السؤال
أنا متزوجة منذ 11 سنة، زواج عن حب، وبعد هذا العمر، اكتشفت خيانة زوجي لي مع امرأة عبر التليفون، حالتي النفسية ساءت جدًا لأني لم أتوقع منه ذلك بعد كل سنوات العشرة وحبنا لبعضنا البعض.
ما حدث كان في فترة حملي بطفلي الثالث، كانت لدي مشاكل صحية فمنعني الطبيب من المعاشرة الزوجية، ففوجئت بمحادثات بينهما وقد وصلت لمستوى غير لائق! واجهته ووعدني بعدم تكرار ما حدث.
ظللت أراقبه حتى تبين لي أنه ما زال على تواصل معها فاشتكيته لأهله فوقفوا في صفي وطلبت منه محادثة هذه المرأة أمامي وإنهاء العلاقة معها وإخبارها بأن لديه بيتًا وأبناء يعتني بهم وكلمها بالفعل.
من وقتها وأنا واثقة أنه لا يكلمها ولكني فقدت الثقة فيه، أشعر أنه معي بجسدي ولكن فكره معها برغم مرور سنة على هذا الأمر، ومنذ ذلك الوقت أصبحنا نتخاصم لفترات طويلة تصل لشهور بعد أن كنا لا نطيق الخصام لمدة يوم واحد.
أشعر أنه كرهني، وكلما فكرت في الطلاق نظرت إلى أبنائي الثلاثة وتعلقهم بأبيهم فأرجع عن رأيي.
الرد
السائلة الكريمة: أهلا بكِ ضيفة عزيزة على موقع المنتدى الإسلامي العالمي للتربية أو صفحاتنا على مواقع التواصل.
نتفهم هذا الارتباك الحادث لكِ ولمشاعرك ولحياتك، وحق لك أن تغضبي وتبحثي عن كل السبل الممكنة لوقف هذا البلاء، وبالفعل قد قمت ببعض الخطوات التي ظننت أن فيها الخير، لكن لنا تعليق على شكاية الزوج للأهل، فالأصل أن نستر على المذنب، وإن تمادى يكشف الله ستره عليه بلا أدنى مجهود منك، فخطوة إدخال الأهل في هذه الأمور قد تعقدها، فالحمد لله أن منَّ الله عليكِ بأهل متفهمين، لم يلقوا باللوم عليكِ وساندوكِ في موقفك- بعض الأهل لا يعترفون بأن الرجل مخطيء- وطالما اخترت حتى هذه اللحظة إكمال الحياة مع زوجك، فالأولى أن تستريه، خصوصًا أنه كان صادقًا ولم ينكر فعلته، واستجاب لطلبك وأنهى العلاقة ولو ظاهريًا.
فما نرجوه منك أن تستعيني بالله وتلجئي للمتخصصين سواء برسالة كما تفضلتِ أو بزيارة لأحد المستشارات في الأمور الزوجية إذا لم تتخلصي من الشك ولم تعد الحياة لمجراها.
لا خلاف على أن التفريط في حدود ما شرع الله مآلاته وبالٌ على من فرط، وبرغم ذلك فإننا نفرق بين درجات الخيانة ؛ كالإتيان بمقدماتها كما فعل زوجك، وصولًا إلى فعل ما قد حرم الله، فالرجوع في الحالة الأولى بالتأكيد أسهل وأيسر، فحينما نضع الأمور في نصابها ينبني عليها ردود أفعال مدروسة، كما تقدمتِ وفعلتِ ووضعتِ أبنائكِ الثلاثة وارتباطهم بأبيهم في حسبانك وأنتِ تدرسين مسألة الطلاق، فحسن ما فعلت، يخلفك الله خيرًا على تعقلك وصبرك واحتسابك ويهدي لك زوجك ويؤدم ما بينكما.
الخيانة لا تبرَّر قولًا واحدًا، لكن علينا أن نفكر في أسبابها حتى نتجنب تكرار ما حدث، لذا نهيب بالأطباء أن يراجعوا نصائحهم للزوجات في فترة الحمل فيما يخص أمر المعاشرة، ولا يكون ذلك إلا لتجنب ضرر حقيقي فعلا، فكل قرار له تبعاته الصحية والنفسية على الطرفين، فلا يكون ذلك إلا لضرورة قاطعة.
يبدو لنا أن هذه المرحلة كانت سببًا في تملك الشيطان من زوجك، وغير خفي على من تتقي الله في بيتها وزوجها أنها وإن مُنعت من ذلك بأمر الطبيب، فهو لم يمنعها إلا من شكل واحد فيه ضرر وتبقى وسائل أخرى لإمتاع الزوج وتعويضه، ولا يجوز إهمال الزوج بالكلية نتيجة لهذا الظرف، فإن كان الزوجان على قدرٍ عالٍ من التفاهم سيرضى من الزوجة أمورًا تعوضه الغياب المؤقت لهذا الأمر.
كما نشير إلى معشر الرجال أن تريثوا على زوجاتكم، وترفقوا بأحوالهن، فإن لم تقصر معك إلا رغمًا عنها، فهون عليها الأيام، ولا تكن عبئًا عليها بعدم صبرك، تفهم هذه المرحلة، وارجع للطبيب وناقشه في كل ما يعلق بذهنك من تساؤلات إن وجدت، بدلًا من أن تنفس عن احتياجاتك بعمل ما يغضب الله، ويهدم البيوت.
