السؤال
لدي ابن مقبل على مرحلة المراهقة، فكيف أُهيئه لهذه المرحلة؟ وكيف أتهيأ معه حتى تمر هذه المرحلة بسلام؟ وما هي التحديات المعروفة لهذه المرحلة حتى أتجنب الوقوع فيها؟ شكر الله لكم.
الرد
أهلا بكم على موقع المنتدى الإسلامي العالمي للتربية وصفحاته على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي.
ونحب أن نشكرك على سؤالك؛ جزى الله كل من راعى الله في مسؤولياته وتجهز للأمر المقبل عليه وتعلم عنه.
يتخوف الكثير من تلك المرحلة ويحمل هم فساد علاقته بأولاده حتى يصلوا إلى سن الرشد.
لكنا نقول إنها المرحلة التي يشتد فيها عود ولدك أكثر وأكثر، ويصبح لديكم رجلًا، أو قل شابًا في مصنع الرجولة.
فإطلاق كلمة “مراهقة” على هذه المرحلة ارتبط في الأذهان بالمشكلات مع الأهل، بينما إذا بحثنا في معناها لغويًا لعلمنا أن “راهق” تعني قارب، بما يعني قارب على الرجولة.
فإذا ما صححنا نظرتنا وفهمنا عن تلك المرحلة كانت البداية أقرب للتفاهم، والتريث في الحكم، والتغافل لإبقاء الود إذا ما علمنا أن من سمات المراهقين (التفرد، الاستقلالية، توقعهم للقبول).
وغالبية المشكلات تأتي من هنا.
فالمراهق يحب التفرد، فتجده يلبس ملابس غريبة، أو يحلق رأسه بشكل غير معتاد، ويستخدم ألفاظًا ليست من قاموسه. فإذا مررنا هذه السمات المرحلية بالتعليق الدائم عليها، لفسدت العلاقة بينك وبين ولدك. تغافل قليلًا، وذكر بلطف، وصاحبه ولا تجعل هيئته سببًا في بعدك عنه نفسيًا.
كذلك، المراهق يحب الاستقلالية والانفراد، فتجده مستغرقًا في غرفته، غير مرحب بالاجتماعات العائلية كما كان في الصغر. المراهق له رأي، فليس من الطبيعي أن تتحكم في ماذا يلبس أو من يصاحب.
لكن ما عليك فعله هو أن تترك له أكثر الوقت يتمتع بالخصوصية والاستقلالية، وتضع قوانين وحدودًا بشكل مبكر، كاجتماع على الطعام، واحترام اجتماع العائلة، والتواجد في الجلسة الأسبوعية التربوية.
احترم استقلاله، وفي الوقت نفسه لا تتركه ينعزل، فالانعزال فيه خطورة على مهاراته وإدراكه للبيئة المحيطة.
المراهق يتوقع منا القبول برغم كل ما يسببه من إزعاج للأهل، من أول اختيار ملابس غريبة، والتلفظ بألفاظ دخيلة، وغيرها. إلا أنه يؤلمه نظرات الاحتقار، والتعليق الدائم على مظهره. هو ينتظر منا قبولًا غير مشروط.
ومن علامات قبولنا لهم:
• ألا تتغير عطايانا لهم بسبب سوء تصرفاتهم.
• وأن نقدمهم للأهل والأصدقاء ونحن نشيد بخصالهم الحميدة.
• وأن نتحاور معهم ونستمع لآرائهم الغريبة دون امتعاض، فأول تعليق منك على كلامهم سيمنعهم من التحدث في المرات القادمة.
استمع للنهاية، ثم خالفه بحكمة، وأنهِ الحوار بلطف. الأمر يحتاج للاستعانة بالله والتجرد من كل حظوظ النفس.
وللتهيئة لهذه المرحلة أربعة محاور:
1- التهيئة العقلية:
يقول ابن عاشور: “إصلاح عقل الإنسان هو أساس إصلاح جميع خصاله، ويجيء بعده الاشتغال بإصلاح أعماله”.
وأفضل ما يستقيم به عقل أي راشد، الاشتغال بما يفيد وما ينفع، ورأس كل خير هو القرآن، حفظًا وتدبرًا. فمهما تثاقل في طفولته لا تستسلم، غير الشيخ، غير الحلقة، غير الطريقة، لكن لا تتوقف.
استفد من المحتوى الهائل الموجود على الإنترنت واختر موضوعات تهمه، اسمعوها معًا في جلسة العائلة وتناقشوها.
