تهدف عملية تربية الموهوبين والمتفوقين إلى استثمار الثروة البشرية أفضل استثمار، حيث إنّ تطور المجتمعات يعتمد على إنجازات أفرادها المبدعين، وعندما لا يتم تقديم الرعاية المناسبة لهم فإننا لا نحرم المجتمع من إنجازاتهم فحسب، بل نحرمهم من حقوقهم الأساسية في توظيف مهاراتهم بالشكل الصحيح.
ورغم الاهتمام بالموهوبين، فإنهم لا يزالون في حاجة إلى خدمات تربوية، وبرامج رعاية تناسبهم، وتناسب قدراتهم العقلية العالية، وفي الوقت نفسه توفير بيئة محفزة تدعم نمو مواهبهم وقدراتهم، وتحل المشكلات التي يواجهونها والتي قد تؤثر على إنتاجيتهم ومشاركتهم.
ماذا نعرف عن الموهوبين وسماتهم؟
والموهوبون يُظهرون أداءًا متميزًا في القدرة العقلية العامة، أو القدرات القيادية والاجتماعية، أو المهارات الفنية والرياضية، أو المهارات الحركية الأدائية، أو الإبداع والابتكار، أو الاستعداد الأكاديمي، ما يترتب عليه وجود أشخاص متخصصين وعلى كفاءة عالية للقُدرة على التعرف عليهم واكتشافهم، وتحديد البرامج التربوية والخدمات التي تتناسب وقدراتهم وطاقاتهم وتتجاوز تلك البرامج التي تقدم للعاديين للمساهمة في خدمة أنفسهم ومجتمعاتهم وتقدمها ورقيها.
والموهبة في اللغة، هي ما وهب الله الفرد من قدرات واستعدادات فطرية، واصطلاحًا هي استعدادات الطفل للتفوق في المجالات الأكاديمية وغير الأكاديمية، والطالب الموهوب هو الذي يتميّز بصفاتٍ جسمية ومزاجية واجتماعية وخُلقية أسلم وأوضح من المتوسط.
والشخص الموهوب لديه سمات إيجابية عديدة وقد يتصف ببعض السمات السلبية، على النحو التالي:
السمات الإيجابية:
- اكتساب المهارات الجديدة، فالموهُوب يسعى إلى تطوير نفسه واكتساب مهارات تساعده على ذلك، كما يهتم بكل ما هو جديد ومفيد.
- الابتكار، فغالبًا ما يجد الموهوب أفكارًا جديدة ومختلفة عن الأشخاص العاديين.
- مقاومة الضغوط: فهو لديه القدرة على التعامل مع الضغوطات التي قد تواجهه وفي بعض الأحيان يخرج من هذه الضغوط بأفكار جديدة.
- الإيجابية، فالموهوب يُضفي جوًّا من الإيجابية أثناء العمل.
- القدرة على التعبير الرمزي المختصر، وسلاسة الفكر، وسرعة البديهة، والتفوق في الكتابة والمهارة في القراءة.
- الاهتمام الكبير بالصور، والخرائط، والبيانات، ومجسمات الأرض والكواكب.
- الجرأة وحب الاستطلاع، والقدرة على إيجاد الحلول للمشكلات التي تواجهه.
- التكيف مع المحيط بهم بشكل سريع، والتمتع بقدر عالٍ من روح الدعابة والفكاهة، والاستمتاع بحل الألغاز.
- قوة الذاكرة، والخيال الواسع، والقدرة على الإبداع والخروج عن المألوف.
- الانجذاب للأمور الغامضة والمعقدة التي لا يفهمها الكثيرون.
- حب التعلم والاستكشاف، والسعي دائما وراء المعلومات، ودقة ملاحظة ما يدور حوله، واكتساب الخبرات من هذه الملاحظات.
- الحساسية لاحترَام مشاعر الآخرين، واحترام حقوقهم.
- الاشتراك في المنافسات، وإثراؤه لها بآرائه.
- سرعة وإدراك العلاقات التي تربط الظواهر أو المشكلات بأسبابها، أو العوامل التي تؤثر فيها.
- القدرة الفائقة على استخدام مهارات القراءة، واكتساب معارف ومعلومات جديدة للإسهام في خلق جو من المرح والبهجة وإسعاد الآخرين.
السمات السلبية:
- السعي بإصرار للتحكم في المناقشات التي يشترك فيها.
- قلة الصبر أحيانًا في الانتقال من مرحلة إلى أخرى في عمل أنشطته.
- إمكانية التهور بذكر ملاحظات كبيرة غير قائمة على أساس سليم من المعلومات والخبرة.
- معارضة أو تجاوز النظم والقواعد والتعليمات أو المعايير.
- المعاناة من إحباطات، نتيجة غياب المنطق، أو تجاوزه في ممارسة الحياة اليومية.
