تتطلب عملية تربية الطفل العنيد مجهودًا كبيرًا ودراية واسعة بأسس التربية وخصائصها لكنّ نتائجها في النهاية مضمونة، سيما أنّ العناد في حدّ ذاته سمة طبيعية لدى الكثير من الأطفال، وهي جزء من عملية نموهم واستقلالهم، حتى وإن كان في الظاهر عدم طاعة أوامر الأهل وتنفيذ مطالبهم.
والطفل العنيد يمتلك صفة ذات وجهين أحدهما سلبي والآخر إيجابي، فإذا تم التعامل معه بحكمة سيصبح شخصية ناجحة عند كبره، كما أنه قد يقع في الإخفاق وفي مشكلات كثيرة في حال تمت معاملته بطريقة خاطئة، لذا على الأهل الانتباه لهذه المسألة بعيدًا عن أسلوب التعنيف، ومحاولة التحكم بالانفعالات عن طريق الحنان والاهتمام والحب لتغيير هذا التصرف وتشجيعه على السيطرة على عناده وغضبه.
أسباب تؤدي إلى الطفل العنيد
وهناك مجموعة أسباب قد تكون وراء السلوك العنيد للطفل الذي يرفض الأوامر دائمًا ولا يتفهم ما يطلبه منه والداه، ومن هذه الأسباب ما يلي:
- محاولة الطفل لفت انتباه والديه في حال وجود أطفال آخرين.
- تعرض الطفل إلى الإهمال من والديه وباقي أفراد الأسرة.
- تعرض الطفل إلى العقاب المفرط أو التعنيف.
- التدليل الزائد والتربية المتساهلة.
- وصم الطفل بأنه “عنيد” وتكرار ذلك الوصف أمامه.
- عدم قدرته على فَهم سبب منعه من القيام بشيء ما، أمام رغبته الشديدة في فعله.
- عدم ترك الطفل لتحمل المسؤولية والاعتماد على النفس، ما يؤدي إلى لجوئه للعناد.
- إصدار أوامر متكررة للطفل والقسوة في المعاملة يؤثر على سلوكه سلبا.
- عدم تقديم الدعم النفسي والمعنوي للطفل ونقصان الدفء الأسري.
- مقارنة الطفل بإخوته أو أصدقائه.
- وجود مشكلات زوجية داخل الأسرة تدفع الطفل لاتخاذ “سلوك دفاعي لا شعوري”.
- إفراط الطفل في ممارسة الألعاب الإلكترونية.
كيفية التعامل مع الطفل العنيد
والتعامل مع الطفل العنيد يتطلب اتباع عدد من الاستراتيجيات والحلول التربية المتمثلة في الآتي:
- الابتعاد عن الأوامر المباشرة: إذ يجب إيجاد أسلوب للمناقشة والحوار دون إصدار الأوامر، ومنح الطفل حرية التعبير عن مشاعره.
- تشجيع الطفل ومدحه باستمرار: فالمديح والثناء على أي عمل إيجابي يدفع الطفل إلى الشعور بالأمان والاتزان، إضافة إلى عدم مقارنته بالأطفال الآخرين، حيث إن هذا يدفعه إلى العناد.
- الاستماع إلى رغبات الطفل: فلا بُد من منحه الوقت للتحدث والتعبير عما يدور داخله من دون مقاطعة أو مجادلة، ولا بد من التعرف إلى مشكلاته داخل الأسرة أو المدرسة، ومساعدته للوصول إلى أفضل حلول ممكنة.
- عدم الانفعال والتسرع في العقاب والتعنيف: إذ يجب الصبر في التعامل مع عناد الطّفل، فالأمر يتطلب الكثير من الحكمة والليونة، وعدم اتباع أسلوب الضرب، واتباع مبدأ الحوار والمناقشة.
- التحكم بمشاعر الغضب والتوتر: عند استمرار الطفل بالعناد في موقف محدد ينبغي عدم التوتر، ويمكن ترك المكان لعدة دقائق حتى يهدأ، ومن بعدها يمكن مناقشة الطفل في الأمر بهدوء تام حتى لا يزيد عناده.
- استشارة مختص: من الممكن استشارة أحد المتخصصين في تعديل السلوك السلبي للطفل العنيد بعد إخفاق كل المحاولات.
- التزام الهدوء: يجب على الوالدين أنّ يُعلّما طفلهما التزام الهدوء، وعليهما أن يلتزما الهدوء حتى يُقلّدهما طفلهما.
- عرض أكثر من خيار للطفل: فعرض خيار واحد للطفل يجعله يشعر بأنه فرض سيطرته، بل يجب عرض عدة خيارات حتى يختار منها ما يريد أن يفعله أولاً.
- اصطحاب الوجبات الخفيفة في الخارج: فقد يحدث العناد للطفل أثناء التواجد بالخارج عند شعوره بالجوع، ولتفادي نوبة الغضب، من الممكن اصطحاب وجبة خفيفة.
- تعريف الطفل بالنتائج السيئة للعناد: يجب على الوالدين التواصل مع طفلهما وشرح له النتائج السيئة للعناد، ليتخذ الطفل قرارات أفضل لنفسه مستقبلاً.
- مساعدة الطفل على خلق روتين جيد له: مثل عدم مشاهدة التلفاز بعد وقت معين، والمساعدة في غسل الأطباق، وتنظيف أسنانه والذهاب إلى سريره في الوقت المحدد للنوم، وتحديد وقت لاتباع ذلك الروتين، ثم مكافئته عليه.
