله!
الأولى حلال، قد تتحمله بعض النساء والبعض لا، والثانية علاقة حرام، تترتب عليها تبعات نفسية يلزم منها اتخاذ مواقف أكثر حسمًا.
البعض يطلق على الحالتين خيانة، ولكن ثمة فرق كبير بين حلال وحرام، وإن اتفاق الوضعان في إحداث إيلام للمرأة، لما ينطوي على خديعة، ،تمنح الزوجة نفسها ومالها وجهدها لزوج فلا يقدر ذلك ويطعنها في ظهرها بعلاقة محرمة أو زواج بغير علم!
فأيا كان مسمى ما فعل زوجك، فأنت لم تتقبلي الوضع وأعلنت غضبك ورفضك لهذا الوضع بذهابك إلى بيت أهلك، ولنا في ذهاب النساء إلى بيت أهلهن وقفة.
حينما شرع الله عز وجل الطلاق، أمر الزوج ألا يُخرج الزوجة- في حال الطلاق الرجعي- من بيتها، لعل الزوج يندم على طلاقها ويخلق الله في قلبه رجعتها فيكون ذلك أيسر وأسهل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا}،
التواجد في مكان واحد كما نص الشرع، يرجى منه أن يحدث بعد ذلك أمرٌ، وتضيّع النساء على أنفسهن بالخروج إلى بيت الأهل فرصة رجوع الزوج إلى رشده، كما تتسع دائرة الضغط على الزوجة إذا رق قلبها ولانت بعد هجر، فيرى الأهل ضرورة إنهاء هذا الزواج، بل قد يطلبن من بناتهن عدم الرجوع إليهم في المشكلات ثانية في حال عودتها إلى زوجها!
فننصح أخواتنا الفضليات بعدم التسرع في خطوة ترك البيت، لأن ما يترتب عليها يكون أصعب مما لو تتواجدا في نفس المكان وحاولا التفاهم، ويبدو لنا في حالتك أنك قد تسامحين، وأن الأهل لا يروا فيه خيرًا!
هذا ما نقوله من الضغط الواقع على المرأة في حال عفوها، الأهل لا يعفون بسهولة، كما أنهم يتوعدون إذا ما تكررت الأخطاء، أما وقد حدث في حالتك وتركت البيت بالفعل، وتدخل الأهل، فلا يمكنك التعدي على حكمهم إلا أن يستأنسوا من زوجك رشدًا حقيقيًا، وتوبة إذا كان فعله حرامًا، واستقامة واضحة في أمره، وليأخذ الصلح وانصلاح حاله ما يأخذ من الوقت، فالأصعب- وهو ترك البيت والمكاشفة- قد حدث بالفعل، فدعي زوجك يستوعب الدرس ويتعلم من أخطائه، وإن التمست صلاح حال حقيقي، فلن يتأخر الأهل عن سعادة ابنتهم.
كثيرًا ما رأينا زيجات حصل فيها تفريق بين الزوج وزوجه، وعادوا ثانية، بعد أن تغير حال الطرفين، وسعى كلٌ منهما إلى إصلاح نفسه وعلم بقيمة شريك حياته، فنصيحتنا ألا تتعجلي الرجوع، ولا تكابري إن رأيتِ في الرجوع خيرًا، ولتعظي الزوج بالشرع، وتقربيه ممن يخافون الله، فالمرء يرتكب الحرام لأنه بعيد عن الصحبة الصالحة، فاجتهدي أن تقربيه ممن فيهم الخير، لعله يتوب ويرجع.
رسالتنا لكِ ولكل زوجة:
تقولين أن معك الشواهد والأدلة، نرجو أن يكون قد ساقها الله إليك سوقًا، وألا تكون قد أتت إليك بطرق غير مشروعة، قال تعالى: {وَلَا تَجَسَّسُوا}؛ فقد يستر الله على عباده، ويمنحهم فرصة التوبة والرجوع عن المعاصي، فنقطع الطريق على فرصتهم في التوبة بتتبع عوراتهم، ويبدأ صدامٌ غير مدروس العواقب!
الأفضل من تتبع العورات، المصارحة بأنك غير مرتاحة لبعض التصرفات، وإسماعه بأنك لن تقبلي بوضع محرم، أما إن كان زواجًا شرعيًا، فلكِ النظر في تحملك من عدمه وإخباره بذلك، وعليه أن يختار.
كلما كان التصرف بروية وهدوء؛ قلت الخسائر، حتى وإن اخترت الفراق حلا، تكونين قد كسبت نفسك، ولم تنهكيها في صراعات غير مجدية!
هذه نقطة مهمة (كيف أتت لنا الأدلة)، ساقها الله لنا سوقًا، أم اضطررنا لمسلك لا يرضي الله؟!
نسأل هذا السؤال من أجلك ومن أجل من في نفس مواقفك، فلن نعالج خطأ بخطأ، فقد نُهينا عن التجسس، فعن عبد الرحمن بن عوف: أنه حرس ليلة مع عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- بالمدينة فبينما هم يمشون شبّ لهم سراج في بيت فانطلقوا يؤمونه، حتى إذا دنوا منه إذا باب مجافٍ على قوم لهم فيه أصوات مرتفعة، فقال عمر- رضي الله عنه- وأخذ بيد عبد الرحمن: أتدري بيت من هذا؟ قال: لا، قال: هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف، وهم الآن شرب فما ترى؟ فقال عبد الرحمن: أرى قد أتينا ما نهى الله عنه، نهانا الله- عز و جل- فقال: {وَلَا تَجَسَّسُوا}، فقد تجسسنا؛ فانصرف عمر عنهم وتركهم.
فانظري ما فعله أمير المؤمنين وخليفة المسلمين، رغم علمه يقينا أنهم يشربون الخمر! تركهم ما دام أنهم لم يجاهروا بالمعصية، وكانوا في سِتر من الله، فلا ينبغي هتك هذا الستر، قال صلى الله عليه وسلم: “يا معشرَ من آمنَ بلسانِه ولم يدخلْ الإيمانُ قلبَه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتَّبعوا عوراتِهم، فإنه من اتَّبعَ عوراتِهم يتَّبعُ اللهُ عورتَه، ومن يتَّبعِ اللهُ عورتَه يفضحُه في بيتِه”.
السائلة الكريمة:
سواء عدت إلى زوجك بعد أن تاب الله عليه أو اخترت الهجر، نوصيكِ ونوصي من لها ذمة مالية، ألا تجعل الأمور تتفلت هكذا من بين يديها، فالشرع يقر بذمة المرأة المنفصلة عن ذمة الرجل، وليس من حقه أن يستولي عليها، وإذا أنفقت المرأة من مالها على بيتها، فهذا كرمٌ منها وتفضلٌ، إنما تأخذ الحماسة بعض النساء، ولا يضعن حدودا للمعاملات المالية بينهن وبين أزواجهن، ثم حين وقوع المشكلات يتبين لهن أنهن من فرطن في حق أنفسهن بعدم وضع الحدود!
فاختاري طريقة لشكل العلاقة المالية بينك وبين زوجك إذا ما اخترت العودة، حتى لا تكرري أخطاء الماضي.
أصلح الله لك أمرك، ورد لك زوجك إن كان في رجوعه خيرًا، ويسر الله لك سبيلًا للتفاهم بينك وبين أهلك إذا ما اخترت منح زواجك فرصة أخرى: {رَبَّـنَا هَبْ لَنَا مِنْ اَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ اَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّق۪ينَ اِمَاماً}.