تقع مسؤولية تربية الفتيات على ارتداء الحجاب على عاتق الأسرة والمجتمع والمؤسسات الدينية، وهي مهمة تتطلب القُدوة الحسنة، والحوار والنقاش، والتشجيع والدعم، والتّدرج في التّربية، وربط الحجاب بالأخلاق، ونشر ثقافة الحجاب، ومحاربة الأفكار الخاطئة، ودعم الفتيات المُحجّبات، وتعليم أحكام الحجاب.
وإذا كان للأب على ابنته الولاية الشرعية وله أن يأمرها بالحجاب، فإن ذلك يتطلب عدم القهر أو العنف، بل يتم باستخدام أساليب التربية الإسلامية التي تعتمد على التدرج والرفق والرحمة والقدوة الحسنة، حتى تقتنع البنت وترتدي الحجاب وتلتزم بأوامر دينها.
لماذا تربية الفتيات على ارتداء الحجاب؟
وتربية الفتيات على ارتداء الحجاب والعفة ليس من الأمور الاختيارية في الدين، بل من أصول الدين وثوابته وله أهمية كبيرة، للأسباب الآتية:
- فريضة على المسلمة: بأمر صريح من الله ورسوله، وهو ستر لعورتها وأحصن لها.
- أمر صريح من الله ورسوله: فقد أمر الله- سبحانه وتعالى- النساء بالحجاب قائلا: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31]، وروى الإمام البخاري في صحيحه حديثًا عن النبي- صلى الله عليه وسلم- في مسألة حجاب المرأة المسلمة، ففي الحديث: (أن عائشة رضي الله عنها كانت تقول: لما نزلت هذه الآية (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ”. أخذن أُزُرَهن (نوع من الثياب) فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها”، ومعنى اختمرن بها أي غطين وجوههن بها.
- حياء وستر: والله حييٌ يحب الحياء، سِتِّير يحب الستر، قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: “الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة” (البخاري). وقال: “الحياء خيرٌ كله” (مسلم).
- جسد المرأة أمانة: حيث أعطاه الله تعالى إياها؛ وما أحراها بأن تحافظ على هذه الأمانة، فلا إيمان لمن لا أمانة له.
- تكريم للمرأة: فلقد كرم الله سبحانه بني آدم على سائر المخلوقات بعدة أشياء منها ستر عوراته، حيا وميتا؛ وحجاب المرأة ستر لعوراتها.
- طهارة للمرأة: والدليل قوله سبحانه تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) [الأحزاب : 53].
- طاعة لله ورسوله: والله تعالى يقول: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍۢ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ…) [الأحزاب: 36].
- إيمان بالله: فالله سبحانه وتعالى لم يخاطب بالحجاب إلا المؤمنات فقال: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ) وقال- أيضًا-: (وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ).
- يميز العفيفة عن غيرها: فتسلَم من المضايقات، وتعرُّض الفساق لها بالأذى؛ لقوله تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لِّأَزْوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰٓ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) [الأحزاب: 59].
- غَيرة: فهو يتناسب مع الغَيرة التي جُبل عليها الرجل السوي الذي يأنف أن تمتد النظرات الخائنة إلى زوجته وبناته، وكم من حرب نشبت في الجاهلية والإسلام غَيرة على النّساء وحمية لحرمتهن.
كيف ننجح في تربية الفتيات على الحجاب؟
وتبدأ تربية البنات على ارتداء الحجاب بالاختيار الصحيح لأمهاتهن، فأهم الخطوات هي التي يقوم بها الرجل حين يختار لبناته أُمَّا ذات خُلقٍ ودين تكون قدوة؛ فإذا تربت البنت في أحضان هذه الأم كان الحجاب أمرًا بديهيًّا بالنسبة لها، وقضية لا جدال فيها، ثم تأتي بعض الخطوات لتربية البنت على حب الحجاب، على النحو التالي:
- تقليد الكبار: وهو من الأمور المفضلة لدى البنات الصغيرات، لذا فإن عمل طرحة صغيرة مزركشة بلون تفضِّله الطفلة وتختاره بنفسها؛ لترتديها حين تصحب والدتها إلى المسجد للصلاة أو حضور درس، أو حين تريد تقليد أمها فتصلي معها أو بمفردها، يكون بمثابة تمهيد لحب ارتداء الحجاب فيما بعد.
