كثيرةٌ هي المشكلات التي تُواجه أولياء الأمور والتربويّين أثناء عملية تربية الصغار، ومنها مشكلة تشاجر الأطفال واعتدائهم على بعض، وظهور شعور الانتقام لديهم والمعاندة والمشاكسة والتحدي، والاتجاه نحو التنغيص وتعكير الجوّ العام، وإحداث الفتن.
ورصد الباحث عبد المحسن بن محمد الملحم، أسباب ميل الأطفال للمشاجرة، وكيف نساعدهم ونستثمر طاقاتهم في المفيد النافع، ونغرس بداخلهم المثابرة، ونتغلب على مشكلة الشجار بأساليب تربوية ناجعة، سيّما أن الشّجار- في الغالب- حالة من نوبات الغضب التي يشعر بها كل إنسان، لكن تختلف أساليب التعبير، وردود الفعل.
أسباب تشاجر الأطفال
تعود مشكلة تشاجر الأطفال التي تُزعج كثير من الآباء والأمهات إلى العديد من الأسباب، نذكر منها ما يلي:
- الحالة الصحية للطفل: فلعله يعاني من سوء تغذية، أو اختلال في إفرازات الغدة الدرقية.
- الغيرة: يلجأ الطفل للشجار مع أخيه، أو آخرين عندما يشعر بالغيرة منه إما لتفوقه أو لوسامته مثلًا.
- فرض السيطرة: فالطفل الأكبر يُحاول فرض سيطرته على الأصغر، وإثبات مكانته.
- الشعور بالنقص: عندما يشعر الطفل أنه أقل من أخيه يبدأ بالشجار معه حتى يثبت ذاته.
- الشعور بالظلم من الوالدين: عندما يشعر الطفل بتفضيل أحد أخوته عليه يتشاجر مع أخيه لينتقم.
- أساليب التربية الخاطئة في معاملة الطفل، وذلك بالقسوة، أو التمييز بين الأطفال، أو التسلط.
- التقليد: قد يكون الشجار نتيجة تقليد الطفل والديه أو أحدهما، أو نتيجة ما رآه على التلفاز.
- العُنف الأسري: سواء في تعامل الزوجين مع بعضهما أو مع الأبناء، فالطفل الذي يميل إلى التشاجر يكون في الغالب قد نشأ في بيئة لا يجد فيها العطف أو الحب ولم يشعر بالأمن والاطمئنان ما جعله يميل إلى اتخاذ مواقف عدوانية واستغلال الآخرين وإلحاق الضرر بهم.
- عدم إشباع حاجة الطفل إلى الاهتمام: فيلجأ إلى الحصول عليه بأي شكل حتى لو كان عن طريق الإتيان بسلوكيات خاطئة، وبخاصة إذا كان الوالدان لا ينتبهان إلى الطفل إلا عندما يرتكب الخطأ.
- الإحباط: وهو المنع أو الإعاقة فالفرد يتعرض للإحباط عندما لا يشبع حاجاته، وعلى ذلك فالاستجابة إلى المشاجرات تظهر عند الطفل كرد فعل للمواقف المُحبِطة، فقد يتنافس الإخوة على اجتذاب حب الوالدين واهتمامهما، فإذا ظهر لأحدهما أنّ الآخر قد حظي على مزايا أكثر مما حظي هو فقد ينقلب عليه غاضبًا ومنتقمًا.
أنوع تشاجر الأطفال ودرجاته
وحتى لا يصبح شجار الأطفال انحرافًا سلوكيًّا، يُمكن بصورة عامة تقسيمه إلى قسمين هما:
أولًا: الطفل ذو النزعة العدوانية، وهو طفل لا يضطهد إخوته فقط، بل يضطهد الأطفال الآخرين أيضًا إذا وَجد أن في استطاعته أن يفعل ذلك دون عقاب، حتى إذا عوقب فإنه لا يرتدع بل يتمادى في إيذاء الآخرين، وقد يتلذذ بذلك، وعادة ما ينشأ توتر شديد بين هذا الطفل وبين والديه ومعلميه.
ثانيًا: الطفل ذو النزعة الاستفزازية، وهو نوع آخر من الأطفال يدفعه شعوره بالعداء إلى البحث عن المتاعب فهو بطبيعة تكوينه يعمل على استفزاز الأطفال الآخرين فيدفعهم- مرغمين- إلى اضطهاده ومبادلته العدوان بالعدوان وغالبًا ما ينتهي به الأمر إلى الظهور بمظهر الحمل الوديع أو الضحية المجني عليها.
