إنّ تقدُّم أي مجتمعٍ مرهون ببناء ثقافة الطفل وقدرته على اكتساب المعارف الجديدة والقيم الأخلاقية والاجتماعية والتربوية الأصلية، أما الشّعوب التي تهمل أطفالها وتتركهم يعيشون غرباء عن أمتهم، فإنهم يشبُّون دون أن يشعروا بأي رباط بأمتهم، فهذه الشعوب تحفر قبرها بيدها.
وفي ضوء هذا الفهم، ترى الباحثة ليلى محمد محمد، أنّ الطفولة هي أساس الأمة وعليها يقوم بنيانها، ولهذا السّبب اهتمت الأمم بالطفولة وجعلتها همها الدائم وشغلها الشاغل، كي تبني شخصية الطفل ثقافيًّا، لأنها أصعب كثيرًا من بناء السدود العالية والمركبات الفضائية، والأهم من ذلك أنّ شخصية الطفل لن تكون متزنة وتامة، إلا إذا أولينا فكره وعقله من العناية أكبر مما نولي جسمه.
مفهوم ثقافة الطفل
الثقافة عمومًا: هي مجموع المعارف والأفكار، والفنون والآداب، والعادات والتقاليد والقيم، وكلّ ما يكتسبه الفرد من محيطه. ومن هذا المنظور يعرِّف الباحث عبد التواب يوسف ثقافة الطفل بأنها: ” خليط مما يرثه من أبويه وأُسرته، وما يصلهُ من عاداتٍ وتقاليدَ، وما يكتسبه من معرفة وعلم، وما يتأثَّر به من فنون، وما يمارسه منها، وما يعتقد فيه، ويؤمن به، وما يتَّصف به من خلق، وما تتميَّز به شخصيته من ملامح، وكلّ ما يسود في مجتمعه من أفكار وآراء وقوانين، وما يشيع فيه من ثقافة عامة.
والثقافةُ هي وليدة التواصُل بين طرفين: الإنسان، والبيئة المحيطة به، التي تعدُّ أهمّ العوامل المؤثِّرة في تكوينها، وإذا كانت الثقافة التي تُقدَّم للطفل في مجتمع ما، هي المستمدة من ثقافة ذلك المجتمع، التي تتمثّلُ في أسلوبِ الحياة السائد فيه، فإن ذلك لا يعني- إطلاقًا- بأنها تبسيطٌ للثقافةِ السّائدة، أو أنها نقلٌ عن ثقافة الكبار، مع التسهيل، بل هي عملية قائمة بذاتها، لها من الخصائص ما يميِّزها عن ثقافة الراشدين.
والثقافة التي يكتسبها الصغير لا تتَّخذُ طابعًا واحدًا، رغم الإطار العامّ الذي يحكم آلياتها، ذلك لأن الأطفال مختلفون باختلاف أطوار نموِّهم، وبحسب المراحل التي يعيشونها، كما أنها تختلف- أيضًا تبعا للظروف الاقتصادية والاجتماعية والعلمية الخاصّة بكلِّ أُسرة، أو مجتمع من المجتمعات، لذا كانت الحاجة إلى ثقافةٍ مختلفة- نسبيًّا- لكلِّ طورٍ من أطوار الطفولة، وملائمة من حيث المضمون والأسلوب للمستوى الخاص بالطفل، حتى تكون ذاتَ فائدة وإمتاع، كما هو مطلوب منها.
ومن هنا، يُمكن أن نُعرّف ثقافة الصغير على أنها مُجمل الأعمال الأدبية والتعليمية والترفيهية الموجَّهة للأطفال، التي يضعها الكبار غالبا، والمختلفة عن ثقافتهم كمَّا ونوعًا، بهدف بناء شخصياتهم، وتنمية مكوِّناتها وقدراتها، وبما يتناسب مع إمكاناتهم، ويُلبّي احتياجاتهم المتنامية.
