إذا كانت شبكات التواصل الاجتماعي تدعم العلاقات الزوجية من خلال الاتصال السريع بين الزوجين في أي وقت ومن أي مكان، فإن سلبياتها تتخطى حجم هذه الإيجابية بكثير، إذ تعد هذه الشبكات أقصرَ الطرقِ إلى الطلاقِ والانفصالِ بين الزوجين وتشتت الأسر، بالإضافة إلى إحداث خلل في التَّدَيّنِ، وضعْف في التّربِية، وانحطاط في الأَخلاقِ، في حال استخدامها بطرق غير صحيحة.
ولقد أثبت الواقع أنّ الكثير من الأسر وقعت في “كمين” منصات السوشيال ميديا المحفوفة بالورود والأحداث والقصص المزيفة، بغرض دغدغة مشاعر الزوجين أو أحدهما فتتأجج بينهما الصراعات ويتزعزع أركان البيت الذي سترهما لسنوات، وتظهر على السطح المعاني السلبية، مثل الإهمال وفتور المشاعر والملل ويحصل الصمت الزوجي، وربما تتصاعد الحالة إلى الخيانة الزوجية فتَنهار وتفشل العلاقة.
واقع العلاقات الزوجية في عصر السوشيال ميديا
لا ننكر دور وسائل التواصل الاجتماعي في تقوية العلاقات الزوجية حال غياب الزوج للعمل، خصوصًا إذا كان هذا العمل خارج حدود الدولة التي تعيش فيها الزوجة، لكن في المجمل فإن هذا الواقع مرير إذا دلفنا إلى قلب هذه الوسائل وتعرفنا إلى مخاطرها وما خلّفتها من كوارث أصابت عمق الأسرة المسلمة التي كانت تنعم بالدفء والمودة والرحمة قبل ظهور تلك المنصات.
إنّ العديد من الدراسات الحديثة خَلُصت إلى أنّ وسائل التواصل الاجتماعي هي المتهم الأول في ارتفاع نسب الطلاق العالمية، مشيرة إلى أن موقع “فيسبوك” يحتفظ بنصيب الأسد من هذا الاتهام، ثم يأتي تطبيق “واتساب” للمراسلة الفورية والتابع لشركة “ميتا” في المرتبة الثانية، وذلك لسهولة الاتصال بين الرجال والنساء من خلاله.
يقول رئيس جمعية المحامين الإيطالية “جيان إيتوري” إن الخيانة الزوجية تبدأ في الغالب من رسائل نصية قصيرة عبر “فيسبوك” ثم يتطور الأمر وصولًا إلى “واتساب”، حيث يتبادل الطرفان الرسائل والصور، وبعد ذلك تحدث الخيانة.
ووافقه الرأي، الدكتور محمد بن عبد العزيز الشريم، الأستاذ المشارك بجامعة الملك سعود، حيث قال إن هذه الوسائل والتطبيقات تحمل نذر الخلافات لِمَن يسمح لها بالاستحواذ على حياته، من جهة كونها تشغل الشخص عن شريك حياته، ولا سيما حينما يدمن عليها ويقضي فيها وقتًا طويلًا ينافس الوقت الذي ينبغي أن يقضيه الزوجان مع بعضهما.
وأضاف “الشريم” أنه قد يجد أحد الزوجين في تلك الوسائل مهربًا من إمضاء الوقت مع الطرف الآخر بسبب وجود بعض المشكلات في التحاور وتبادل الرأي، ما يُوسع الهوة بينهما بدلًا من السعي إلى التقارب وإزالة أسباب الخلاف.
ويرى الشيخ عبد العزيز المطيري رئيس تحرير مجلة الأسرة أنّ هناك وقائع كثيرة تدل على أن التوسع في قبول الصداقات بين الرجال والنساء على “فيسبوك” يفاقم المشكلات بين الأزواج، لأن الرجل الغيور لا يرضى من زوجته هذه الطريقة في التعاطي مع وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي محاولة لتفسير الناحية النفسية لأصحاب المنشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، نشر موقع “self” مشاركات لأطباء في علم النفس الاجتماعي، أكدوا خلالها أن وسائل التواصل الاجتماعي بمثابة الفخ الذي يدمر الكثير من العلاقات الزوجية، وذلك عندما يعقد أحد طرفي العلاقة المقارنات بين ما يراه على منصات “السوشيال ميديا” والواقع الذي يعيشه مع محبيه، ما يؤدي في معظم الأوقات إلى اشتعال الخلافات والفتن التي قد تصل إلى حد الانفصال وتدمير الأسرة.
