أبنائي كانت تبدو عليهم علامات الموهبة قبل دخول المدرسة، وبعد أن التحقوا بالمدرسة وتقدمت بهم سنوات التعليم اختفت تلك المواهب ولم يعد لها أثر، فمنهم مَن كان موهوبًا بالرسم أو مَن كان موهوبا بالقراءة، والآن لدي طفل صغير متميز قارب الالتحاق بالمدرسة ولديه مواهب واضحة وأخاف أن يدخل المدرسة وتشغله الدراسة فيفقد اتصاله بموهبته كما حدث مع إخوته الكبار.. بماذا تنصحوني؟
الإجابة:
تتغير اهتمامات الأبناء حسب المراحل السنية والتعليمية التي يمرون بها، فهناك تغير يحدث بشكل طبيعي دون تدخل لأحد، وقد يكون هذا ما حدث مع الأبناء الأكبر ولم يكن دخول المدرسة هو السبب، لكن في الوقت نفسه تلعب التنشئة دورًا مهمًّا في ذلك سواء أكانت الأسرة أم المدرسة، فمما لا شك فيه أنّ التحاق أبنائنا بالمدارس يُمثل مرحلة فارقة في حياتهم، تظهر معها أبعاد مختلفة لشخصياتهم، وقد تكون سببًا في اكتشاف ملكات لم نتمكن من معرفتها مسبقًا أو ضعف أخرى كانوا يمتلكونها من قبل، يتوقف الأمر على عوامل عدة منها نوع التعليم الذي اخترناه لأولادنا، وجودة المدرسة التي قمنا بإلحاقهم بها، وأيضًا – وهو الأهم في هذا الجانب- الجهد المبذول من الأسرة لاكتشاف والحفاظ على مواهب أبنائها، فليست المدرسة وحدها المسؤولة عن تنمية موهبة أو هدمها بل هي مجرد شريك.
معلوم أنّ نُظم التعليم في معظم بلادنا العربية لا يُمكن الاعتماد عليها وحدها في تطوير شخصية ومهارات أولادنا، بل يجب أن يتم ذلك بمجهود مشترك مع الأسرة وبدفع وانتباه ومتابعة حثيثة منها. أصبح هناك أُسُر تلجأ لاختيار أنواع أخرى من التعليم تتسم بالمرونة وتلائم شخصيات وظروف أبنائهم كالتعليم المنزلي والتعليم الموازي وما يعرف بالمونتسوري وغيرها، وكلها تتطلب دراسة مسبقة حولها ودراسة إمكانات الأسرة للقيام بها والتواصل مع أصحاب الخبرات فيها.
بشكل عام وطالما اتفقنا أنّ تنمية المواهب هي مسؤولية مشتركة فإنّ هناك سمات مشتركة للبيئة التي تساعد على تنميتها، سواء أكان هذا في البيت أو المدرسة، على سبيل المثال لن يجرِ في بيئة التلقين والأوامر والاعتماد على الحفظ بل بيئة تعتمد على إثارة الذهن بالتساؤلات ومراعاة الفروق الفردية بين الأولاد. لن تتم أيضًا بالاعتمادية في التعلم وعدم بذل جهد للحصول على المعلومة بل بالاعتماد على النفس ووضع التحديات والبحث عن المعلومة، كذلك تحتاج لفتح نوافذ كثيرة أمام أولادنا وتعديد الخبرات والتعرّض لتجارب مختلفة تمكن من اكتشاف الموهبة، كتنويع الأنشطة القائمة في المدرسة، وكذلك التي تقدمها الأسرة لأبنائها أيضًا، ما بين أنشطة رياضية واجتماعية ولغوية وطبيعية ويدوية وغيرها، وتوفير الأدوات والمواد اللازمة، حيث إن هناك أطفالا تظهر موهبتهم بشكل واضح منذ الصغر وآخرين يتطلب الأمر جهدًا لحين الوصول إليها ومعرفتها.
كذلك يحتاج الأمر إلى تواصل وتنسيق بين الأطراف المختلفة، البيت والمدرسة والنادي وكل الدوائر التعليمية في محيط أبنائنا، لن يجري الأمر وكل يعمل في جزيرة منعزلة، إذ يجب أن تخبر الأسرة المدرسة بنقاط تميز الابن كما يتم متابعة أدائه دوما وتتبع الأنشطة ذات الصلة بمهاراته وإلحاقه بها.
لن تنمو – أيضا- الموهبة دون أن يعرف الابن أنّ لديه تميزًا في هذا الجانب وهذا دور الأسرة والمدرسة معًا، بالتشجيع ولفت الانتباه وبناء الثقة والتركيز على الإنجازات الصغيرة، يبدأ الابن في الاعتقاد بأنّه بالفعل يجيد أو يمكنه إجادة مهارة ما فيكون لديه الدافع الذاتي لتنميتها بلا انتظار لدور من الأسرة أو المدرسة، فبعض الأبناء يتخرجون من الجامعة وهم لا يعلمون نقاط تميزهم!
لن يجري هذا في بيئات الخوف والتعنيف، الخوف في حد ذاته قاتل للإبداع، يحتاج الأمر لكثير من الأمان والشعور بالحرية، كما لن يجري في أجواء المقارنة بين الأشقاء والزملاء، لأنّ تنمية المواهب ما هي إلا اكتشاف ذات يجب معه ألا تكون إلا نفسك وهذا لا يدعمه سلوك المقارنة.
الخوف من تأثير الدراسة سيصبح في محله إذا كانت بيئة الدراسة ضاغطة يكثر فيها المهام والفروض المنزلية والمسائلة وتعلو فيها التوقعات من البيت والمدرسة، لن يكون هناك وقت لتنمية الموهبة حينها، لكن بقليل من التخطيط وتنظيم الوقت مع تقليل الضغط المصاحب للعملية التعليمية سيكون الوضع مختلفًا.
وأخيرًا يُمكن دراسة نماذج للتميز في مواهب عدة، وبحث كيفية دعم الأهل والمؤسسة التعليمية لها للاستفادة من هذه النماذج لأن تحوّل مواهب أولادنا إلى مهارات يحتاج لمثل هذا السعي وأكثر، بكثير من الجهد والمثابرة والتخطيط والبحث وتضافر الجهود.