ثقافة الطفل الحديثة
ينفر الأطفال- بطبيعتهم- من طرائق التعليم التي تدعو لملءِ أذهانهم بالمعارف النظرية، وتقدِّم النصائح الأخلاقية الجاهزة بأساليب الحفظ والتلقين، التي تقتلُ ملكاتِ الإبداع لديهم، لذا ومن خلال الأساليب التثقيفيّة الحديثة، التي تنأى عن الطرائق والأساليب التقليدية، يُمكن تربية الطفل وتعليمه، وإكسابه طرائق التعلّم بالوسيلة التي يحبّها، وإيصال ما نريد إيصاله له من الأفكار والقيم والعادات، بالأداة التي تروقه وتعجبه.
والأطفال- أيضًا- مفطورون على حبِّ المعرفة والاستطلاع، ممتلكون لدوافع قويَّة إلى الاستكشاف والتخيُّل، وعشق مواقف البطولة والمغامرة، لذا يمكن إرضاء دوافعهم وميولهم بأساليب التثقيف الحديثة المتنوِّعة، واستثمار رغباتهم الفطرية لأقصى حدودها، إذ إن أهداف ثقافة الطفل لم تعد اليوم مجرَّد معارف يحقن بها الطفل، بل أصبحت منظومة متكاملة تشمل مختلف جوانب حياته، وتهتم ببناء شخصيته المتوازنة، عقليًّا ونفسيًّا ووجدانيًّا وسلوكيًّا، من خلال إسهامها في إثراء أفكاره ومشاعره، وتنمية لغته وخياله، وتعديل سلوكه، وتأصيل روح الإبداع لديه.
وهناك بعض الاعتبارات الخاصة بتثقيف الأطفال تتمثل في:
- الاعتبارات التربوية: وهي عملية تتمتّع بالشمول والاستمرارية، لأنها تشمل نواحي الشخصية كافة، وتستمر خلال المرحلة العمرية للطفل، بل الحياة الإنسانية برمّتها، وتعني تقديم المادَّة الثقافية، بما يتلاءم الخصائص السيكولوجية واللغوية والاجتماعية لشريحة الأطفال، وما يتناسب مداركهم وقدراتهم، ويُراعي الفروق بينهم.
- الاعتبارات اللغوية: تعني أن تكون اللغة- في العمل الثقافي للطفل- سليمةً وبسيطة وواضحة، ونابضة بالحيوية، وأن تخاطب وجدان الطفل، وتنفذ إلى قلبه بسهولة ويُسر. وقبل ذلك أن تتناسب (اللغة) مع مضمون العمل المقدَّم أولاً، ومع لغة الطفل- الموجّهة له- ثانيًا.
- الاعتبارات الفنيَّة: وهي أن تتّسمَ المادّة الثقافية بمستوى راقٍ، أسلوبًا وإخراجًا، وأن تكون محاطةً بالتشويق، وقادرةً على إمتاع الطفل، وبثّ المرح في نفسه.
عوامل بناء القيم بالثقافة
إنّ تنمية ثقافة الطفل تتطلب معاملته على أنه كائن مُفكر، ويحتاج إلى المعرفة، ليتصدى للعقبات التي تقف في طريقه، وبغية تعزيز ثقته بنفسه وبناء القيم وغرسها فيه، ومن العوامل التي تساهم في ذلك:
- إعطاء الطفل الفرصة الكافية، وتوفير جميع المستلزمات التي تساعد على بناء قيم معقولة، يستطيع أن يفخر بها ويدافع عنها ويضحي في سبيلها، بعد أن توفر له المحبة والاحترام والشعور بالثقة والطمأنينة.
- فتح حوارات وندوات مع الآباء والمربين، بغية مناقشة الموضوعات التي تهم الأطفال، وتساعدهم على المنافسة والانطلاق وتبعدهم عن العقد النفسية.