- إعادة توجيه انتباه الطفل: فالعناد سببه الشعور بالملل أو عدم معرفة شيء أفضل للقيام به، لذلك يجب أن نعيد توجيه انتباه الطفل إلى شيء يفعله ويكون منشغلًا به بدلاً من التصرف الشقي.
- سؤال الطفل عن رأيه وحلوله للمشكلات: يجب سؤال الطفل عن المشكلات التي يواجهها أو الشيء الذي يزعجه، فإذا جاوب عن ذلك نسأله عن حلوله ورأيه حول تلك المشكلة، وعندما يفعل نهنئه ونشجعه على ذلك.
- إظهار فهمنا لمشاعر الطفل: لا بد أن نظهر للطفل تفهمنا لما يشعر به، على سبيل المثال، قول بسيط: “نعلم أنك حزين وتشعر بخيبة أمل لأننا لا نستطيع الخروج اليوم، ولكن الطقس ليس جيدًا، دعنا نفعل شيئًا آخر معًا للتعويض عن ذلك”.
- احتضان الطفل وإشعاره بالأمان: عند احتضان الطفل بشكل دائم وإشعاره بالأمان يعزز ذلك من مشاعره الإيجابية الذي بدوره سينبذ أي مشاعر سلبية.
- مشاركة الطفل في العمل: قد تكون محاولة مشاركة الطفل في العمل بدلاً من توجيه الأوامر له وسيلة ناجحة لتجنّب عناده، إذ يتحسّس كثير من الأطفال من تلقّي الأوامر من الآخرين خصوصًا إذا ما كان ذلك بطريقة لا تعجبهم، كرفع الصوت، أو محاولة إجبارهم، ممّا يجعلهم يميلون للعناد.
- الحزم في التعامل أحيانًا: يجب على الوالدين أحيانًا اللّجوء إلى الحزم واتّباع أسلوب التحذير مع طفلهم، فعند قيام الطفل بتصرّفات خاطئة فإنّه يجب على الآباء إنذاره للتوقّف عن ذلك وإلّا فإنّه سيتعرّض للعقاب، مع مراعاة التأكّد من أن لا يعود هذا الأسلوب بآثار سلبية على الطفل.
- مراعاة الفروق الفردية بين الأطفال: فلا يطلب الوالدان من الطفل أمرًا يعجز عن تنفيذه، أو لا يتمكّن من إنجازه.
- الثبات على الرأي وعدم التساهل: فلا يتشدّد الوالدان مرّة ويتساهلان مرّة أخرى في الأمر نفسه، إذ إنّ الطفل لا يتحمّل التقلّبات في المعايير، فتكون النتيجة رفضه تنفيذ الأمر.
- تجاهل سلوك العصيان والتمرّد في لحظة إرهاق وغضب الطفل، وعدم الإصرار على تنفيذ الأمر إلّا بعد أن يهدأ.
- التفاوض مع الطفل: فهو يحتاج للشعور ببعض السيطرة في حياته الخاصّة دون تلقّي الأوامر دومًا من الآخرين، لذلك فإنّه يجب على الآباء محاولة التفاوض مع أطفالهم، ومناقشتهم فيما يريدونه، وسماعهم وفهمهم، إلى جانب منحهم بعضًا من الحريّة للتعبير عن أنفسهم.
- احترام الطفل: فعلى الآباء والأمهات منح الطفل الاحترام والتقدير لقراراته واختياراته الخاصّة وتقبّلها، إذ يميل الطفل غالبًا لرفض السلطة المفروضة عليه، وهو ما يدفعه في كثير من الأحيان للعناد وعدم الاستجابة.
- تقسيم مهام الطفل: يُمكن أن يكون عِناد الطفل ورفضه تنفيذ طلبات والديه ناتجًا عن عدم قُدرته على إتمام المهام والواجبات المُراد منه فعلها، وفي هذه الحالة يجب تقسيم المهمّة إلى أجزاءٍ أصغر بهدف إتمامها على عدّة مراحل.
إنّ تربية الطفل العنيد عملية مستمرة تتطلب الصبر والتفهم، وقد تحتاج إلى تجربة إستراتيجيات مختلفة للعثور على ما يناسب كل طفل، ومنها وضع حدود واضحة وسلوكيات مقبولة وغير مقبولة، والتطبيق المستمر للقواعد باستمرار وبشكل عادل، وتجنب التنازل عن القواعد، والتواصل الإيجابي، والحديث بلغة بسيطة ومباشرة لتوضيح التوقعات، والاستماع الفعال الذي يمنح الطفل الحرية في التعبير عن مشاعره وآرائه، وبالإضافة إلى التشجيع على الاستقلال، والثناء والتقدير على السلوك الإيجابي.
مصادر ومراجع:
- ياسر محمود: تربية الطفل فنون ومهارات 3/ 51-53.
- د. محمد عبد العليم: طفلي عنيد وعدواني ويتمتع بذكاء!
- لاريسا معصراني: كيف تتعاملين مع الطفل العنيد والعصبي وفق عمره؟ وما أهم النصائح لتهذيبه؟
- سارة بنت محمد حسن: الطفل العنيد دراسة وعلاج.
- سوسن حمزة: 10 طرق تُسهل التعامل مع الطفل العنيد.