- الاندماج لفترات طويلة في أحلام اليقظة التي تبعده عن الواقع المحيط به.
- الشعور بالملل بسبب التكرار والإطالة في شرح قواعد أو بديهيات أو مفاهيم.
- مقاومة الالتزام بجدول أو نظام قائم على الوقت، وليس على العمل نفسه.
- سرعة فقد الاهتمام بالأشياء أو الهوايات.
- أخطاء في الهجاء، ورداءة الخط.
- الاندماج في أنشطة حركية زائدة، مثل: الانتقال من عمل غير مكتمل لآخر، خاصة حين الافتقاد لمتنفس لطاقاته العالية في أعمال تتصل باهتماماته وتتحدى ذكاءه العالي.
- الإحساس بالغرور، وما يترتب عليه من عزلة اجتماعية، أو تهاون يؤدي للفشل في أعمال بسيطة.
- تجنب الأنشطة الجديدة خوفًا من عدم إتقانها على الوجه الأكمل.
- الحساسية المفرطة تجاه الآخرين.
- يضع لنفسه توقعات غير حقيقية وغير واقعية.
- كراهية الحفظ للمعلومات وإعادتها، وكثرة التشتت وقلة الانتباه.
- رفض المساعدة المقدمة من المعلم.
- صعوبة في تكوين الصداقات والعلاقات مع الزملاء.
- الشعور بالاضطراب العاطفي والوجداني ووجود المشاعر المتضاربة والمتعارضة نتيجة لتطور الجانب العقلي وتسارعه عن الجانب العاطفي الانفعالي.
- الشعور بالعجز وعدم التوافق نتيجة لوجود تفاوت بين نمو الجوانب العقلية والجسمية.
- الاستياء من تسلط الآخرين وفرض الآراء عليهم، ما قد يؤدي إلى الشعور بالقلق والتوتر وعدم الرضا.
- الشعور بالحيرة وعدم القدرة على الاختيار الصائب لمجَال دراسة أو تخصص معين أو مهنة مرغوبة.
- المحاسبة المفرطة والقاسية والدائمة للذات والرغبة المستمرة للوصول إلى المثالية.
تربية الموهوبين وطرق اكتشافهم
ومن الممكن الكشف عن الموهوبين ورعايتهم من خلال اتباع الاستراتيجية التالية:
- المُلاحظة الدّقيقة للطّفل من حيث الحركة والتفاعل لاكتشاف محاور الموهبة الموجودة فيه والعمل على تنميتها قبل سن المدرسة.
- التحفيز المستمر للموهبة وعدم الإقلال من شأنها مهما صغرت وقلت قيمتها.
- المتابعة المستمرة لنمو الطفل وموهبته من خلال الدراسة الدقيقة لجوَانبها المتعددة.
- التعاون البناء مع المدرسة لاكتشاف الموهبة ودعمها ورعايتها لتفجير طاقات الموهوب بما يحقق فاعليتها لمصلحة المجتمع.
- الأندية الاجتماعية والرياضية والعلمية: لها دور في المساعدة على اكتشاف الموهوبين من خلال المشاركة في أنشطتها المتعددة.
- الإعلام: ولوسائل الإعلام من إذاعة وتلفزيون ومجلات وجرائد رسمية دور إيجابي وفعال في الكشف عن الموهُوبِين من خلال إمكانية إبراز سمات وخصائص التفوق والموهبة أمام الناس حتى يمكنهم التعرف إلى هذه السمات في أبنائهم.
- اكتشاف الموهبة في مرحلة رياض الأطفال باستخدام بطاقات الملاحظة المقننة داخل الفصل وخارجه، ومن خلال حلقات المنافسة التي تُعقد بين الأسرة والقائمين على رياض الأطفال؛ لتتبع التاريخ الأسري ومدى توقع الأسرة من نجاح الطفل.
- اكتشاف الموهبة في مرحلة التعليم الأساسي، بفحص ملف الطفل المنقول من رياض الأطفال الذي يوضح مدى تميزه، وفتح ملف جديد، وعن طريق اختبار الذكاء وبعض القدرات الخاصة، ثم الاختبارات التحصيلية ودلالتها.
- الاكتشاف في المرحلة الثانوية بملاحظة التفوق الدراسي للتلاميذ من مرحلة التعليم الأساسي، وقياس الذكاء والإبداع والقدرة على التحصيل الدراسي، ومتابعة القدرات الخاصة التي تظهر لدى التلاميذ.
وفي حالة الكشف عن الموهبة يتطلب الأمر رعايتها لاستثمارها، وذلك على النحو التالي:
- مساعدة الموهوب على تقبل عدم تساوي قدراته العالية مع غيره من الطلاب العاديين وحثه على احترام آراء وقدرات الغير.
- تشجيع الموهوب والإجابة عن أسئلته بذكاء ومناقشة الموضوعات بمستوى العمر العقلي لا بمستوى العمر الزمني.