وتلعب الغيرة دور كبير في ظهور هذه المشكلة لدى الصغار بدرجات متفاوتة، فالطفل يُريد أن يستأثر بحب والديه له، وهو يخاف خوفًا شديدًا من أن ينتقص الحب الذي كان يمنحانه ثم يُوَجَّه نحو إخوته، غير أن درجة هذا الشعور تتفاوت تفاوتًا كبيرًا؛ فالطفل الأكبر الذي ظل وحيد والديه يستأثر بحبهما وعطفهما لمدة طويلة قد يتكدر لقدوم طفل آخر، لاعتقاده بأنه سوف ينتزع منه الحب والإيثار اللذين كان يتمتع بهما قبل مَقدِم أخيه الصغير، وعلى ذلك لا بد للوالدين أن يُراعيا قدر الإمكان أن تكون تصرفاتهما محسوبة بدقة، فلا ينبغي تدليل الطفل المولود حديثًا أثناء تواجد أخيه الأكبر.
وهناك حقيقة يجب أن ندركها وهي أن الأطفال على المدى البعيد لا يحبون أن تعقد بينهم مقارنات وبين غيرهم، حتى وإن كانت هذه المقارنات في صالحهم؛ فإن أكثر ما يرغب فيه الطفل هو أن يحبه أبواه ويستمتعان بصحبته لذاته هو فقط، فأيسر السبل التي تثير بها الأم غيرة الطفل هي أن تسعى دائمًا لتقارن بينه وبين أخيه الذي قد تؤثره عليه، وهذا المسلك يجعل الطفل يحس بأنه لا يحظى بحب أمه له، ومن ثم يشعر بالكراهية تجاه أخيه وبالتالي تحدث المشاجرات بينهما.
استثمار طاقة الأطفال إيجابيا
إن الواجب على أولياء الأمور والمربين العمل على توجيه سلوك الصغار نحو البناء لا الهدم، لخلق جيل شجاع يعتد بشخصيته، ولا بُد من غرس روح المحبة للإنسانية، وخلق بيئة تستطيع إعطاءهم الأمن والاحترام والتقدير بعيدًا عن جوّ تشاجر الأطفال وعدوانيتهم، كما يجب توفير نشاط اجتماعي مفيد يعبر فيه الأطفال عن نوازعهم ويستخدمون طاقاتهم في مختلف المجالات الرياضية والاجتماعية والأدبية وغيرها.
وينبغي ألا نقيد حرية الأبناء بشكل قاسٍ، وطبيعي ألا نمنحهم الحرية المطلقة ليفعلوا ما يشاءون، إذ إن كلا الحالتين تؤديان إلى ضرر بالغ، وعلى الآباء والأمهات والمعلمين ألا يقابلوا غضبًا بغضبٍ، بل ينبغي معالجة المشكلات بحكمة وهدوء ودراية، ويوجهوا الأبناء الميالين للعنف والمشاجرة نحو الألعاب الرياضية والفن والرسم والمسرح، ليستنفذوا طاقاتهم في هذا المجال.
هذا إلى جانب مهم، وهو أن المربيين لا بُد من يُشيعوا داخل المدرسة جوًّا مشبعًا بالود والمحبة تجاه التلاميذ؛ بحيث يشعرونهم أنهم يعيشون في جوٍّ عائلي حقيقي تسوده المحبة والتعاطف والتعاون بين أفراده، فعن طريق اللعب يتخلص الطفل من بعض التوترات التي تعصف في داخله، وكذلك فهو يتخلص من أعراض سوء التكيف الذي يكون مصابًا به، فما صَعُب عليه في عالم الواقع، يأتي به في عالم اللعب.
ويمكن وضع هدف قريب لقدرات الطفل، ونطلب من الوصول إليه، شرط أن يبذل فيه بعض الجهد والتعب، وليس مناسبًا أن يكون الهدف سهل المنال بحيث لا يشعر الطفل بلذة نيله وبذل المجهود فيه. وتجزئة الهدف إلى أهداف، منها القريب، ومنها البعيد، يخلق لدى الطفل حوافزَ جديدة، ورغبة في المزيد من الكسب، وتحقيق أكبر عدد من الأهداف وذلك من خلال استخدام الطاقة الكامنة.
ولا بُد من إبعاد الأهداف الجانبية التي لا علاقة لها بالموضوع والتي تعمل على تثبيط انتباهه وتبديد طاقته، وتطبيق هذه المسألة يحتاج إلى قدر من الوعي، والموضوعية، والدقة، بالإضافة إلى الحكمة في طريقة ونوعية اختيار الأهداف التربوية الملائمة لتدريب الطفل على المثابرة وتحمل المسؤولية والعطاء والشعور بإرضاء النفس، والانتباه إلى الأمور التالية:
- التدخل فورًا إذا كان أحد الأولاد عرضة للإصابة بأذى جسدي.
