تزوجت بعد وفاة زوجي رجلًا طيبًا رغم أنّ لي مِن زوجي السابق أبناء، وقد كانت الأمور – على غير ما ظننا- ليست سهلة من حيث تعامله معهم وتعاملهم معه، فقد كان الطابع الغالب هو التوتر والشد والجذب بينه وبينهم، فهو يُريد أن يتعامل معهم تعامل الوالد من حيث التربية والتوجيه وهم كانوا يعاملونه كزوج لأمهم وفقط بلا سلطان عليهم، وأنا كانت تغلبني عاطفتي عندما أراه يشدد عليهم في أمور تربيته ومذاكرتهم لدرجة الضرب والتعنيف لهم أحيانًا.
والحق يقال إنه رجل طيب يحب الأبناء ويتفهّم احتياجهم للعطف والحنان، لكنني يغلبني حنان الأم فأقف حائلا بينه وبين التعامل معهم بالشدة كما ذكرت، والنتيجة أنه رفع يده عن تربيتهم واعتذر عن كل ما يخص أمورهم الدراسية والتربوية وهذا ما أزعجني! وبخاصة أنني لاحظت كثيرًا من تفلت الأولاد بعد تخلي زوجي عن مشاركتي في تربيتهم. وأنا الآن حائرة بين عاطفتي كأم تجاه أبناءها الأيتام وبين حرصي على تربيتهم، فماذا أفعل؟
الإجابة:
لقد مَنّ الله عليك برجل مسؤول، لم يجد حرجًا أن يتحمل مسؤولية أبناء ليسوا من صُلبه، في وقت يتنصل فيه كثير من الآباء الفعليين من مسؤولياتهم.
ما نخشاه في بعض الحالات أن يكون سبب ذلك التعنيف وتلك الشدة هي قسوة ناتجة عن كون الأبناء ليسوا من صُلبه، لكنك في مطلع رسالتك وصفْتيه بأنه رجل طيب يُريد أن يتصرف معهم (كوالد) وهذا دافع ينم عن شهامة وأخلاق كريمة. لكن لكي تصل هذه المشاعر للأبناء بصورة صحيحة ثمة جهد مطلوب يختلف عمّا لو كان الوالد الحقيقي لهم. فالأمر له حساسية وأحيانًا تحفز ساهمت فيه تجارب مجتمعية مشابهة سلبية، فهو وتصرفاته محل اختبار وتشكك لدى الأبناء إلى أن يثبت جدارته ويحوز قلوبهم، رغم أنكِ قد تكتشفين أنّ هذه هي طريقته نفسها إن رزقك الله منه أبناء، وأنّ كثيرًا من الشد والتوتر طبيعي أحيانًا حتى بين الأب وابنه الذي لا يتعامل حينها بذات الحساسية مع أبيه.
هذه الحساسية لتصرّفاته وطريقة تعامله مع الأبناء تحد بطبيعة الحال يجب ألا يعتبره موجهًا لشخصه حتى يستطيع أن يتصرف بحكمة، كما ستضطرّه أن يعيد ترتيب أولويات القيم الحاكمة لتعاملاته معهم لفترة، بحيث يجعل تقديم الحب والحنان والاحتواء أولى من الشدة والتوجيه والحزم لفترة، والتحدي يكمن في أنه من المفترض أن يتصرف كأب لكنه ليس بأب، لا يقبل منه ما يقبل من الأب إلا إذا نجح في أن تستقر مكانته أولًا، أو ستأوّل شدته خطأً.
أما عن عاطفتك التي تبْدينها تجاه أبنائك فهي طبيعية ومقبولة منك كأم بشكل عام ومتفهمة بشكل خاص رأفة بيُتمهم وفقدهم للأب ورغبتك في ألا تكوني سببًا في ألم يضاف لهم بسبب اختيارك زوجًا عوضًا عن أبيهم، لكن احذري من أن تكون طريقة تعاطفك سببًا في إفساد علاقتهم، فمثلًا تبالغين في التعاطف بصورة تشعرهم أنهم ضحية، وبكثرة تضع حاجزًا بينهم وبين زوجك، فترسخ التباعد بينهم. في حين أنك تستطيعين عدم التدخل على الأقل أمامهم أو في أثناء الموقف نفسه، لا تنتَقديه أبدًا أمامهم واجعلي ملاحظاتك بينك وبين زوجك وأظْهري أمامهم الاحترام له والاستئناس برأيه.
يجب التأكيد لأبنائك على حب زوجك لهم وحرصه عليهم، من غير أن تطيلي الدفاع عنه أمامهم، افعليها بموازنة وحكمة، لا تطيلي أيضًا تبرير تصرفاته معهم ولا تظهري وكأنك نادمة على خطوة زواجك أو كأنك تعتذرين عن وجوده في حياتهم إذا احتدم الخلاف أو بان ضجر الأولاد منه في بعض المواقف حتى لا يتسلل لهم شعور بأنك أذنبتِ أو أنّ وجوده في حياتهم خطأ تسببت أنت فيه يصعّب عليهم تقبله بعدها. بل على العكس أظهري إكرامه لك وسعادتك معه وحسن معاملته لك أمامهم هذا من شأنه إقناعهم بطيبته وطيب خلقه، وسيُسهل قبولهم له.
وفي المقابل، حديثك مع زوجك يجب أن يغلفه الشكر والامتنان على تحمله أمانتهم معك، وثقتك في حبه وحرصه عليهم وأنه يتقي الله فيهم، فلا تكثري من انتقاده حتى لا يفقد ثقته في قدرته على التعامل معهم وتؤول الأمور إلى الترك، لكن انصَحيه بلطف أن يعمل باستمرار على ملء رصيد الحب بينهم وأن يعمل على إحداث توازن بين أوقات التوجيه وأوقات الحب والمرح، لأن أوقات الحب هذه هي التي ستمرر أوقات التوجيه وتجعله مقبولًا، لكن لا تدعيه يتخلى عن تحمل مسؤوليتهم معك، أعيدي اهتمامه بهم رويدًا رويدًا باسْتشارته وأخذ رأيه على الأقل في أمورهم إن لم يكن هو المتدخل مباشرة.
وبصورة عامة احرصي على خلق أجواء أسرية طيبة تجمعكم جميعًا، هذا من شأنه توطيد علاقته بهم، مثل الجلسات الأسرية والخروجات العائلية والاجتماع على الطعام والاحتِفال بإنجازات أفراد الأسرة المختلفة والتهادي بينكم، فللهديّة أثر في خلق الحب كما قال المصطفى – صلى الله عليه وسلم-: “تهادوا تحابوا”.