ورأى أطباء النفس، أن أول ما يدور في ذهن الزوجة أو الزوج عند رؤية صور أو منشورات غيرهم- خصوصًا إذا كانوا من المشاهير الذين يعيشون حياة “البريق والزهو”- هو حالة من السخط وعدم الرضا عن حياتهم في الواقع.
وبالطبع ينتاب هؤلاء السخط، نتيجة التغافل عن النعم التي أكرمهم بها الله، لكنهم لا يستمتعون بها، وينتابهم حالة من التصنع وإظهار رومانسية مفتعلة وإبرازها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كي يزوّروا من واقعهم الفعلي، ويشعروا أنهم مثل غيرهم من الشركاء السعداء “رقميًا”، لكن مع مرور الوقت تشتعل الخلافات ويبدأ جدار الأسرة في الانهيار.
تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على العلاقات الزوجية
ومواقع التواصل الاجتماعي لها تأثير سلبي على العلاقات الزوجية والأسرية، من ذلك:
- إدمان الشاشات: حيث أكدت كثير من الدراسات أن إهدار الوقت في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، يؤدي إلى إدمانها وبالتالي إهمال الواجبات الأُسْرية الضرورية.
- فتور العلاقة بين الزوجين: فالزوج والزوجة لا يمكنهما ممارسة الحياة بشكل طبيعي دون الهاتف الذكي الذي أصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتهما اليومية ولا يمكن الاستغناء عنه.
- إثارة الشكوك بين الزوجين: فعندما يرى أحد الطرفين الآخر يتصفح باستمرار شبكات التواصل تبدأ تتكاثر عنده الشكوك لمعرفة سبب الاهتمام الزائد بهذه المواقع، ومن هنا تندلع الخلافات التي تتطور مع الوقت حتى تصل إلى الانفصال.
- الخيانة الزوجية الإلكترونية: وهي نتاج الاستغراق في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي دون خطة أو منهج محدد، فقط من أجل قضاء الوقت أو إهداره.
- الشعور بعدم الاكتفاء الزوجي: الأمر الذي قد يزيد وتيرة المشكلات ويرفع من احتمالات الطلاق.
- زعزعة البيت الآمن: نتيجة نشر تفاصيل الحياة اليومية ومعظمها متصنع وبعيد عن الواقع، ولأن كثيرا من المتابعين يفتقدون في حياتهم مع شركائهم التفاصيل التي يرونها براقة يتولد لدى أحد الشريكين عدم رضا عن شريكه وطريقة حياته ويسعى إلى البحث عن تعويض لحرمانه.
- الوقوع ضحية لضعاف النفوس وصيادي الفرص: حيث يقع الباحث عن حياة أفضل في شباكهم، فيبيعونه الوهم والخيال ليصلوا به إلى طريق الدمار، مثل الخيانة الزوجية، والابتزاز وغيرها مما بات يعرف بالجرائم الإلكترونية.
- برود الحياة الزوجية: فقد يجتمع الزوجان على طاولة الطعام لكن كل منهما منهمك في هاتفه المحمول وحتى إن قرأ أو سمع شيئا لطيفا يرسله برسالة لشريكه بدلًا من أن يحكيه.
- قلة التواصل المباشر: قد يؤدي الإفراط في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي إلى تقليل التواصل المباشر بين الزوجين، ما يؤثر سلبًا على العلاقة.
- المقارنة مع الآخرين: قد يقارن الزوجان حياتهما مع حياة الآخرين على منصات السوشيال ميديا مما يؤدي إلى الشعور بالاستياء والحسد.
- انعدام الخصوصية: يمكن لمواقع التواصل الاجتماعي أن تجعل الحياة الشخصية للزوجين عرضة للجميع، ما يقلل من الشعور بالأمان والخصوصية.
- إهدار فرصة التعبير وإبداء المشاعر الطبيعية: وشيئا فشيئا يبتعد الأزواج عن بعضهم بعضا ويصبح كلٌّ منهما جاهلا بمشاعر الآخر ما يفرحه أو يحزنه ويسود البرود في العلاقة بينهما مع قلة الحوار ما يجعل هذه العلاقة هشة وقابلة للانتهاء مع أبسط المشاكل.
- علاقات وهمية: فكثيرا من النساء وجدت في تطبيقات التواصل الاجتماعي مكانا خصبا للموضة وتقليد المشاهير، في حين وجد العديد مرتعا للبحث عن الفرائس.
- زيادة حالات الطلاق والجرائم: بسبب الابتزاز واكتشاف الأزواج علاقات غير شرعية وتبادل الصور وغيرها من المخالفات الجسيمة.
