يحظى العام الأول من عمر الطفل بأهمية كبيرة من الوالدين، من حيث التربية والرعاية، بهدف إخراج أفراد نافعين لدينهم وأنفسهم وأهليهم ووطنهم، لكن الغريب أنه منذ اللحظة الأولى لولادة الصغير يعتمد كثير من الآباء والأمهات على موروثاتهما التربوية التي نشأوا عليها، بل قد لا يعترفون أصلًا بأن تربية الأبناء علم يحتاج إلى التوقف عنده.
وهناك البعض مَن يلجأ إلى كبار السن بأسئلة عن كيفية التّصرف في المواقف التربوية، وبالطبع فإن الوضع الأمثل هو الاطلاع والقراءة في هذه المرحلة المُهمة من حياة الطفل، لمعرفة طرق ووسائل التربية الصحيحة، ومن الممكن- أيضًا- حضور مؤتمرات أو ندوات أو لقاءات تعريفية بالوسائل التي يجب اتباعها في تربية الأبناء والمخاطر التي يتعرضون لها والمشكلات التي تواجههم والحلول المثلى لفهم نفسياتهم ومحاولة توجيهها في الطريق السليم.
أخطاء تربوية في العام الأول من عمر الطفل
الطفل في اللغة هو المولود حتى البلوغ، والطفولة هي مرحلة من الميلاد إلى البلوغ، والطفولة اصطلاحًا هي المرحلة الزمنية من عمر الطفل التي تمتد منذ ولادته حتى بلوغه، وتُعدّ أولى مراحل حياة الإنسان بعد ولادته، وهي مرحلة النشأة البدنية وتكوين الشخصية، غير أنها مختلفة الحدود النهائية لمرحلتها، فلا اتفاق يؤطر نهايتها بشكل واضح(1).
ولقد جعل الله- عز وجل- الزّواج بين الذكر والأنثى من أجل وظائف ومهام عدة كتبها الله على مخلوقاته وميز بها الإنسان، ومنها السكن والمودة والتكاثر، وحثّ النبي الكريم- صلوات الله عليه- أمته بقوله: “تزوجوا فإِنَّي مُكاثِرٌ بكم الأُمَمَ ، ولَا تكونوا كرهبانِيَّةِ النصارى” (صحيح)، ولذا فكل أب وأم يرغبان في الذرية ويسعيان لحسن تربيتهم.
وبلا شك هناك دائمًا مساحة للأخطاء، ولكن عندما يتعلق الأمر بالتربية، فإن المخاطر تكون كبيرة جدًا، فالأشياء الخاطئة التي نقوم بها أو نقولها يمكن أن تأتي بنتائج عكسية في حياة الأبناء، فيجب أن ندرك أن أطفالنا لا يأتون مع كتيب تعليمات يحتوي على ما يجب وما لا يجب فعله، ومن ثم عادة ما يعتمد معظم الآباء والأمهات الجدد على غرائزهم في تربية أبنائهم ولذلك من الطبيعي أن يخطئوا أحيانًا، وبخاصة مع تجارب الأمومة والأبوة الأولى، ومن هذه الأخطاء:
- اتركه يبكي- لا تحمله- سيعتاد الحمل: الطفل في سنته الأولى بعدما خرج من مكانه الآمن إلى عالم جديد دائمًا ما يشعر بالخوف من كل ما يحيط به، ولا يستطيع أن يعبر عن ذلك إلا بالبكاء، وهو أمر قد يستغله في جذب والديه أو المحيطين به، فيسارع الجميع بحمله وتلبية طلباته، وهو من الأمور الخاطئة. اتركه يبكي قليلًا وحينما لا يجد من يلبي طلبه سيصمت وينشغل بلعبه، إلا أن يكون أمرًا مهمًا به، مثل كونه غير مرتاح في النوم أو الإضاءة عالية، أو يعاني ألمًا أو جائعًا، أو خائفًا.
- التعدي البدني والصراخ في وجهه: وهي من الأمور الخاطئة في السنة الأولى كونه كسر شيئًا أو عرض نفسه لخطر ما، فيسارع الوالدان بضربه أو الصراخ في وجهه دون أن يدركا أنه لا يفهم شيئًا ولا يعرف ما الذي فعله وهل هو خطأ، فيجب رعايته وغمره بالحنان في سنته الأولى مع تدريبه على الخطأ والصواب بالحسنى.
