ربما يبدو للوهلة الأولي أن تعديل أمر بسيط، فبما أن الاتجاهات متعلّمة، فلابد أن يكون تعدیل شدتها أو استبدال غير المرغوب منها أمرا من السهولة بمكان، ومع ذلك فإن الاتجاهات لا تتغير أو تستبدل بنفس السهولة التي تتعلم أو تكتسب بها، فالاتجاه بعد نشأته يصبح جانبا مندمجا في شخصية الفرد يؤثر على أسلوبه السلوكي ككل، وتغيير اتجاه واحد ليس سهلا لأنه يصبح جزءا من شبكة تضفي النظام على شخصية الفرد، وغالبا ما تنجح المحاولات جيدة التخطيط لتعديل الاتجاهات في تغيير الفكرة المعتقدة فقط دون تعديل المشاعر ونزعات ردود الفعل بحيث قد يعود الاتجاه بسهولة مع مرور الوقت إلى وضعه السابق، ومع ذلك فالاتجاهات يمكن تعديلها أو تغييرها تحت ظروف معينة.
طرق تعديل الاتجاهات
لقد أبرزت العديد من البحوث طريقتين رئيسيتين للوصول إلى إحداث تعديل أو تغيير في الاتجاهات؛ الطرق المباشرة لتعديل الاتجاهات، والطرق غير المباشرة لتعديل الاتجاهات.
الطرق المباشرة لتعديل الاتجاهات
ويسترشد هذا الأسلوب بالحكمة القائلة: إن أقصر طريق بين نقطتين الخط المستقيم، فإذا رغبت في تغيير اتجاه شخص معين، فما عليك إلا أن تبدأ بمناقشة متعمقة ومباشرة للقضايا والجوانب المعرفية أي المعلومات التي يتكون منها موضوع الاتجاه، وهذا الأسلوب يناسب شخصا مهتما بالتفكير في القضية موضوع الاتجاه، كما أنه قادر على فعل ذلك وبعبارة أخرى يناسب هذا الأسلوب في إجراء التغيير لمن هم يهتمون بالجوانب المعرفية أكثر من اهتمامهم بالجوانب الشعورية أو الانفعالية.
ومن هذه الوسائل:
- تغيير الإطار المرجعي: إن اتجاه الفرد نحو أي موضوع يتأثر وبلا شك بإطاره المرجعي الذي يتضمن المعايير والقيم والمدركات ويؤثر فيه، وهذا الارتباط الوثيق يؤكد أن تغيير الاتجاه يتطلب إحداث تغيير في الإطار المرجعي.
- تغيير الجماعة التي ينتمي إليها الفرد: حيث إن للجماعة أثرا في تحديد اتجاهات الفرد وتكوينها، وقد تكونت اتجاهاته وقيمه في ضوء معاييرها، ومن الطبيعي أن تتغير اتجاهاته بتغير انتمائه من جماعة إلى أخرى، وهو مع مضي الوقت يميل إلى تعديل سلوكه واتجاهاته لتتماشى مع الجماعة الجديدة.
- التعريف بموضوع الاتجاه: حيث يتطلب تغيير وتعديل الاتجاه معرفة بموضوع الاتجاه، وتلعب وسائط الاتصال وعملياته دورا بارزا في تعديل الاتجاهات.
- الاتصال المباشر بموضوع الاتجاه: يسمح للفرد بأن يتعرف على الموضوع من جوانب جديدة؛ مما يؤدي إلى تغيير الاتجاه نحوه.
- الخبرة المباشرة في الموضوع: فمن الطبيعي أن نتوقع زيادة فرص تغير الاتجاهات أو تعديلها نحو موضوع معين، بازدیاد تعرض الفرد لخبرات مباشرة بالموضوع.
- طريقة قرار الجماعة: وهي أقوى الطرق لتغيير الاتجاهات، فعندما تتغير معايير الجماعة المرجعية للفرد فإن الأفراد تتغير أيضا، وتقل مقاومتهم لتغيير اتجاهاتهم.
الطرق غير المباشرة لتعديل الاتجاهات
ويهتم هذا الأسلوب باستخدام العناصر المحيطة بالرسالة الإعلامية بهدف الإقناع أو التأثير في تغيير الميول والاتجاهات، ومن الأمثلة على ذلك مقدار جاذبية مقدم البرنامج واستحواذه على اهتمام المشاهدين وإعجابهم، كذلك المؤثرات الصوتية والضوئية وهذا الطريق غير المباشر هو أكثر نجاحا أو فعالية مع المشاهد أو المتلقي الذي لا يهتم كثيرا بالأفكار والمعلومات والقضايا المنطقية التي تتصل بموضوعات الاتجاه.
ومن هذه الوسائل:
- تتغير اتجاهات الفرد والجماعة بتغير المواقف الاجتماعية: فنلاحظ مثلا أن اتجاهات الطالب تتغير عندما يصبح مدرسا.
- أثر المعلومات ووسائل الإعلام: تقوم وسائل الإعلام بتقديم المعلومات والحقائق والأفكار والآراء حول موضوع ما أو قضية ما؛ مما يلقي ضوءا يساعد على تغيير الاتجاه.
- تأثير الأحداث المهمة: يؤثر تغير الأحداث في تغيير الإطار المرجعي للفرد؛ مما يؤثر بالطبع على تغيير اتجاهاته، كذلك تتأثر الاتجاهات ويمكن تغييرها بالإقناع عن طريق استخدام رأي الأغلبية والخبراء.
