عالج الشّرع الحنيف بوادر النشوز بين الزوجين بداية من حصول النفرة والكره وانتهاءً بالطلاق، فقد يكون في طباع المرأة ما يكره أو في تصرفاتها ما يعاب، ولكن التشريع طلب من الرجل أن يصبر على ما يكره منها، وكذلك الأمر مع الرجل، حيث جاءت الشريعة بأحكام وآداب تحفظ حق كل من الزوجين، وتضمن لهما حياة زوجية كريمة، وجعلت لكل منهما من هذه الأحكام ما يناسب فطرته وموقعه في العلاقة الزوجية.
والنشوز سببه ضعف الإيمان، وسوء المعاملة، والتأثر بالعادات السيئة، والتدخل الخارجي من أهل الزوجة أو أهل الزوج في شؤون الزوجين، ما يُؤدّي إلى الخلافات، ومن أهم مظاهره الخروج عن طاعة الله في الواجبات الشرعية، وإظهار الاستخفاف بالزوج أو سبُّه وشَتْمُه، أو منعه من الجماع والمباشرة دون عذرٍ مشروع، وبالنسبة للزوج فيتمثل في إيذاء الزوجة بالضرب، والسب والشتم والإهانة، وعدم النفقة عليها، والميل إلى غيرها وعدم العدل.
مفهوم النشوز الزوجي
ويُعرّف ابن فارس النشوز بين الزوجين بقوله: “النون والشين والزاء: أصلٌ صحيحٌ يدل على ارتفاع وعُلوٍّ، والنشزُ: المكان العالي المرتفع، والنشزُ والنُّشوزُ: الارتفاع”.
وقال ابن منظور: “النشْزُ والنشَزُ: المتن المرتفع من الأرض، ونشز الشيء ينشزُ نشوزًا: ارتفع، ودابة نشيزة: إذا لم يكد يستقرُ الراكب والرَّجُ على ظهرها”، فمن خلال ما ورد في المعاجم اللغوية، فإن النشوز معناه الأصلي “الارتفاع والعلو”.
ويلتقي النشوز في المعنى الاصطلاحي مع المعنى اللغوي في تحقيق معنى العلو والارتفاع عن الأصل الذي يحب أن يكون عليه الزوجان، وردت عدة تعريفات للنشور منها تعريف: الراغب الأصفهاني: “ونشوز المرأة بُغضها لزوجها، ورفْع نفسها عن طاعته، وعيُها عنه إلى غيره”.
وقال الدَّامغاني: “والنشوز: عصيان المرأة على زوجها، وإيتاء الرجل على زوجته غيرها من النساء”. وقال ابن تيمية في تعريف نشوز المرأة: “هو أن تنشز عن زوجها فتنفر عنه، بحيث لا تطيعُه إذا دعاها للفراش، أو تخرج من منزله بغير إذنه، ونحو ذلك مما فيه امتناع عما يجبُ عليها من طاعته”.
أسباب النشوز بين الزوجين
وظاهرة النشوز بين الزوجين لها أسباب نفسية واجتماعية متعددة منها ما يلي:
- دفع ضريبة سوء الاختيار من جانب الطرفين.
- تدخل الأهل في الحياة الزوجية.
- عدم التوافق الجنسي بين الزوجين.
- الغيرة الزائدة من الزوجين، وما ينجم عن ذلك من المراقبة وسوء الظن.
- صراع الضرائر وما يفتحه من محاولات النشوز.
- ميل الزوج إلى بعض نسائه لمالها أو صِغر سنِّها، أو حسن عشرتها[9].
- سوء المعاشرة من قبل الزوجة.
- انقطاع الحوار والتفاهم بين الزوجين (الطلاق النفسي)، إذ ينبغي أن يكون هناك ثمة تفاهم وتواد بين الزوجين وأن يكون بينهما تواصل ومحبة، فعَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: “إِني لأعلم إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَمِنْ أين تَعْرِفُ ذَالِكَ؟ قَالَ: أما إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لا. وَرَبِّ مُحَمَّدٍ وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى، قُلْتِ: لا. وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ. قَالَتْ: قلْتُ: أجَلْ. وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا اهْجُرُ إِلاَّ اسْمَكَ” (البُخَارِي ومسلم).
- كبر سن الزوجة وعجزها عن الوفاء بحقوق الزوج: وهذا من أسباب نشوز الزوج ونفوره من الحياة الزوجية، فعَنْ عُرْوَةَ، قال: قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا ابْنَ أختي؛ كَانَ رَسُولُ اللَّه-ِ صلى الله عليه وسلم- لا يُفَضِّلُ بَعْضَنَا عَلَى بَعْضٍ في الْقَسْمِ، مِنْ مُكْثِهِ عِنْدَنَا، وَكَانَ قَلَّ يَوْمٌ إلا وَهُوَ يَطُوفُ عَلَيْنَا جَمِيعا فَيَدْنُو مِنْ كُلِّ امرأة مِنْ غَيْرِ مَسِيسٍ حَتَّى يَبْلُغَ إلى الَّتِى هُوَ يَوْمُهَا فَيَبِيتُ عِنْدَهَا، وَلْقَدْ قَالَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ حِينَ اسَنَّتْ وَفَرِقَتْ أن يُفَارِقَهَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَا رَسُولَ اللَّهِ يَوْمِى لِعَائِشَةَ. فَقَبِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا قَالَتْ نَقُولُ في ذَلِكَ أنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِى أشباهها، أراه قَالَ (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا) “أخرجه أحمد وأبو داود”.
