يعد الزواج في الإسلام مؤسسة منبعها الفطرة، يدخل فيها الرجل والمرأة لتحقيق مصالح مشتركة، تعود عليهما بالخير في الدنيا والآخرة، لذا فإن العزوبية الاختيارية التي تقولب فيها كثير من الشباب في العصر الحالي خارجة عن الإطار الصحيح والفطرة السليمة، بل أصبحت ظاهرة تُهدد مجتمعاتنا من الداخل، سيما في ظل تخطيط أعداء الأمة ومحاولتهم المستمرة لتدمير لبنة المجتمع الأساسية وآخر ما تبقى لهذه الأمة من حصون وهي الأسرة.
ويرى كثير من علماء الدين والدعاة، أن ابتعاد الشباب والفتيات عن أوامر الله – عز وجل-، والسنة النبوية المطهرة هو السبب في استشراء تلك الظاهرة، حيث إن الإسلام قد عالج قضية الزواج معالجة حياتية، فمن تمسك به وجد حلولا لجميع مشكلته، ومنها العزوف عن الزواج.
العزوبية الاختيارية ليست من الإسلام
لم يدع الإسلام إلى العزوبية الاختيارية والعزوف عن الزواج، بل شرع الزواج الذي يحقق المودة والرحمة، فقال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21].
وأورد البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود – رضى الله عنه- أن الرسول – صلى الله عليه وسلم- قال: “يا معشر الشباب من استطاع الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء”.
لقد شرع الله – سبحانه وتعالى- الزّواج لأنه يُحقق الاستقرار النفسي والمودّة بين الزّوجين وينشر المحبة بين أفراد المجتمع ويُقوّي الأواصر بين الأسر، ويُحصّن الشباب من الفواحش والشهوات ويحقق الأمن الاجتماعي.
وورد في الصحيحين عن أنس بن مالك – رضي الله عنه-: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم- يسألون عن عبادة النبي – صلى الله عليه وسلم- فلما أُخبروا كأنهم تقالّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي – صلى الله عليه وسلم- قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم- إليهم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا.. أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني”.
وهذا يُبين أنه لا حُجة لِمَا يُروجه البعض من هناك بعض العلماء لم يتزوجوا، لأنّ السنة هي الحاسم في الأمر، ومقدمة على فعل أو قل لبشر، سيما أنّ البعض قد يُعذر لظروف منعته من الزواج أو الارتباط وتكوين الأسرة.
وهذا ما فهمه أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم-، فها هو عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- يقول: “لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام وأعلم أني أموت في آخرها يوما ولي طول النكاح فيهن لتزوجت مخافة الفتنة”، وقال ابن عباس لسعيد بن جبير: “تزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء”. وقال أحمد بن حنبل: “من دعاك إلى غير التزويج فقد دعاك إلى غير الإسلام ولو تزوج بشر كان قد تم أمره”.
أسباب العزوبية الاختيارية
وتتركز أسباب العزوبية الاختيارية والعزوف عن الارتباط بشريك الحياة، وتكوين أسرة للاستقرار والإنتاج في المجتمع في هذه النقاط:
- ضعف الوازع الديني لدى الشباب، بسبب الحرب الممنهجة على تعاليم الإسلام، والغزو الفكري والإعلامي والعولمي.
- اللامبالاة وعدم رغبة الشباب في تحمل المسؤولية، وخسارة استقلاليتهم الشخصية.
- الارتفاع المستمر في مستوى المعيشة دون زيادة مساوية له في الدخل، مع ارتفاع المهور، وتحول الكماليات إلى ضروريات.
- كبت الحريات والاضطهاد الذي دفع بالشباب إلى السلبية والعزوف عن بناء المجتمع، والخوف من وقوع خطر عليه، ما دفعه لعدم الدفاع عن غيره.
- المشكلات الأسرية بين الأبوين التي تدفع الشباب إلى عدم خوض التجربة خشية المشكلات التي يرونها بين والديهم.
- أزمة الثقة بين الشباب والشابات في زمن كثرت فيه الفتن وقلّ الحياء وقلّما يجد المرء شخصًا دون علاقات سابقة.
- وجود الكثير من البدائل الوهمية، المتاحة عبر وسائل الاتصالات والتلفاز والإنترنت، التي تنشر الفساد والإباحية وتجعل الشباب يفضل ذلك على الزواج.
- انعدام المحفزات التي تُشجع الشباب على الإقدام على هذه الخطوة، والخوف من الروتين والملل بعد الزواج.
- تنامي رغبة العديد من الشباب (بنات وبنين) في الحصول على شهادات علمية عالية مثل: الماجستير والدكتوراة.
