رغم أنّ الإسلام كَفَل حقوق المرأة وصانها حتى جعلها نصف المجتمع، إلا أن بعض النسوة خرجن بمصطلحات غريبة مثل “الفيمنست” الذي يجعل المرأة مناظرة لزوجها في كل شيء، فتحوّلت حياة الأسرة إلى جماد خالية من المشاعر بحجة أنّ لها حقوقًا مثل الزوج، وهو ما يُهدد الأسر بالانهيار وتفكك المجتمع الإسلامي.
وعلى مدى عصور مختلفة، ظلّت المراة هي المادة الدّسمة التي يسعى الأعداء إلى ضرب ثوابت الدين من خلالها، وساعدهم على ذلك عدم تطبيق تعاليم الإسلام مع كثيرٍ من النساء حتى شعرن بالاضطهاد وبدأن في الدعوة إلى الحرية، وهي بالطبع تبعد عن المفهوم الحقيقي الذي وضعه الإسلام بين الزوجين لاستقامة الحياة بينهما بالمودة والرحمة.
مفهوم الفيمنست (Feminist)
الفيمنست تعني: ناشطة نسوية تأخذ على عاتقها التصدى للتمييز ضد المرأة بكل أشكاله وصوره، وتدعو لمساواة المرأة بالرجل في جميع الحقوق، كالحق في التعليم، والحق في العمل، والحق في الجسد، والحق في الاختيار، والحق في الاستقلال، حتى إن جامعة كامبريدج عرّفتها بمعنى: “الإيمان بأن النساء لهن نفس الحقوق والفرص والصلاحيات التي للرجال”.
وعرّفت “ماري ستوت” مؤسسة صفحة المرأة بصحيفة “الجارديان” عام 1957، هذا المصطلح بأنه “بحث عن الهوية والاحتجاج على التفرقة حسب الجنس”.
وهذا المفهوم وإن كان غربيا إلا أن نساء كثيرات من دول الشرق الأوسط تلقفنه وسعين للمطالبة بما طالبت به المرأة الغربية من حقوق، وإن كان قد انحصر جلّها في حق التعليم وعدم اضطهاد المرأة أو التحرش بها (1).
الفيمنست ووضع المرأة بين الإسلام والغرب
لقد عاشت المرأة في الغرب سنوات من الاضطهاد والذل والاستعباد، وكذلك الأمر في حضارات الشرق قبل الإسلام التي لم تهتم بالمرأة واعتبرتها كائنًا نكرة. وقد عبر عن ذلك الصحفي الإنجليزي سيسيل شسترتون بقوله: “إن النساء اليابانيات مستعبدات كأقصى ما يكون الاستعباد”.
بل إنّ الغرب الذي يصرخ بمفهوم الفيمنست “Feminist”، جاء في دراسة نُشرت على موقع BBC بالعربية أجريت على 14 دولة أظهرت أنّ 42% من البريطانيين اعترفوا بإقامة علاقة مع أكثر من شخص في الوقت نفسه، بينما نصف الأمريكيين يقيمون علاقات غير شرعية “مع غير أزواجهم”، وكانت النسبة في إيطاليا 38% وفي فرنسا 36% (2).
وذكرت وزارة العدل الأمريكية أنّ في أمريكا يغتصب 683 ألف امرأة سنويًّا أي بمعدل 78 امرأة في الساعة، مع العلم أنّ 16% فقط من حالات الاغتصاب يجري التبليغ عنها! كما تقتل 1320 امرأة سنويًّا، أي نحو أربع نساء يوميًّا بواسطة أزواجهن أو أصدقائهن في أمريكا (3).
لقد عملت المرأة الغربية واختلطت بالرجال وتعرضت للاضطهاد والابتزاز والتحرش الجنسي بمعدلات هائلة، والتقارير الصادرة عن معدلات التحرش والابتزاز ضد النساء داخل الجيوش الغربية مثال لذلك.
لكن مُنذ أن جاء الإسلام، وقد أعلى شأن المرأة وكرّمها وجعلها شريكة للرجل في كل شيء وساوى بينهما في كثير من التكاليف والحقوق، غير أنّه خصّ لكل صنف منهما أعمالًا حسب قدراته وطبيعته.
فالمرأة مَصونة ومُكرمة في جميع الشرائع السماوية التي ختمها الإسلام الحنيف، حيث كرّمها أُمًّا فأوصى جميع الأبناء بخدمتها ورعايتها وبرها، كما أوصى بها زوجة فلها حقوق على زوجها، بل أوصى بها ابنة من حسن تربيتها وتهذيب أخلاقها وتعليمها، فقال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} يقول ابن كثير: أي ولهن على الرجال من الحق مثل ما للرجال عليهن، فليؤد كل واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف.