- المساعدة المفرطة: يبدأ الطفل من عامه الأول استكشاف عالمه الجديد، ويمتلك طاقة كبيرة في اللعب واستكشاف كل ما حوله، حتى ولو كانت أمورًا قد تعرضه لبعض الخطر، وهو ما يجعل الوالدان يحيطانه بسوار من جدار شديد من الحماية والمساعدة (وهو أمر مطلوب) لكن ليس دائمًا، خصوصًا إذا بدأ الحبو والمشي والاعتماد على النفس سواء في الأكل أو غيرها (وهي أمور فطرية في الطفل) لكن الخطأ أن يعمد الوالدان لمساعدته في كل شيء، في إطعامه، أو في بداية حبوه تجدهم يساعدونه، أو الوقوف، لكن نقول لهم اتركوا الطفل يعتمد على نفسه مع مراقبته حتى لا يتعرض لخطر، واتركوه يقوم ببعض الأمور بنفسه.
- لا تتركوه وحيدًا: طبيعي أن ينشغل الأب بعمله وتنشغل الأم بشؤون بيتها، وقد يظنان أن الطفل سينمو وحده، ولا ضرر لو ترك وحيدًا، لكنه أمر خطأ حيث يحتاج الطفل لمصدر أمان حوله، ويحتاج لعناق ولعب والده، وحنان أمه خاصة في عامه الأول، حيث أثبت العلماء أهمية العناق للصحة (للصحة الأخلاقية والبدنية)، ورغم ذلك لا يفعل الآباء ذلك لأسباب مختلفة ومعظمها مغالطات أو أفكار قديمة.
- عدم قبول بعض تصرفات الطفل: فمن الخطأ أن الوالدين قد لا يقبلان بعض تصرفات طفلهما كأن يرفض النوم في وقت يريد الأبوان الراحة فيه، أو يحتاج أمه ويتعلق بها في وقت هى مشغولة، أو يهاجم والده مداعبًا وهو نائم، ما يدفع الوالدان للغضب والضيق وعدم إدراك أن هذا مخلوق ضعيف لا يعي ما يحتاجه الوالدين، فقط يبحث عما يرغبه وفق سنه.
- الأسلوب التربوي المتناقض: فعلى الرغم أن الطفل في سنته الأولى سريع النسيان، لكن لا يجب أن تكون التربية متناقضة بين الأب والأم مثلا، فالأم تربّيه على شيء ويأتي الأب ليربيه على النقيض، أو يحاول الأب غرس بعض الأمور فيه من صغره فتقوم الأم بفعل ما يناقض ذلك فينشأ الطفل على التناقض في الأمور ولا يدرك الصواب من الخطأ.
- أكثر الأخطاء التربوية شيوعا هو عدم وعينا بأن التربية عملية تهذيب مستمر، تبدأ منذ اللحظة الأولى لميلاد الطفل، وتستمر طوال عمره(2).
سقطات تربوية في العام الأول من عمر الطفل
طبيعة الإنسان أنه لا يقدم على تجربة شيء جديد حتى يستشير أصحاب الخبرة، أو يقرأ ليعرف الكثير عما هو مقدم عليه، أو الحصول على دورات أو الاستماع لمحاضرات، وهى أمور قد يكون الخطأ فيها قابل للتعويض.
لكننا نجد بعض أولياء الأمور يقدمون على التجربة فيما هو أهم في حياتهم، ألا وهو تربية أطفالهم، حيث يعتمدون التجربة فيهم، والخضوع لمعايير النجاح والفشل، وهو أمر جد خطير، حيث إن تربية الأبناء من أهم مقومات الحياة للوالدين التي يجب أن يحسنا تعلم مهارة تربية الأبناء.
يقول الأستاذ يحيى البوليني: ولعل أكثر الأبناء تضررًا في العملية التربوية هو الابن الأول الذي يولد فيجد أبوين لم يمارسا العملية التربوية لأبناء من قبل، فيتعامل كل منهما بحسب ما ورث وما رأى من ممارسات في حياته مع والديه وبحسب ما تمليه ثقافة الأبوين التربوية.