- تغيير أوضاع الفرد: فالفرد يمر خلال حياته بأوضاع متعددة ومختلفة، وكثيرا ما تتعدد اتجاهاته نتيجة لاختلاف أوضاعه، بحيث يصبح أكثر تلاؤما واتساقا مع الأوضاع الجديدة.
- التغيير القسري في السلوك: فقد يضطر الفرد أحيانا إلى تغيير اتجاهاته نتيجة لتغير بعض الظروف أو الشروط الحياتية التي تطرأ عليه كظروف الوظيفة أو المهنة أو السكن.
- طريقة لعب الأدوار: وفيها يطلب من الأفراد المراد تغيير اتجاهاتهم نحو موضوع ما أن يلعبوا دورا يخالف اتجاهاتهم أصلا، كأن يطلب من المدخنين، أن يلعبوا دور غير المدخنين ويقوموا بتقديم رسالة إقناعية للمدخنين لحثهم على ترك التدخين.
- طريقة سحب القدم: وتتلخص في إقناع صاحب اتجاه معين أن يقدم خدمة بسيطة تخالف مواقفه واتجاهاته، فيقدمها الفرد متنازلا بقدر بسيط عن مواقفه والتزاماته، وفي حقيقة الأمر فإن التنازل البسيط يؤدي إلى تحطيم دفاعات صاحب الاتجاه، ويصبح بعد ذلك أكثر استعدادا لتقديم تنازلات أخرى يقترب فيها من اكتساب اتجاهات جديدة يعدل فيها أو يغير من اتجاهاته السابقة.
وسائل محدودة الأثر لتعديل الاتجاهات
وهي وسائل قوية ومؤثرة في تكوين الاتجاهات لكن عندما يتعلق الأمر بتعديل اتجاه قد تكوّن بالفعل واستقر في ذات الشخص تصبح هذه الوسائل محدودة الأثر، وهذا – بالطبع – لا يعني تركها، ومن هذه الوسائل:
1. دروس نظرية عن الآراء التي يقف منها الشخص موقفا عدائيا ومحاولة القيام بمجادلة نظرية فيما لها وما عليها.
2. عرض الأفلام.
3 مناقشة جمعية حول مشكلة محدودة.
تلك هي الوسائل محدودة الأثر لتعديل الاتجاهات، ولننظر الآن في فعاليتها على الترتيب:
1. التعاليم النظرية: لها نتائج ضئيلة.
2. المشاهد التمثيلية: تؤثر وسائل الإعلام المختلفة بما تقدمه من معلومات وحقائق وأفكار في دعم الاتجاهات النفسية للأفراد، وتعزيز القيم والمعتقدات أو تعديلها والتوافق مع المواقف الجديدة، ولقد استخدمت الأفلام السينمائية كوسيلة لتعديل الاتجاهات، وأهم عامل هنا هو “عدد الأفلام” و “تكرارها” أما مستوى الفيلم فلا يأتي إلا في المرتبة الثانية.
3. المناقشة الجمعية: هي وسيلة يشيع استخدامها، وهي أكثر فعالية من طريقة المناقشة الفردية.
الخصائص التي تسهم في مدى قابلية الاتجاه للتعديل
مما سبق يتضح أن تعديل الاتجاهات وتغييرها أمر ممكن، ولكن الاتجاهات يمكن أن تقاوم التغيير بصفة خاصة في حالات أربع هي:
– إذا كان قد تم تعلمها في فترة مبكرة من الحياة.
– إذا كان قد تم تعلمها بالارتباط وبالتحويل.
– إذا كانت تساعد على إشباع الحاجات.
– إذا أدمجت بعمق في شخصية الفرد وأسلوب سلوكه.
وهناك عددا من خصائص الاتجاهات، وهذه الخصائص هي التي تلعب دورا مهما في مدى قابلية اتجاهات الفرد للتعديل و التغيير، ومن أهمها:
التطرف: فالاتجاهات المتطرفة – إيجابا وسلبا – تكون أقل قابلية للتغيير بالمقارنة بالاتجاهات المعتدلة.
الاتساق: أي الترابط الداخلي الحادث بين الاتجاه واتجاهات أخرى حيث ترتبط اتجاهات الفرد باتجاهات أخرى لديه، ويتكون هذا الترابط أو بشكل يجعل الاتجاه الموجود لدي الفرد أكثر قوة وأكثر مقاومة، وبالتالي يكون من الصعب إحداث التغيير فيه.
التعدد: تختلف قابلية الاتجاه للتغيير تبعا لدرجة تعدد عناصره، فالاتجاه البسيط أكثر قابلية للتغيير من الاتجاه المتعدد أو المركب.
مركزية الاتجاه: فإذا كان الاتجاه ينبع من قيم أساسية لدى الفرد فسوف يكون من الصعب إحداث أي تغيير فيه.
وعليه فإن الاتجاهات قابلة للتعديل والتغيير، وقد تناولنا في هذا المقال العديد من الطرق التي يمكن بها تعديل الاتجاهات النفسية الاجتماعية، وكذلك أسباب مقاومة الاتجاه للتغيير وكيفية التغلب عليها.
المصادر
1- جابر عبد الحميد: دراسات نفسية في الشخصية العربية.
2- حامد عبد السلام زهران: علم النفس الاجتماعي.
3- محمد سلامة آدم: مفهوم الاتجاه في العلوم النفسية والاجتماعية.
4- مختار حمزة: مبادئ علم النفس.
5- مصطفى سويف: مقدمة لعلم النفس الاجتماعي.
6- معتز سيد عبد الله : المعارف والوجدان كمكونين أساسيين في بناء الاتجاهات النفسية.