تعد الوشاية من الكبائر التي تُسبب فساد النفوس وتدمر العلاقات الاجتماعية وتثير الشكوك والريبة بين الناس وتؤدي إلى الفتنة والعداوة، وهي وسلوك مشين وخلق خسيس، فكم تقطعت من أواصر، وتفرقت من قلوب، وتهدمت من بيوت، بسبب المشائين بالنميمة، الساعين بالإفساد بين الناس، المفرّقين بين الأحبة، المتتبعين للعورات، لذا جعلها الله- عز وجل- من صفات المنافقين.
وهذا الخلق الذميم قد يكون في مجال الأسرة أو العمل أو المجتمع أو الدعوة أو السياسة؛ حيث المكائد والدسائس والمخططات والمؤامرات، سواء على مستوى الأفراد أو الأحزاب والجماعات، أو الدول والمنظمات، وقد حرمه الله- سبحانه وتعالى- وحذّر منه النّبي- صلى الله عليه وسلم-، حتى يحفظ
مفهوم الوشاية وحكمها
وعرّف ابن فارس الوشاية في اللغة، بأن “الواو والشين والحرف المعتل أصلان: أحدهما يدلُّ على تحسين شيء وتزيينه، والآخر على نماء وزيادة”. وجاء في “القاموس المحيط”: وشى كلامه: كذب فيه. وشى به إلى السلطان وشيًا ووشاية: نمَّ، وسعى. وشى الكذب: ألفه ولوَّنه وزيَّنه، فهو واشٍ ج وشاه.
وفي الاصطلاح تعرف بأنها “نَقْل ما يُكره نقله سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه، وسواء كان النقل بالتصريح أو بالتلويح أو الكتابة أو الحركة، وسواء كان المنقول عيبًا أو نقصًا في المنقول عنه أو لم يكن، بشرط أن تكون إلى مَن يخاف إلى جانبه”.
ويُحرّم الإسلام الوِشَاية ويعتبرها من كبائر الذنوب؛ فهي النميمة التي هي من خصال السوء والتي ذكرها الله- سبحانه وتعالى- في سياق ذمِّ صاحبها، فقال تعالى: (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) [القلم: 10 – 11]، قال الرازي: “كونه همازًا وهو العيَّاب الطعَّان، قال المبرد: الذي يهمز الناس؛ أي: يذكرهم بالمكروه.. كونه مشاء بنميم؛ أي: يمشي بالنميمة بين الناس ليفسد بينهم”.
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) [الحجرات: 6]؛ لبيان وجوب الاحتراز عن الاعتماد على أقوالهم، فإنهم يريدون إلقاء الفتنة بينكم.
وقد حذّر منها النبي- صلى الله عليه وسلم- كما في حديث حُذَيْفَةَ- رضي الله عنه- قال: “سَمِعْتُ النَّبِيَّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: “لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَتَّاتٌ” (البخاري).
وقال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله-: أنه دخل عليه رجل فذكر له عن رجل شيئًا، فقال له عمر: إن شئت نظرنا في أمرك، فإن كنت كاذبًا فأنت من أهل هذه الآية: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) [الحجرات: 6]. وإن كنت صادقًا فأنت من أهل هذه الآية: (هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيم)، وإن شئت عفونا عنك، فقال: العفو يا أمير المؤمنين لا أعود إليه أبدًا.
وقال الحسن البصري- رحمه الله-: “من نَمَّ إِلَيكَ نَمَّ عَلَيكَ”. والواجب تكذيب الوشاة، وخرس النمامين، وعدم الإصغاء لهم.
أثر الوشاية على الفرد والمجتمع
وتؤثر الوشاية سلبًا على الفرد والمجتمع، حيث تؤدي إلى:
- تدمير سمعة الآخرين، ما يؤدي إلى فقدان الثقة بهم وعزلهم اجتماعيا.
- خسارة الأصدقاء، فمن الطبيعي أن يتجنب الناس الواشي ويبتعدوا عنه، ما يؤدي إلى فقدانه لأصدقائه وعلاقاته الاجتماعية.