- تعليم الطفل الجمل الإيجابية التي تؤثر في مشاعره بغية معرفة العلاقة بين المشاعر والأهداف.
- تدريب الأطفال على كيفية الإفصاح، والقيام برحلات وعرض المشكلات والاشتراك في وضع الحلول المناسبة لها، وتنفيذ الألعاب الهادفة التي تساعد على تنمية المدارك.
- اللجوء إلى استخدام أساليب تربوية مؤثرة وجذابة من ثناء ومكافأة.
وسائل تربوية عملية لتنمية ثقافة الصغار
وهناك وسائل تربوية عملية لتنمية ثقافة الطفل وقدرته على التفكير والابتكار، منها ما يلي:
- البرامج المتلفزة: لكل برنامج فئة عمرية معينة لكي تؤثر في الطفل بشكل صحيح، ويجب مشاهدة هذه البرامج مع الأطفال، فهذا يساعد في زيادة ثقافتهم، ويجب- أيضًا- الإجابة عن جميع أسئلتهم، لأن هذا يزيد مع جانب المعرفة لديهم.
- الناحية الدينية: وهي تُؤثر في عملية التربية والتنشئة، فمثلاً يحرص الدين الإسلامي على التنشئة باتباع القرآن الكريم والسُّنة.
- المؤسسات التعليمية: وتمثل دور الحضانة والمدارس والجامعات ومراكز التأهيل المختلفة، فالمدرسة لها تأثير مهم في تربية الأطفال وتنميتهم الفكرية والسلوكية، والمعلم له تأثير في بناء البعد الأخلاقي والمعنوي للأطفال، وأيضا يكون قدوة جيدة مثل الوالدين.
- سرد الوالدين القصص: يُفضل سرد العديد من القصص على الأطفال التي تناسب أعمارهم، لأن ذلك أمر رئيس في تنمية الثقافة لديهم ونمو الخيال الفكري عندهم.
- شخصية الوالدين: يعد الوالدين أكثر المُؤثرين في أطفالهم، وهم القدوة الأولى والأكبر لأطفالهم، لأنّ القدوة أمر أساسي في التربية والقيم الأخلاقية للأطفال وتنتقل إلى الأطفال عبر طريقة التربية، ويجب عدم التصنع أو التمثيل في أي شيء أمام الأطفال.
- ثقافة المجتمع: لكل مجتمع ثقافته الخاصة به، وبالتالي تؤثر هذه الثقافة بشكل أساسي في تنشئة وصنع الشخصية.
- وسائل الإعلام: وهي من أخطر وأكثر العوامل تأثيرًا في الثّقافة لدى الصغار حيث يكتسب الأطفال منها الكثير من القيم والثقافات.
- الأصدقاء: هناك- أيضًا- تأثير على الأبناء من جانب أصدقاء الحضانة أو أصدقاء المدرسة أو أصدقاء الجامعة أو أصدقاء الحي السكني.
- طبيعة العلاقة بين الأبوين: يجب تهيئة البيئة المحيطة بالطفل لتربيتهم بشكل سليم، فالطفل الذي ينشأ داخل بيئة مليئة بالحب والاحترام المتبادل والثقة بالنفس والتعاون مع الآخرين، تنشأ هذه الصفات الإيجابية وغيرها داخل الطفل وهذا ما يعرف بالمناخ الأسري المطلوب لتربية سليمة.
- الظروف والمتغيرات البيئية والاقتصادية التي تمر بها الأسرة: تتأثر شخصية الطفل بالبيئة التي ينشأ فيها وبالتالي الظروف الاجتماعية والاقتصادية الخاصة بالأسرة تؤثر بشكل كبير في إنشاء تربية الطفل.
المصادر والمراجع:
- مفهوم ثقافة الطفل .
- العوامل المؤثرة في ثقافة الطفل .
- ماذا تعرف عن مفهوم ثقافة الأطفال؟ .