الوقاية والعلاج
ولتلافي الوقوع في أزمات تُهدد العلاقات الزوجية والأسرية يُمكن السير على خطة للعلاج والوقاية، تتلخص في الآتي:
- الخوف من الله: واستحضار رقابته في كل وقت، خصوصا وقتما يكون الإنسان متصلًا بشبكة الإنترنت.
- وضوح الهدف: من المهم التأكيد على الهدف الذي ندخل من أجله شبكات التواصل الاجتماعي والالتزام بالضوابط الشرعية.
- البعد عن أي شيء يدعو إلى الريبة: أو يفتح بابًا للفتنة، والابتعاد عن الدخول في المسائل الشخصية.
- تجنب النساء التبسط في الردود والمحادثات: وعدم الخضوع بالعبارة أو تليينها واستخدام اللغة الواضحة والواثقة، والكف المباشر عن المحادثة إذا تحركت الشهوة في القلب.
- ترك وسائل التواصل الاجتماعي فور دخول المنزل: ويمكن استخدامها بالضوابط الشرعية في وقت الفراغ.
- تعزيز النقاش بين الزوجين: فمن الضروري التركيز على أن تتسم أوقات تواجد الزوجين في المنزل بالجودة وفتح باب النقاش بينهما ومع باقي أفراد الأسرة.
- الابتعاد عن المتابعة غير الهادفة: لأنها تضييع للوقت، وقد يقودنا إلى مشكلة إدمان وسائل التواصل الاجتماعي مع عواقب التأثير في الإنتاجية في العمل، وفي جودة الحياة العائلية.
- ترك الهاتف قبل النوم: من المهم جدا عدم استخدام كل طرف على حدة لهاتفه قبل النوم وعند الاستيقاظ في الصباح.
- من الضروري تمتين العلاقات بين الزوجين بالتواصل والتحدث أو عن طريق إرسال رسائل نصية لبعض وتجديد الحب بينهما.
- ممنوع التصفح بعد أي خلاف زوجي: ففي تلك اللحظة المربكة، يمكن نشر تعليقات سيئة، وغير سارة سوف يندم عليها الزوجان لاحقا، أو قد يرى قصة مليئة بالعواطف لأي من المشاهير مما يقلب عليه حياته.
- الحفاظ على الخصوصية: من الضروري إبعاد الحياة الزوجية عن منصات التواصل الاجتماعي، والاحتفاظ بلحظات السعادة داخل حدود المنزل ومع الأبناء، لأن النفوس ليست كلها سوية.
- الالتجاءُ إلى اللهِ تعالى بالدعاءِ: والذكرِ والورد بأن يصرفَ اللهُ- عز وجل- عنّا بلاء هذه المنصات ويعطينَا خيرَهَا ويكفينا شرِّها، فإنَّ الالتجاء إلى الله تعالى من أعظمِ أسبابِ صرفِ الشرور.
- الحزمُ مع النفسِ والزوجة: وتحديدُ أوقاتِ الدخول والخروج من تلك الوسائل قدر الاستطاعةِ وعدم التساهل، واستمرار النصح والإرشاد والتحذير مع عدم التخوين.
- ملءُ أوقات الفراغ بما يفيد: فإذا انشغل الإنسان بحفظ القرآن أو قراءة الموضوعات المفيدة أو جلس مع الزوجة والأولاد، فبالتأكيد سينشغل بكل ذلك عن منصات السوشيال ميديا.
- استحضار النية بإصلاح الطرف الآخر: إذا كان أحد الزوجين مصابًا بسعار السوشيال ميديا، فعلى الطرف الآخر أن ينصحه بلين، ويصر على إصلاحه وعدم تركه لإبقاء البيت عامرًا.
إن شبكات التواصل الاجتماعي تعد جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وقد غيرت بشكل كبير الطريقة التي نتواصل بها مع بعضنا البعض، ومع ذلك، فإن هذا التطور التكنولوجي قد أثر بشكل كبير على العلاقات الزوجية والأسرية، وللأسف فإن هذا التأثير سلبيا في أغلب الأوقات، لذا من الضروري الانتباه إلى مخاطر هذه المنصات، والعمل على الاستفادة منها بما ينفعنا فحسب.
مصادر ومراجع:
- د. حاتم محمد آدم: العلاقات الزوجية فنون وأسرار، ص 321.
- د. خالد أحمد عبد الجواد: علاقة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بمشكلات الأسرة العربية، ص 129.
- سامية سليمان محمد: تأثير إستخدام وسائل التواصل الاجتماعي على العلاقات الزوجية، ص 101-111.
- إسلام ويب: أثر وسائل التواصل الاجتماعي في تفكك الأسرة والمجتمع.
- وضحى العثمان: تأثير “السوشيال ميديا” على العلاقات الزوجية بين التقليد الأعمى والهروب من الواقع.