2- تهيئة الجوارح على العبادة:
فتعلم العبادة في الصغر أيسر، وهي مقدمة لمرحلة التكليف. فلا تتوانَ تحت ظروف انهماكك في العمل عن متابعة حال أبنائك. فاصطحاب الأبناء مرة في الأسبوع لصلاة الجمعة أمر لا تتنازل عنه تحت أي ظرف، فمصاحبته في الطريق تعلّمه مواقف كثيرة، والاستماع للخطبة ومناقشتها يثري معلوماته، ويبين مواطن ضعفه فنقويها.
العبادات ليست الصلاة فقط، فالمواظبة على ترديد الأذكار وأدعية المناسبات في صحبة الأبناء كأنها مصل نهديه لأبنائنا، فحرصنا على متابعة جدول تطعيماتهم في الصغر أمر لا يتوانى فيه أي والد أو والدة. هذا لأن الأمر متعلق بصحتهم.
كذلك، الأذكار هي حبل يربطهم بخالقهم، يرون أثر حفظ الله لهم بترديد أذكار ركوب السيارة، ويرون البركة في الطعام بتذكر ترديد دعائه، وينامون ملء جفونهم في الصغر لأنهم رددوا أدعية النوم معكم. فالأذكار ملموسة الأثر، فمواظبتهم على ترديد أذكار الصباح والمساء فيها حفظ ووقاية، شجعهم على تشغيلها إن تثاقلوا في ترديدها ولا تفتأ تذكرهم بها.
الصيام وأثره في حفظ شهوة المسلم، فاحرص على أن يكون لك حال في صيام النوافل. قد يتثاقلوها مرة، وقد يجربوها مرة. وكم تكلم رواد التغذية في منافع الصيام، فاستفد باهتمام أكثر المراهقين بمظهرهم، أن تحببهم في منافع الصيام الدنيوية بجانب منافعه الأخروية.
إذًا المطلوب في مرحلة ما قبل المراهقة التركيز على العبادات بمعناها الشامل وليست الصلاة فقط.
3- التهيئة الاجتماعية:
يحدث للمراهق خلل واضح في هويته فيسأل: هل أنا طفل أم رجل؟ هل أنا فتاة أم امرأة؟ فالأمر لا يمر عليهم هكذا بسهولة. نبدأ بالتهيئة والإجابة على تلك الأسئلة من أول التفريق بينهم في المضاجع. فيميز أنه أصبح طفلًا مميزًا، ويأمره الشرع وهو ابن سبع سنوات بالنوم منفردًا عن أخيه وأخته إلا أن يكون بينهم غطاء إذا لم تسمح الظروف بالتفريق في صورته الكاملة.
نتدرج معه في التكاليف المنزلية، ونحمله بعض المسؤوليات خصوصًا تجاه إخوته البنات. ولا نسلمه لمرحلة المراهقة فجأة، الآن بلغت، عليك بكذا وكذا، فيكره أنه كبر. فالتدرج في المسؤولية المجتمعية يبدأ باكرًا إلى أن يفهم معنى القوامة على أنها مسؤولية وليست تشريفًا.
احترم ذمته المالية الخاصة ودعه يتصرف فيها بحرية وفق معايير مسبقة متفق عليها. وساعده إذا تعثر، ولا تلمه على تصرفاته، فهدفنا أن نربي ونوجه لا أن نشمت ونعير.
4- التهيئة الجنسية:
في سن الثامنة، يوصي التربويون بجلسة تجمع بين الأب والأم والطفل، الهدف من هذه الجلسة تتويج النمو العاطفي للطفل. ففي هذه المرحلة تبدأ مشاعر الطفل نحو الآخر بالتمييز وتكون مختلفة تمامًا عن السنوات التي قبلها.
في هذه الجلسة، يحكي الوالدان كيف تعارفا من خلال الأهل، وبشكل مبسط يفهمان الطفل أن الشرع أحل التلامس بين الزوج والزوجة بعد الزواج. ويؤكدان على أن المشاعر تجاه الآخر فطرية ولن نحاسب على الميل إلى أحدهم طالما لم نرتكب إثمًا بالتواصل. وأن الارتباط له وقته، ويلزمه في هذه المرحلة التركيز على مهمتك كطالب “حتى تستطيع التحصيل الدراسي بشكل جيد، حتى تتخرج وتعمل لتحصل أسباب الرزق”؛ فيدرك أن الحب والارتباط مسؤولية.