نتائج العزوف عن الزواج
وقد يترتب على العزوبية الاختيارية والعزوف عن الزواج وتكوين الأسرة، إلى زيادة نسبة العنوسة التي تؤدي بدورها إلى:
- انتشار الفواحش والعلاقات غير الشرعية في المجتمع، وانتشار حالات التحرش والاغتصاب، وزواج المتعة وغيره.
- انتشار الأمراض الخطيرة في المجتمع، مثل: الإيدز، والزهري، والسيلان.
- التأثير على إنتاجية المجتمع سلبًا، حيث يصبح الرجل مشغول البال غير مستقر، ويهدر وقته في البحث عن إشباع لذاته.
- انتشار الاكتئاب والقلق وانتشار الإدمان، والميل للعزلة، والسخط على المجتمع.
- إحداث فجوة بين الأجيال لقلة النسل، ومن ثم تفقد الأمة عنصر قوتها في الشباب والأجيال المتتابعة.
علاج العزوف عن الزواج
وأفضل ما يمكن الاعتماد عليه في علاج ظاهرة العزوبية الاختيارية والعزوف عن الزواج، هو المنهج الإسلامي، وذلك لما رواه عبد الله بن مسعود، عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال: “مَا أَنْزَلَ اللهُ دَاءً، إِلَّا قَدْ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ”، (مسند أحمد).
ومن ثم لا بد للبحث عن وسائل علاجية تربوية، ومحفزات تشجع الشباب على الإقبال على هذه السنة الحياتية، بل والمحافظة على بيته وأسرته من الانهيار، ومن هذه الوسائل التي يجب أن يعمل عليها الجميع:
- تربية وتنمية الوجدان الديني، وتعميق المفاهيم الدينية الصحيحة في نفوس النشء، مع تنمية الضمير الخلقي وجعله الرقيب الأمين على سلوك الأولاد.
- التأكيد على أن الزواج سنة ﷲ في خلقـه، وهو من سنن الإسلام، ولا يمكن أن يحل نظام بديل عنه لتحقيق الإشباعات التي يحققها الزواج.
- الرقابة على سلوك الأبناء من الجنسين في المراحل العمرية المختلفة، ومتابعة سلوكهم وسط أقرانهم.
- تقديم نماذج زواجية يقتدي بها النشء، كالنبي – صلى الله عليه وسلم- وأم المؤمنين خديجة وغيرها.
- تجنب تعريض الأبناء للمشكلات الأسرية، أو المشادات الكلامية التي تحدث بين الوالدين.
- إيجاد البديل عن القنوات المدمرة، وشغل فراغ الشباب ببرامج تجمع بين المتعة والفائدة.
- التوعية بالأخطار والأمراض التي تحيط بالفرد من جراء تفريغ الطاقة الجسدية في غير مسارها الطبيعي بالزواج.
- التوعية الدينية والتربية المجتمعية التي تشجع الشباب على الزواج، والتصدي للفكر الغربي وموجات الانحلال التي يطلقها أعداء الإسلام لإلهاء الشباب وتدمير الأسر.
- معالجة مشاكل الفقر والبطالة اقتصاديًّا، وتوعية الشباب من الناحية الفكرية.
- قيام المؤسسات التربوية ببث روح المسؤولية والتفاؤل والأمل في الأوساط الشبابية وحثهم على العمل وتغيير من أنماط تفكيرهم السلبية.
- للأسرة الدور الأساسي في حماية نفسها من الدمار الذي يحيق بها من العزوف عن الزواج؛ فدورها يأتي بدور الآباء والأمهات في تيسير الزواج وخفض المهور وتقليل الطلبات قدر الإمكان وإقناع البنات بضرورة تحمل المسؤولية والصبر مع زوجها من أجل أسرة هادئة تنعم بالسعادة والمحبة.
المصادر
- محمد محمد بيومي خليل: العزوف عن الزواج مشكلة للدراسة، ورقة بحثية مقدمة إلى رابطة العالم الإسلامي (مؤتمر مكة المكرمة العاشر)، صفر 1430هـ/ نوفمبر 2009م، صـ 53- 56.
- نجلاء إسماعيل أحمد: قضايا إعلامية وثقافية، دار المعتز للنشر والتوزيع، 2017م، صـ 107- 134 بتصرف.
- محمود عبد السلام علي: الإعلام الثقافي: دار المعتز للنشر والتوزيع , 2018م، صـ 190- 195.
- عبد الرزاق قناوي: الزواج ومشكلاته في مصر والدول العربية: دار الجمهورية للصحافة، 2010م، صـ 80.