- الالتزام بالاحتشام منذ الصغر: فالحياء لا يتجزأ ولا يرتبط بعمر أو مكان، لأن البنات يتعودن على الثياب التي يرتدينها منذ الصغر، لذا يجب تدريبنهن على الحجاب ليكون سهلا عليهن.
- تربية الفتيات على الاستسلام لله تعالى وطاعة رسوله، فكثيرًا ما تسأل الطفلة عن سبب فعل أشياء معينة، لأنها لم تستطع إدراكها، ومن المفيد أن نجيبها على قدر عقلها، أما الأمور التي تتعلق بالدين، فيجب أن تعرف أن الإسلام مشتق من الاستسلام لله، وتسليم الأمر له مع بذل الجهد، وأنه ليس لها أن تقيس الدين برأيها وعقلها، لأن العقل له حد ينتهي عنده.
- غرس الاعتزاز بالانتماء إلى الإسلام في نفس الفتيات، فالكثير من أبناء الإسلام يتقدم بهم العمر دون أن يعرفوا غايتهم أو هدفهم من الحياة، لذا ينبغي أن تعرف كل فتاة مُنذ طفولتها أنّ الإسلام نعمة عظيمة اصطفاها الله بها وأنها تنتسب إلى أمة موصولة بالله، تسير على نهجه، وتملك ما لا تملكه سائر البشرية وهو كتاب الله، وسنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، لذا يجب أن تكون متميزة عن غير المسلمات في مظهرها ومخبرها، وغاياتها وآمالها، وأن تتأسى بأمهات المؤمنين، والصالحات القانتات.
- حكاية نماذج للعفيفات من السلف الصالح، مثل: عائشة أم المؤمنين- رضي الله عنها- التي قالت بعد وفاة الرسول- صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر: “كنت أدخل بيتي الذي دفن فيه رسول الله ﷺ وأبي، فأضع ثوبي، وأقول: “إنما هو زوجي وأبي، فلما دفن عمر معهم- فوالله- ما دخلته إلا وأنا مشدودة عليَّ ثيابي؛ حياء من عمر!”.
- شرح أهمية ومميزات الحجاب بأسلوب بسيط وميسر، ويكون ذلك من خلال الجلوس مع الفتاة وبيان عظم أمر الجاب مِن قِبَل المولى- عز وجل- والفوائد الجليلة التي تعود عليها، وليكن ذلك بالمنطق والمجادلة بالتي هي أحسن، ثم نطلب منها رأيها، ونتأكَّد من أنها قد اقتنعت به.
- نطلب من الفتاة اختيار يوم يُناسِبها لارتداء الحجاب، ثم نجعل هذا اليوم مناسبة سعيدة يَشترك فيها جميع أفراد الأسرة في المنزل أو خارجه.
الحجاب من أهم الأمور التي يجب تربية الفتيات عليها منذ الصغر، حتى يعتدن عليه ولا يفاجأن به حين يصلن لسن التكليف، فتكون كالصدمة بالنسبة لهن، ولا شك أنّ الحجاب ليس موجودًا في الإسلام فقط، بل هو موجود بكل الشرائع السّماوية بما في ذلك التوراة والإنجيل ثم إنه لم يكن مانعًا النساء والفتيات في بلاد المسلمين أن يتفوقن في كثير من مجالات تخصصهن، ولم يكن حائلا من مشاركة المرأة في الحياة العامة مع التزامها بحجابها.
مصادر ومراجع:
- د. أماني زكريا الرمادي: بناتنا والحجاب.
- أنس محمد: كيف تربي بناتك على ارتداء الحجاب باقتناع؟
- إسلام ويب: متى يجب على الفتاة ارتداء الحجاب؟
- عبد الرحيم الفرحي: الجانب النفسي للحجاب وأثره على المرأة المسلمة.
- ملتقى الخطباء: تربية البنات على الستر.