يفضل أن يتكلم الأب مع الولد والأم مع الابنة في علامات البلوغ قبل وقت البلوغ بوقت كاف. فكلما كانت الأسرة المصدر الأول للمعلومات لدى الأبناء كان ذلك حماية لأبنائهم من التلقي من مصادر غير آمنة. وليست من المسؤولية أن يقول أحد الوالدين: أنا محرج ولا أعرف كيف أتحدث مع ابني في هذا. ستحاسبون! تعلم كيف تتكلم. ليس عيبًا أن نسأل أهل الاختصاص.
من المفيد أيضًا التعلم عن الطهارة من شيخ ومعلم حتى يغطي جميع الأحكام الشرعية ويشبع تساؤلات الأبناء في جو محترم موثوق.
كيف تنجح علاقتك بالمراهق بعد أن هيأته وأعددته لتلك المرحلة؟
إليك عشر حلقات تضعها في أذنك:
1. تعامل مع ابنك بمفهوم إحياء النفس، {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} (المائدة: ٣٢)، فأحيِ نفس ولدك، وإن استعصت عليك مسألة معه، انظر إليه على أنه ابن صديقك، كيف كنت ستعامله؟ ولدك أولى بهذه الرقة.
2. الاتفاقات قبل العقوبات، فلا تباغته بعقاب، ولا تحرم حرمانًا كليًا، ولا توبخ ولا تنهر ولا تضرب. فإن علمته الاتفاقات سيحترم القاعدة في الأغلب الأعم، وسيكسرها كل فترة ليجرب عضلات العصيان، فتعامل بحكمة. تجاوز ما لم يكن الأمر متعلقًا بحد من حدود الله أو أمر يضر بصحته ضررًا مباشرًا.
3. للمراهق حق في الغضب، ومع خشونة صوتهم نسمي غضبهم سوء أدب. فإذا علا صوته، تفهم وذكّره في نفس الوقت، ولا تأخذ الأمر على محمل شخصي.
4. تعلم ثقافة الاعتذار، فإذا تجاوزت معهم في مسألة في الماضي أو بعد البلوغ، فلا يعيبك كوالد أو والدة أن تبدي الاعتذار. سيتعلمون هم أيضًا الاعتذار، وفي نفس الوقت لا نترك تراكمات تحول بيننا وبين جودة التواصل معهم.
5. كن لابنك صديقًا، وليس شخصًا سلطويًا، ناده بأحب الأسماء إليه، وشاركه في شيء يحبه وإن رأيته تافهًا. اسأله عن يومه وتفاصيله بغرض الاطمئنان، واسأله عن أصدقائه.
6. إدراكك لدور الأصدقاء في حياة المراهقين يجعلنا نفهم عزوفهم عن البيت وحبهم للمكوث مع الأصدقاء فترات طويلة. فلا تقارن نفسك بهم. اتركه ينهم من صداقاته طالما ليس عليهم محاذير، وضعهم في دوائر آمنة منذ الصغر، فيكبرون في أوساط نحن راضون عنهم بنسبة كبيرة.
7. ركز على قاعدة “عمل مجهد خير من فراغ مفسد”، فاحرص على وضع خطة، خصوصًا في الإجازات. هذه الخطة تشتمل على رياضة، وتعلم حرفة، وتعلم مهارة. ابحث عن الثقات حولك واستأذنهم في تدريب ابنك عندهم. واستقبل رجلًا صنعته الأيام وتوسعت خبرته، فلن يجد وقتًا لمواقع إباحية ولا صديق سوء بإذن الله.
8. لا ترفع سقف توقعاتك فتحبطه، ولا تقلل من شأنه فيشعر بالدونية وعدم الاهتمام.
9. استفد من التوسع الحادث لهذا الجيل وكن على المنصات الاجتماعية التي يستخدمها ابنك، حتى تقلل الفجوة بينك وبينه.
10. اختر معاركك معه. لا تستنزف علاقتك معه في صغائر الأمور أو ما هو من طبيعة المرحلة. توقف عند ما توقف عنده الشرع، وتجاوز عما ليس من أولويات الدين الخمس (حفظ النفس، حفظ الدين، حفظ العقل، حفظ المال، حفظ العرض).
تصدق لأجل صلاح ولدك، وابتهل بين يدي ربك حتى ترى ما يسرك في ولدك، وتذكر قوله تعالى: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} (الكهف: 82)، فصلاح الآباء يكفل حفظًا للأبناء.
رزقنا الله وإياكم الفهم والبصيرة لاحتواء أبنائنا في تلك المرحلة حتى نخرج للأمة جيلًا قويًا، فاهمًا وواعيًا، تكون بدايته وانتماؤه الأول لأسرة تفهم عن الله وعما شرع، لا عن مجتمعات تحكم بالأهواء، فينفع الله به الأمة.