- استمع إلى الأولاد، وتحقق منهم كيف بدأت المشكلة؛ والهدف هو أن يشعر الجميع أنك حيادي وعادل في التعامل مع المشكلة.
- لا تسرع بمعاقبة المذنب لأن ذلك ينمي بينهم روح الغيظ والانتقام، وقد يقع عقابك على المظلوم، فيشك الطرفان في حكمك في المستقبل.
- حافظ قدر الإمكان على هدوء أعصابك والهدوء أثناء غضب الصغار وشجارهم.
- كن قدوة في التقليل من الغضب والثورة لأتفه الأسباب، وخفف من الرغبة في الطاعة العمياء، والسيطرة الكاملة على الطفل.
حلول تربوية للتخفيف من مشاجرات الصغار
على الآباء أن يدركوا جيدًا أنه ما إن يجتمع أطفال في مكان واحد سواء كانوا إخوة أو غير ذلك إلا وتشاجروا، ثم لا يلبث أن يعقب كل ذلك تراضٍ وعودة حميدة إلى سابق عهدهم، وكأن شيئًا لم يحدث، وهناك بعض الحلول التربوية للتخفيف من المشاجرات تتمثل في الآتي:
1- ينبغي تهيئة المناخ المناسب لكي ينفس الطفل عن مشاعره المكبوتة عن طريق ممارسة هواياته المفضلة في اللعب والنشاط الذهني؛ فقد أثبتت العديد من الدراسات أنّ الطفل الذي يميل إلى المشاجرة إنما هو طفل يعاني من الكبت والقمع ويؤرقه الإحساس بالإحباط والفشل، وقيامه بهذه الأنشطة تجعله ينفس عن إحباطاته بشكل سوي.
2- لا يجوز العبث بممتلكات الطفل الشخصية أو لعبه أو أدواته، ولا نسمح لإخوته بذلك تحت أي مبرر، كما يجب ألا نحرمه منها في حال الغضب منه، فالسياسة الثابتة مع الأطفال التي تتسم بالحزم والمرونة معًا تمنعهم من التمادي أو الإتيان بسلوك عدواني.
3- يساعد الجو الأسري الذي يسوده الوئام والتسامح والتعاون على خلق جيل من الأطفال يتسمون بالاتزان الانفعالي والاستقرار النفسي؛ فيتعلمون من خلال ذلك الإيثار وإنكار الذات وتقدير قيم الولاء والانتماء، فيصبح نموهم نموًا طبيعيًا.
4- ولا بد من أن نشير في الختام إلى أن مشاجرات الآباء والأمهات الدائمة وثورتهم العارمة لأتفه الأسباب تنعكس على أطفالهم بالعدوانية المفرطة التي تقودهم إلى المشاحنات والمشاجرات؛ لذا يجب على الوالدين مراجعة أنفسهم ما أمكن؛ ليقفوا على مواطن الضعف والقصور والإخفاق؛ ليتم تداركها؛ لأن في ذلك وقاية لأطفالهم من داء التشاجر والتناحر فيما بينهم.
5- لا نسرع بمعاقبة المذنب فإن ذلك ينمي بينهم روح الغيظ والانتقام، وقد يقع العقاب على البريء فيشك الطرفان في حكمنا في المستقبل.
6- لا نقارن الواحد منهم بالآخر فنقول لأحدهم: إن أخاك كان أفضل منك عندما كان في سنك، أو إنك على عكس أخيك فهو يطيع من أول مرة أقول له شيئا، فإن ذلك يجعل الولد يشعر بالذنب من نفسه والغيظ من أخيه، وإن تكرار هذه المقارنة يجعل الولد يكره التشبه والاقتداء بأخيه رغم صفاته الحسنة.
7- ولعل من الطرق المناسبة لامتصاص ثورة العراك بين الأطفال تحويل نقمتهم إلى نوع من العمل الإيجابي السليم، كمساعدة الغير أو دعوتهم إلى مساعدة أمهم أو ما شابه.
خاتمة
إن تشاجر الأطفال- خصوصًا بين الإخوة منهم- أمر طبيعي كما تعد المنافسة أمرًا طبيعيًّا أيضًا، وإن كان لكل ظاهرة ضوابطها ومعاييرها، لكن لا ضرر منها، إلا إذا رأى ولي الأمر أن الشجار يأخذ منحى مؤذيا فعليه حينها التدخل والتعقيب ووضع الحدود والآداب، وفي ذلك تربية مباشرة للأطفال.
المصادر والمراجع:
- أسباب الشجار بين الأطفال وتأثيره على شخصيتهم .
- معارك الصغار: الأسباب والحلول .
- أبناؤكم يتشاجرون؟.. إليكم الحل .