العناد بين الزوجين
يقول لها افعلي فلا تفعل
وتقول له هذا يُزعجني، لا تفعل فيفعل
يصر كل طرف على رأيه ولا يتفهم للآخر رأيًا
يصر بعد أن يسمع، وأحيانًا حتى قبل أن يسمع
انفعال سريع، وافتراض للنية الأسوأ
أصوات عالية، وفي التعامل جفوة
وكأنّ أجواء حرب باردة تدور في جنبات بيوت
مفترض لها أن تكون دافئة
هذا لا يحدث بين صغيرين متشاكسين في حجرة اللعب
بل يحدث بين زوجين شريكين ناضجين
عناد وتشبث كل طرف برأيه
لا محاولات للتنازل
ولا خطوات تُؤخذ تجاه الآخر
بل كل منهما يدور حول نفسه
كيف يرى كل طرف نفسه والآخر
كلا الزوجين حين يحبسهما سجن العناد
لا يرى حينها إلا حاجاته، وآلامه، وآماله وحده
والآخر؟، قد يكون معرقلًا، أو أنانيًّا
معجبًا بنفسه ورأيه
يهوى السيطرة والتحكم
لا يحسن الاستماع ولا يعرف طريقًا للاحترام
(دوافع العناد لدى الزوجين)
أما هي، فزوجة لا تشعر بالأمان
ولا تشعر بحب زوجها
لا يقوم زوجها بشؤون بيتها ورعاية أولادها
تظن نفسها ندًّا فلا تفهم معنى للقوامة
لا تفهم طبيعة حقها
تعتمد على عملها ويفسد طريقتها مالها
تحمي نفسها من قسوته
تحس بالإهمال أو الإهانة
تحرص على إبداء رأيها
وتقاوم محاولات إلغائها
تخبر ببساطة أنها هنا
أما هو، فزوج لا يفهم معنى اللين
شريكته لا تقدّره قدره
لا يشعر بأنّ له القوامة
كتوم لا يفصح
يهوى السيطرة والتحكم
يسفه من رأي زوجته
ويظن أنّ المرأة ما خُلِقت إلا لتسمع
أو قُلْ إن لكليهما طبعًا غلابًا
أو خلقًا خاب
أنانية وتمركز حول الذات
أو هكذا كانت النشأة
أو ربما فارق اجتماعي جعل كلًا للآخر يترصد
(أثر العناد على الحياة الزوجية)
والنتيجة حياة لا تسير
وفجوة تتسع بين الصاحبين
وأبناء بين هذا وذاك عالقون
وبيت استحال من ملاذ يُلتجأ إليه من هموم الحياة
إلى همٍّ قائم في نفسه
ولقد عُرف في الأثر أنّ العناد يورث كفر العبد بربه
وقد كفروا بها واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوًّا
فماذا يُمكن أن يُورث بين إنسانين ضعيفين
يحاولان بناء روابط بينهما؟!
(كيفية معالجة العناد)
لو قرر الزوجان تغيير الحال
لوجدا مخزونًا كافٍ من المودة والرحمة مخبّأ بينهما
جعله الله بينهما فطرة
وأخبرنا بذلك حين قال عزّ مَن قائل (وجعل بينكم مودة ورحمة)
هما المودة والرحمة زينة كل الأخلاق وأساسها
لهما جعل أساس اختيار شريك الحياة (الخلق والدين)
كما وجه لهذا سيد الخلق محمد حين قال
(إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)
بهذا يتحقق السكن الذي أخبر عنه رب العزة فقال
(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها)
وما كان السكن يومًا جدرانًا وأثاثًا
بل هو شعور لا يُشترى، يحققه معان وفعال
يحققه زواج قائم على غايات وأهداف سامية
يعرفها ويتفق عليها الزوجان
لأجله يُتجاوز عن الأخطاء والزّلات فلا يضطر أحدهما للعناد
إذا أراد الزوجان تغيير الحال
لعرفا للحوار أدبه فأحسنا لبعضهما الاستماع
لنظر كل واحد من منظار الآخر فتفهمه
لفهم الزوجان ما الذي يُلجيء كل طرف للعناد.. فتحاشاه
ولغفر ما مضى من مواقف وذكريات
فالله قد قال (عفا الله عما سلف)
لو أراد الزوجان تغيير الحال
ما انفك اللسان عن التعبير، وما حبسا المشاعر
فيصير كل واحد على علم بمكانه ومكانته في قلب حبيبه
ولما رأينا عنادًا تختبر به المشاعر أو يجذب به الانتباه
لتحلى كل منهما بالصبر على طباع الآخر وفعاله
فالصبر هو وقود استمرار سير سفينة الزواج
والعناد هو مرساة إيقافها
لتعلم كل طرف أن يخرج أفضل ما في الآخر لا أسوأه
وما كان ذلك إلا بأن يكون شعاره
(خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)
وخير ما في المرء يبديه اللين لا العناد
اللين الذي ما إن وجد في شيء إلا زانه
كما كان حبيب الله محمد صلى الله عليه وسلم لينًا
يمازح زوجاته
يصبر على انفعالهن، يقابله بابتسامة
يتفهم ضعفهن ويعرف حاجاتهن
يعاملهن برقة
ولِمَ لا وهُنّ كما وصفهن في رقة (القوارير)
خاف عليهن من تسارع الإبل بهن فقال لسائقها
(يا أنجشة رفقا بالقوارير)
هذا حال من قال (اتقوا الله في النساء)
وهذا هو الحال الذي يدفع بالواحدة منهن للإحسان لزوجها
فتحقق واحدًا من أربع وعد بهم رسول الله ثمنًا للجنة
إذا صلت المرأة خمسها
وصامت شهرها
وحفظت فرجها
وأطاعت زوجها
قيل لها ادخلي من أي أبواب الجنة شئت
وما كان الحال ليتغير
لو ظل كل طرف على أحد طرفي الطريق واقفًا
ولا لو سار أحدهما للثاني والآخر ثابتًا
إنما تقصر المسافات وتقترب القلوب
لو تحرك كل منهما بضع خطوات نحو الآخر
فتجاوز .. وتنازل .. وتغاضى .. وتغافل
فصار سيدًا بهذا لا بالعناد
وكما قال أبو تمام
ليس الغبي بسيد في قومه
لكن سيد قومه المتغابي