- العزلة الاجتماعية، يصبح الواشي منبوذًا في المجتمع، ويعيش في عزلة نفسية واجتماعية.
- الاضطرابات النفسية، قد يعاني الواشي من مشكلات نفسية مثل الشعور بالذنب والقلق والاكتئاب.
- وتؤدي الوشاية إلى تفكك العلاقات الاجتماعية، وإلى تفرق وتشتت أفراد المجتمع.
- نشر الكراهية والعداوة، فهي تزرع البغضاء والكراهية بين الناس، وتؤدي إلى الصراعات والنزاعات.
- وتضعف الروابط الاجتماعية وتؤدي إلى تفكك المجتمع.
- تشجع على انتشار الفساد والظلم، حيث يستغل بعض الأشخاص هذه الأفعال لتحقيق مصالحهم الشخصية.
- تصنع جوًّا من الخوف وعدم الأمان بين الناس، ما يجعلهم يترددون في التعبير عن آرائهم أو التعاون مع بعضهم البعض.
طرق المواجهة والعلاج
ومواجهة الوشاية وعلاجها يتطلب الآتي:
- نشر الوعي بأضرار الوشاية وآثارها السلبية على الفرد والمجتمع.
- تعزيز القيم الأخلاقية مثل الصدق والأمانة والعدل والتسامح.
- بناء مجتمع قوي يعتمد على التعاون والتآزر والاحترام المتبادل.
- تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في معاقبة الوشاة وحماية المظلومين.
- ننصح الواشي بلطف وإحسان، ونبيّن له بأن ما يفعله حرام، وأن هذا ظلم، وأن الظلم عواقبه وخيمة.
- نطلب من الخيرين نصحه، ونستجيب لمحاولات الصلح معه.
- نتبادل الإحسان مع الواشي، فإنّ النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها، وهذا علاج قرآني أكيد، دعانا إليه القرآن، فقال- سبحانه وتعالى-: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)[فصلت:34].
- ألا يرضى المحكيُّ له لنفسه ما نهى عنه الواشي، فلا يحكي وشايته.
- أن يعلم الواشي أنه لا يرضى لنفسه ما لا يرضاه لغيره.
- تعويد الواشي نفسَه وتربيتها على القناعة، وقد ذكر الزبيدي أن القناعة دواء الحرص والطمع، وأنها دواء مركَّب من ثلاثة أركان هي أساسية: الصبر، والعلم، والعمل.
- عدم إضمار البغضاء والشحناء له، فنسلم عليه إذا قابلناه، ونصافحه، وندعو له بالخير، وهذا من أمارات الود والمحبة التي ينبغي أن تكون بين الزملاء والأصحاب.
- عدم قبول قول الواشي فيما يحكيه، فيُكَذَّب ولا يُقْبَل قول السوء منه.
- أن ينهي المحكيُّ له الواشي عن الوشاية وأن ينصحه ويقبِّح له ذلك.
- أن يبغض المحكيُّ له الواشي في الله.
- ألا تحمل الوشاية المحكيَّ له على التجسُّس والبحث والتحقُّق من تلك الوشاية.
إن الوشاية سلوكٌ مذمومٌ في جميع الشرائع السماوية، وقد حذر منه الإسلام بشدة لِمَا فيه من أضرار بالغة على الفرد والمجتمع، منها تدمير العلاقات وتقطيع الأرحام وتفكيك المجتمع، ونشر الكراهية بين الناس وتؤدي إلى الصراعات والنزاعات، وإفساد السمعة، وعقاب الله وعد الله تعالى عقابا شديدا.
مصادر ومراجع:
- ابن فارس: معجم مقاييس اللغة 6/114.
- الفيروز آبادي: القاموس المحيط، ص 1730.
- الزبيدي: تاج العروس 7/ 564/ 566.
- الرازي: مفاتيح الغيب 30/ 74.
- د. حمزة بن فايع الفتحي: باب ما جاء في الوشاية…!