- الشجار والمشاكسات بين زوجاته، فقد يكون الرجل متزوجًا بأكثر من زوجة فتحدث بينهم المناوشات والمشاكسات التي تجعل الزوج ينفر من البيت، ويكره الحياة الزوجية بكل ما فيها، ويفلت الزمام من يده، وتنقلب الأمور عليه.
- مشكلات الإنجاب، فقد تكون الزوجة عقيم أو لديها تأخر في الإنجاب، فلا يرضى الزوج بذلك، ولا يدرك أن الأمر بيد الله تعالى وحده، الذي يقول: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) [الشورى: 49 – 50].
- التمرد على الحياة الزوجية، فبعض الأزواج لا يرغبون في الالتزامات التي تفرضها الحياة الزوجية، ويرون أن بها قيودا قد تمنعهم من الحركة وتحد من حريتهم في الانطلاق.
- ضعف الإيمان، وذلك لقلة معرفة الزوجة بحقوق زوجها وواجباتها نحوه، وضعف إيمانها بوجوب طاعته.
- التأثر بالعادات السيئة: تأثر الزوجة بعادات وتقاليد خاطئة تُقلّل من شأن الزوج وتُشجّع على الخروج عن طاعته.
- وجود من يحرض المرأة على الخروج عن طاعة الزوج أو عيشها في بيئة تشجع المرأة على ذلك.
- التباين الاجتماعي والفكري بين الزوجين ووجود فارق كبير بينهما.
- تفوق المرأة على الزوج في شيء من الصفات في المال أو الجمال أو الحسب أو النسب ما يحملها ذلك على الغرور والتكبر على الزوج.
- تأثر المرأة بالأصوات والأطروحات المتغربة التي تحررها فكريا من أحكام وآداب الأسرة الإسلامية وتقنعها بمساواة الرجل وعدم التزام الطاعة له.
- عدم تفهم أحد الزوجين لنفسية الآخر واحتياجاته.
- ظلم الزوج وتقصيره بحقوق المرأة وجفائه لها وعدم مراعاة حدود الله في علاقته بها.
طرق العلاج
وتتمثل طرق علاج النشوز بين الزوجين من خلال تعاليم الإسلام في النقاط التالية:
- القوامة: فالنساء أمام قوامة الرجال عليهنَّ صنفان، نساء صالحات مطيعات، ونساء عاصيات متمردات، فالنساء الصالحات مطيعات للأزواج، حافظات لأوامر الله، قائمات عليهنَّ تفي حقوقه، بحفظ أنفسهن من الفاحشة وأموال أزواجهن عن التبذير وهن خير النساء.
- الموعظة والتذكير: فالزوج مأمور بأن يعالج ما طرأ على زوجته من النشوز بالموعظة والتذكير أولًا، فإن لم ينفع ذلك انتقل إلى الوسيلة الثانية وهي الهجر في المضجع، فإن استمرت على نشوزها ولم تُقلع، فله أن يلجأ إلى الضرب الرقيق وسيلةً نهائية، قال تعالى: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) [النساء: 34].
- الهجر في المضجع: حين لا تجدي وسيلة الموعظة في الزوجة شيئًا، ينتقل الزوج إلى إجراء آخر فيه معنى العقوبة السلبية، وهو الهجر في المضجع، وذلك بعزل فراشه عن فراشها، وترك معاشرتها لقوله تعالى: (واهْجُرُوهُنَّ) من الهِجران والبعد، والهجر في المضاجع هو أن يُضاجعها ويُولِّيها ظهرَه، ولا يجامعها ويريها من نفسه تعاليًا عليها واستغناءً عنها، وهو علاج شديد للمرأة مذل لكبريائها، فإن أعزَّ ما تملك المرأة وتُدِلُّ به أنوثتها، وأقوى ما تغزو به الرجل هذا السلاح.
- الضرب: وتأتي العقوبة الإيجابية إذا لم ينجح الرجل في إرجاعها عن نشوزها بوسيلتي النصح والهجر، لم يبقَ أمامه إلا أن يضربها ضربًا رقيقًا غير مبرح؛ لقوله تعالى: (واضْرِبُوهُنَّ)، والضرب هنا على وجه التأديب للزوجة لا يكسر عظمًا، ولا يشين جارحة.
- وعلاج الزوج الناشز، مجانبة المسائل التي تثير غضبه، وسُخطه، والصبر على أذاه، ومقابلة ذلك بالإحسان.
- ومن العلاج- أيضًا- الاستعانة بمن له تأثير عليه من أهله، أو أصدقائه، والحرص على إظهار البشر والسرور في وجهه، والتحمل له.
الحياة الزوجية الخالية من النشوز والقائمة على أساس من التقوى لله- عز وجل- ومراعاة ما يجب من الحقوق وحسن العشرة بين الزوجين، لهي حياة السعادة والمودة، حياة الرحمة والألفة والمحبة، الحياة التي تكفل لبيت الزوجية كل خير وهناء، وكل أنس وطمأنينة، قوامها الثقة والاحترام، وإن الإخلال بهذا المبدأ هو السبب في سوء العشرة وزرع الفرقة والنفرة بين الزوجين.
مصادر ومراجع:
- ابن فارس: معجم مقاييس اللغة 5/430.
- ابن منظور: لسان العرب، 6/ 4425-4426.
- الراغب الأصفهاني: معجم مفردات ألفاظ القرآن، ص 372.
- ابن تيمية: الفتاوى 32/276.
- الحسين بن محمد الدامغاني: إصلاح الوجوه والنظائر في القرآن الكريم، ص 457.
- د. بدر عبد الحميد هميسه: نشوز الزوج ( الأسباب – الحلول ).