السائلة الكريمة:
نضع بين يديك مجموعة من الحقائق إذا ما تفهمتِها تهون عليك الأمور بإذن الله:
- بنية الرجل النفسية متعددة، كل الذكور على وجه البسيطة ما عدا نوع واحد من الفئران لديهم النفسية التعددية، لذا أباح الشرع للرجل الزواج بأكثر من واحدة كما شرع للمرأة الطلاق إذا لم تكن سعيدة، أو إذا لم تتحمل ذلك، بينما في أديان أخرى يحرمون الزوجة من هذا الحق، فإذًا معظم الرجال تراودهم هذه الأفكار، لكن صاحب الدين يعصمه غض البصر، واتباع النهج النبوي بأن النظرة الأولى لك، والثانية عليك، حينما نفهم البنية النفسية للرجل نقصد به التعرف أكثر على صفات الذكور وليس التربص بأحوالهم أو تبرير انحرافاتهم.
فحينما نفهم أنفسنا والآخر، تكون تصرفاتنا على ضوء هذا الفهم، فنبذل كل الجهد لمراعاة حق الله في أزواجنا، وكذلك الرجل يفهم عن المرأة أنها لا تحب إلا رجلًا واحدًا فيكون لها نعم الرجل.
- إليكِ هذه الحكاية من التاريخ والتي قد تعينك لفهم ما يدور في عقل الرجل: كانت زوجة شاعر كفيف قد علمت من جارتها أن زوجها يريدها في الحرام وهي تمنعه، ولما لم يرتدع اشتكته لزوجته، فاتفقا على أن تبدي الجارة الموافقة وتدعوه في بيتها، ثم نامت الزوجة على سرير الجارة، جاء الزوج الكفيف فواقعها على أنها جارته، وبعدما فرغ أخبرته بأنها زوجته فقال: ما ألذك في الحرام!!.
هكذا يسول الشيطان لهم، ويتخيلون أن ما ليس في أيديهم هو المتعة، الرجال يستمتعون بخيالاتهم، لذا ينصح المتخصصون بعدم الرتابة في هذا الأمر، والتعلم عن هذه الأمور من صميم الدين، بها تعفين نفسك وتعفين زوجك، فابحثي عن الناقص في العلاقة وتعلما معًا.
- الأمر الثالث هو تعلم إدارة المشكلات، ولا يكون ذلك إلا بالصبر وطلب الحكمة والتوفيق من الله، أو اختيار المفارقة، ولا يكون الحل بالتشكيك والمراقبة، شرعًا قد نهينا عن التجسس: {وَلَا تَجَسَّسُوا}، وأمرنا أن نعفو ونصفح، بعد إرساء القواعد من جديد، وتقديم العهود، وترجمتها بشكل عملي مما يجدد الثقة.
الأمر يحتاج إلى وقفة بالطبع وإعادة تقييم زواجك من “أبو أولادك” هل كان صحيحًا من البداية وهذا أمر عارض؟ أم كان اختيارًا خطأ بالأساس؟!
فالزوج في هذه الحالة واحد من أربعة رجال:
- صادق تائب، فهذا يمكن الاستمرار معه، ونحسب أن زوجك كذلك فساعديه على تخطي ما فات.
- خائف مرتبك، تصرفاته تدعوك للشك طوال الوقت، فهذا نراجع فكرة الاستمرار معه من عدمها.
- متميز، فيه صفات جديرة بأن تتحملي هذه الفترة، مثل كونه أب متميز كما فهمنا من ارتباط الأبناء به، فضخمي مميزاته هذه وبروزيها.
- بذيء، وهذا اختيار خاطيء بالأساس، وطالما لم تشتكي منه ذلك، فبإذن الله يمكنكم تجاوز ما حدث بتجديد العهود والوعود والثقة، وبث الطمأنينة في نفسه أولًا بأنك قد عفوتِ، راجين عفو الله عنا جميعًا، وكذلك بث الطمأنينة لدى أهله بأنه استقام، فهذا يحسن من صورته التي انكسرت أمام أهله، فيستعيد الثقة في نفسه كونه إنسانًا صالحًا، وليس زوجًا خائنًا.
الزوجة الكريمة:
لا يخلو بيت من محن قد تعصف بأساساته المتينة، لكن تبقى طريقة تناولنا للأمور هي حاجز الصد الذي يقف أمام طوفان تدمير هذا البيت، فالحمد لله على بيت قائم على أساس الحب، نعم تعرض لزلزلة، لكن تستطيعين بعون الله أن تجعلي هذا الخلل الحادث نقطة تحول لتحسن في العلاقة، بتجديد العهود كما أسلفنا، والرحمة بالمخطئ ابتغاء عفو الله، وإن قدرت على الإحسان فهذا قمة العفو ولا يكون إلا ابتغاء مرضات الله، يقول الله تعالى: {ٱلَّذِینَ یُنفِقُونَ فِی ٱلسَّرَّاۤءِ وَٱلضَّرَّاۤءِ وَٱلۡكَـٰظِمِینَ ٱلۡغَیۡظَ وَٱلۡعَافِینَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِینَ}. (آلِ عِمۡرَانَ: ١٣٤)، ويقينا لن تجدي إلا خيرًا.
فالعلاقة طيبة بالأساس وتستحق أن تمنحي فيها الزوج فرصة أخرى، فإنما تبنى البيوت على الصبر والتصبر، وهو مقام يلزمنا أن نسأل الله عزوجل الوصول إليه من غير عنت ولا مشقة، فداومي الدعاء أن يجعل الله زوجكِ قرة عين لك: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَٰجِنَا وَذُرِّيَّٰتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍۢ وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}.
أعانكِ الله على العفو والصفح والتجاوز ورزقكِ كرم الأخلاق بألا تعيري زوجك بخطأه يومًا ما وتستري عليه كما نرجو أن يسترنا الله في الدنيا والآخرة، كما ندعو الله أن يباركَ لكِ في أبنائك ويقر عينك بصلاحهم ويعينك على تربيتهم في جو هاديء آمن خالٍ من الهموم والمشكلات.