وحينما سأل معاوية بن حيدة القشيري، النبي- صلى الله عليه وسلم- عن حقوق زوجته عليه فقال: “أن تُطْعِمَها إذا طَعِمتَ، وتَكْسوها إذا اكتسَيتَ، أوِ اكتسَبتَ، ولا تضربِ الوَجهَ، ولا تُقَبِّح، ولا تَهْجُرْ إلَّا في البَيتِ” (صحيح) (4).
وهو ما أكد عليه الأستاذ حسن البنا بقوله: الإسلام يرفع قيمة المرأة ويجعلها شريكة الرجل في الحقوق والواجبات.. وهذه قضية مفروغ منها تقريبًا، فالإسلام قد أعلى منزلة المرأة ورفع قيمتها، واعتبرها أختًا للرجل وشريكة له في حياته، هي منه وهو منها: ﴿بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ﴾ [آل عمران: 195]، وقد اعترف الإسلام للمرأة بحقوقها الشخصية والمدنية والسياسية كاملة، وعاملها على أنها إنسان كامل الإنسانية له حق وعليه واجب، يشكر إذا أدى واجباته، ويجب أن تصل إليه حقوقه، والقرآن والأحاديث فياضة بالنصوص التي تؤكد هذا المعنى وتوضحه.
والتفريق بين الرجل والمرأة في الحقوق إنما جاء تبعًا للفوارق الطبيعية التي لا مناص منها بين الرجل والمرأة، وتبعًا لاختلاف المهمة التي يقوم بها كل منهما وصيانة للحقوق الممنوحة لكليهما (5).
لماذا يشعر النساء بالاضطهاد؟
أطلقت بعض النسوة في مصر والعالم العربي صيحات يطالبن المرأة بعدم خدمة الرجل الذي لا يقدر قيمتها ويعاملها على أنها خادمة، والتي كانت بمثابة جرس إنذار ومِعول هدم لكل أركان الأسرة وضياعها.
لا أحد ينكر أنّ مثل هذه الصيحات، نتيجة تأثر المرأة الإسلامية بالمرأة الغربية ومحاولة محاكاتها في كل شيء، والمطالبة بحريتها الكاملة، حتى في التصرف بجسدها.
لكن هناك أسباب أخرى قوية أدت إلى انتشار مفهوم وثقافة الفيمنست، وهو عدم فهم الرجال والنساء لمعاني الإسلام الحقيقية، والبعد عنها وتسلط الرجال من أجل أن تكون كلمته هي العليا.
إنّ الشرع الحنيف أوجب حقوقًا للمرأة تكفل لها الحياة الكريمة الآمنة المطمئنة، وأيضا المعيشة الهانئة السعيدة، بل وحفظ لها حقّها في التعليم والعمل وقت الضرورة، لكن مع الحفاظ على نفسها، حيث سَنّ التشريعات التي أحاطت المرأة بسياج للحفاظ عليها وجعلها ملكة متربعة على عرشها.
أيضا عدم حرص الدولة على القيام بواجبها بتعريف الناس معاني وحقيقة الشرائع الإسلامية، ما جعل الجهل يسيطر على الناس في التعامل فيما بينهم، فضاعت حقوق المرأة واضطهدت وأفسحت المجال لأن ينفذ من خلالها أعداء الإسلام ليبثوا سمومهم في تدمير الأسرة الإسلامية.
ويرى الدكتور أحمد كمال أبو المجد، أنّ وضع المرأة في العديد من المجتمعات الإسلامية المعاصرة ليس نتاجًا صحيحًا لنصوص الإسلام ومبادئه، بقدر ما هو نتاج لتقاليد فاسدة بعضها سابق على الإسلام وبعضها لاحق له، ولكنه غير مرتبط به (6).
ولقد التبست في الواقع الأحكام الشرعية للمرأة بالعادات والتقاليد، وهذا ما فعله دعاة تحرير المرأة الأوائل، الذين دعوا إلى تحرير المرأة باعتبارهم مهاجمين لأوضاع اجتماعية شائنة، يرفضها الدين وليسوا مهاجمين للدين، واستخدموا في هذا الهجوم آراء شرعية تحتمل الصحة والخطأ، ولكنها عمومًا قد يكون لها قبول فقهي للترويج لدعوتهم (7).
ولا أحد ينكر حقوق المرأة، مثلها مثل الرجل، بل إن الدعوات التي كانت تطالب بحقوق المرأة المهدرة تطرفت وبعدت عن مقصدها، وتطرُّف البعض منهم أدى بالحركات الأنثوية إلى إقصاء بعض فئات المجتمع الأنثوي نفسه بحجة عدم مواكبتهن لفكرة النسوية أو إيمانهن المطلق بها؛ ما جعلهن يتهمن بعضهن بالرجعية أو التخلف أو حب الذل والخضوع وافتراض عدم أهليتهن لاتخاذ القرار.