ووُجد أن مشكلات شخصية مثل التردد وعدم القدرة على أخذ قرار حاسم والانطواء والعصبية الزائدة وضعف الثقة بالنفس توجد بنسبة عالية في الابن الأول بنسب أكبر من باقي الأبناء، ويعود ذلك ربما للعديد من العوامل كالتناقض في التربية بين الأب والأم، فكلاهما يجرب ما لديه في ابنه الأول، أو ما توارثه من تربية ممن سبقوه، وينسى الأبوان أن هناك فارقا بين الأهداف التربوية وبين الأدوات ووسائل التأثير والتوجيه. فالأهداف والمبادئ التربوية ثابتة لا تتغير، والتغير فقط هو الوسائل التي تختلف من مكان لآخر أو زمان لآخر.
لذا، يجب أن يتفهم الأبوان خطورة الأخطاء التربوية في العام الأول من عمر الطفل “البكري”، وأن تربية الأبناء علم يحتاج إلى الدراسة والتثقيف، ويجب أن لا تخضع للتعلم بالمحاولة والخطأ(3).
سبل نجاح التربية في أول عام للطفل
ويمكن للأبوين تحقيق النجاح في التربية خلال العام الأول من عمر الطفل الرضيع، إذ تقول آية خيري: “قد تعتقد الكثير من الأمهات أن الطفل في عمر السنة لا زال صغيرًا، ولا يعرف الصواب والخطأ، وليست هناك فائدة من توجيهه في هذا السن، ولكن هذا الاعتقاد خاطئ تمامًا عزيزتي الأم، فالطفل يبدأ في فهم الأشياء من سن صغيرة، ومن المهم وضع قواعد معينة لسلامته أولًا وتشكيل شخصيته ثانيا”(4).
ولنجاح التربية في السنة الأولى يجب القيام ببعض الأمور مع الطفل، منها:
- اللعب معه وحسن مراقبته وتوجيهه؛ حيث تنمو المهارات الاستكشافية للطفل في هذا السن بشكل كبير،
- إعطاء الطفل أشياء لوضعها داخل صناديق وإخراجها لتنمية مهارات التنسيق بين العين واليد.
- الوقوف على سبب بكاء الطفل، فقد يكون بسبب الجوع أو القلق أو الملل وليس شرطًا أن يكون دلعًا أو دلالًا.
- من الممكن مساعدة الطفل على المشي إذا كان يبدو مستعدًا لذلك، عن طريق وضع ألعابه وبعض الأهداف بعيدًا عنه، وتشجيعه على التحرك نحوها حتى ولو بالاعتماد على الأثاث أو الحوائط.
- التحدث مع الطفل بالكلمات بشكل صحيح، وقراءة القصص له حيث تعد هذه الفكرة من أهم طرق تعليم الطفل الكلام.
- مراقبة الأُمور التي يفعلها الطفل والحديث عنها معه، مع اللعب المستمر معه وتحويل الأسئلة البسيطة إلى ألعاب.
- الربط بين الأصوات التي يجري سماعها وأسماء الأشياء، مثل صوت السيارة أو الكلب أو غيرها.
- يجب ألا يجد طفلك اختلافًا بين تصرفات الأب والأم، فمثلًا يجب ألا يرفض أحد الوالدين تسلق الطفل على الكرسي والآخر يوافق!
- معاونة الطفل على النوم ليلًا أكثر مما ينامه بالنهار؛ حتى يدرك حقيقة الليل للراحة والنهار للعمل والدراسة، ولا يصبح كائنًا ليليًا.
- لكي يرتبط الطفل بوالده- أيضًا- على الأم ترك مساحة للوالد مع طفله ليتعود على الأشخاص الآخرين غير الأم.
- على الوالدين ترك طفلهما للاعتماد على نفسه مع مراقبته، حتى لا يعرض نفسه للخطر أو الأذى.
- العناية بتعليم الطفل في هذا الوقت وما بعد الكلام الصحيح والحركة واللعب والتعبير عن المشاعر والحديث معه كثيرا(5).
إن فترة العام الأول من عمر الطفل تستحق الاجتهاد من الوالدين في اتباع الوسائل والطرق التربوية لتنشئة الصغير تنشئة سليمة واعية، تبدأ منذ اللحظة الأولى للميلاد وتستمر طوال العمر، فتخرج أجيال قادرة على تحقيق النجاح في جميع المجالات، وتتقدم الأمة بهم ويعم السلام.
المصادر والمراجع:
- محمد عدنان القماز: ، 30 مارس 2022.
- ندى القصبي: ، 19 فبراير 2017.
- يحيى البوليني: ، 25 رجب 1433هـ.
- آية خيري: ، 5 مايو 2021.
- سارة أحمد السعدني السعدني: ، 31 يوليو 2020.