- تهيئة البيئة الملائمة له للكشف عن ميوله المتنوعة وقدراته وإبداعاته والعمل على تنميتها في جو ملائم.
- توظيف المشروعات الفردية للموهوب مع نشاطات الجماعة حتى يظل عضو فاعلا يتمتع بمركز مرموق مع رفاقه.
- عدم الضغط على الموهوب للتميز في جميع المواد الدراسية.
- الاطلاع على المواهب والابتكارات الجديدة وإتاحة الفرصة للموهوب للتعرف عليها لتنمو شخصيته وتزداد خبراته.
- تنمية روح الخيال، والتفكير عند الموهوب من خلال توجيه أسئلة تنير تفكيره.
- توفير الأدوات اللازمة التي يحتاجها لتنفيذ موهبته بالشكل الصحيح.
- وجود علاقة سليمة بين الآباء والأبناء، تكون مبنية على المحبة، كي لا تكون قواعد النظام والانضباط المفروضة سببا لإعاقة تنمية مواهب الصغار، ويجب على الوالدين الحفاظ على الهدوء في حالات الفشل التي يمر بها الطفل، لمُساعدته على التطور والنمو.
- إعداد برامج إثرائيَّة إضافيَّة تشبع احتياجات الطفل الموهوب، وتتناسب مع قُدراته، وتُسهم في تنمية مهارات التفكير لديه.
- إعداد اختبارات مركزة في مجال الموهبة المحدد؛ من أجل الوقوف على أبرز التطوُّرات المعرفية والفنية لدى الطفل الموهوب.
- تنمية الموهبة عن طريق تطوير النظرة الفنية، والعقلية للطبيعة، والبيئة المحيطة من حولهم.
- الفخر بمجهود الطفل الشخصي، فقد يمتلك الطفل مهارةً تُميّزه عن غيره في موضوع أو مجال معيّن، إلّا أنّ الموهبة الناتجة عن مجهود الطفل وعمله الجادّ هي التي تتطلّب المدح، والثناء، والدّعم؛ لتطوير مهاراته.
- التعاون مع المؤسسات الحكومية والخاصة التي تدعم الموهوبين وتهتم بهم.
- فتح أبواب الحوار والنقاش معه من فترة لأخرى.
- العمل على إشهار موهبته من خلال استخدام وسائل الإعلام، ولوحات الحائط، والمواقع الإلكترونية، والتلفاز، وإقامة المعارض المختلفة الخاصَّة بالطلاب الموهوبين؛ لعرض ابتكاراتهم واختراعاتِهم.
- تعزيز فكرة تقبل الأخطاء، فعلى الوالدين مُساعدة أطفالهم على تَقبّل الخطأ والفشل، واتّخاذهما طريقا للمُحاولة مرارً ا من أجل النجاح والتقدم.
- السعي للتطور وليس للكمال، حيث يجب تشجيع الطفل على كثرة المحاولة والممارسة مرارا وتكرارا؛ لتحسين مهاراته، وتوعيته بأنّ الوصول للهدف يحتاج وقتا قد يكون طويلا، وأنّ المهم هو النمو والتطور وليس الكمال.
- توفير الفرص، فتتطلّب تنمية المواهب عند الأطفال تقديم فرص لهم، حتّى يتمكنوا من إظهار مواهبهم وتنميتها.
- اتّخاذ دور الإرشاد، فعلى الوالدين الاكتفاء باتخاذ دور المُرشد الذي يقُدم الدعم والمساعدة عند الحاجة، مع تجنب الانتقاد، ويكون ذلك بعد اكتشاف الطفل لموهبته.
إن تربية الموهوبين والمبدعين لها أهمية كبيرة تعود على الموهوب والأسرة والمجتمع، وتتطلب هذه العملية التواصل مع المدرسة، والتحدث إلى معلمي الطفل ومناقشة احتياجاته الخاصة، وتوفير بيئة محفزة للتعلم، وتوفير الكتب والمجلات والألعاب التعليمية في المنزل، وتشجيع الطفل المبدع على ممارسة هواياته، ودعمه في تطوير مهاراته واهتماماته الخاصة، والبحث عن برامج تعليمية مصممة خصيصًا للموهوبين.
مصادر ومراجع:
- ناديا هايل السرور: مدخل إلى تربية المتميزين والموهوبين، ص 163.
- إيهاب جودة طلبة: الاتجاهات الحديثة في تدريس العلوم ص 23.
- خليل معوض: قدرات وسمات الموهوبين، ص 15.
- هاشم محمد محمود: الأطفال الموهوبون، ص 30.
- د. برهان محمود حمادنة: المرشد إلى الموهبة والإبداع، ص 34.
- سناء الجمعان: أساليب رعاية الطلبة الموهوبين.