خلل في منظومة الأسرة
وفي الآونة الأخيرة، انطلقت بشدة أجراس الإنذار، لكثرة ما يعتري الأُسَر من خللٍ ومشكلات تُوشك أن تُدمر المجتمع، جراء هذه الأفكار ومنها الفيمنست وغيرها، فالزوجة أصبحت تعيش حياة الند للند للزوج، وأنها متساوية معه في كل شيء، سيّما إن كانت تعمل وتشعر بالاستقلال المادي. ومثل هذه الدعوات نتيجة:
- عدم وعي المرأة بمكانة زوجها، وأهمية احترامه وطاعته، وجهلها بحقوق الزوج وواجباتها نحوه، وهو ما ينطبق – أيضا- على الزوج الذي لا يعرف سوى أنه يجب أن يُسمع ويطاع له.
- ظلم الزوج للزوجة وتقصيره في إدارة شؤون منزله أو في رعاية الأبناء، وعدم مراعاته لحدود الله في التعامل مع زوجته.
- كثرة الأصوات حول المرأة التي تدعو إلى الاستقلال والتحرر عن الزوج، وتأثر الزوجة بها، دون التمييز بين تعاليم الدين وعادات وتقاليد المجتمع الشرقي، ونظير ذلك في المجتمع الغربي.
- سوء خلق الزوجين، وعدم النضج، وانعدام القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ.
- التمركز حول الذات والأنانية الشديدة، والإصرار على الرأي.
ومن هذه الآثار التي قد تنتج عن الندية بين الرجل والمرأة في البيت:
- تفكك الأسرة وانهيارها وضعفها في مواجهة التحديات التي تواجهها.
- اضطراب وتحلل في علاقات الزوجين ما يجعلهما خصمين لا متحابّين وهو ما يُنذر بتفكك الأسرة والمجتمع.
- الأمراض النفسية التي تصيب جميع أفراد الأسرة من كثرة الشّجار أو الخوف من الضياع أو عدم الأمان من توفر مأوى بعد انفصال الزوج عن زوجته وضياع الأولاد بينهما.
- تهيئة الظروف لانحراف أفراد الأسرة خصوصًا الأولاد، وعدم الأمان الاجتماعي وضعف القدرة لدى الفرد على مواجهة المشكلات.
- اختلال كثير من القيم التي يسعى المجتمع لترسيخها في أذهان وسلوكيات أفراده، مثل: الترابط والتراحم والتعاون والمسامحة.
- الانهيار الاقتصادي، والضعف السياسي، والخلل الاجتماعي الذي ينتج عن انهيار الأسر، والندية بين الرجل والمرأة (8).
كيف نحافظ على أركان الأسرة من الانهيار؟
للمحافظة على أركان الأسرة والمجتمع، وحصول كل طرف على حقوقه التي شرعها الله، بعيدًا عن المصطلحات الرنانة مثل الفيمنست وغيرها، يجب الأخذ ببعض النصائح، منها:
1- تعميق وترسيخ الروح الإسلامية في وجدان كل فرد من أفراد الأسرة، فيتحقق وصف الحسن البصري: “زوج ابنتك ممن يتقي الله، فإن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها”.
2- البحث عن الزوج والزوجة أصحاب الدين، والذي حثّ الرسول – صلى الله عليه وسلم- الأمة على التمساها والتمسك بها: “فاظفر بذات الدين تربت يداك” (رواه مسلم).
3- تعهد الزوج والزوجة بالنصائح التربوية، وعلاج الآفات التي تظهر في السلوكيات، والعمل على الصلح بينهما بالحسنى من ذوي القلوب الصافية، كما يجب على الزوجين الجلوس مع بعضهما وفتح مجالات للحوار والتناقش ليتغلبا على المشاعر السلبية.
4- سعي الزوجين لمعرفة مفاهيم وعلم أنماط الشخصية ليتعرف كل واحد على نمط شخصية شريكة.
5- معرفة الأخطار التي تحاك للأسرة والمجتمع المسلم والتصدي لها بإقامة المفاهيم الإسلامية الصحيحة وعدم إجحاف حق أحد طرفي الأسرة أو ظلمه (9).
المصادر:
- ميرا ماهر: “Feminist” لا تعنى المرأة “المتوحشة”، 8 مارس 2017،
- More sex please, we’re British: سبتمبر 1998، https://bbc.in/3EEYoD3
- Bonnie S. Fisher: Violence Against Women and Family، 2004،
- تسأل عن حقوق المرأة في الإسلام: 26 سبتمبر 2005،
- حسن البنا: رسالة المرأة المسلمة، مجموعة رسائل الإمام حسن البنا، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2006، صـ442.
- المرأة.. حررها الإسلام وظلمتها التقاليد الفاسدة: 1 مارس 2013،
- دروس من حركة تحرير المرأة المصرية: 28 أكتوبر 2014،
- دروس من حركة تحرير المرأة المصرية: 28 أكتوبر 2014،
- الانهيار الأسري.. واقع أليم وضياع للقيم، 2 يونيو 2021،