يشتكي كثير من الآباء والأمهات من مشكلة الطفل الانطوائي الذي يُفضّل الانسحاب إلى عالمه الداخلي، والاستمتاع بالأنشطة الفردية أكثر من الجماعية، والميل إلى القراءة والتفكير العميق، على عكس الأطفال الاجتماعيين الذين يُفضّلون الجلوس مع غيرهم.
ومُشكلة الانطواء عند الأطفال، لها أسباب عديدة، أبرزها الوراثة، والخجل، والتجارب السلبية السابقة مثل التنمر أو الفشل في المواقف الاجتماعية، بالإضافة إلى الاختلافات الشخصية، وكل ذلك يتطلب وضع استراتيجية تربوية للتعامل مع هذه الشخصية وقبولها، حيث لا بُد من بناء الثقة والاحترام المتبادل، والتواصل المفتوح، والأنشطة الفردية والاجتماعية التدريجية، والتعاون، والابتعاد عن المقارنات، وغيرها من الأساليب التربوية.
أسباب مشكلة الطفل الانطوائي
ومشكلة الطفل الانطوائي لها أسباب عديدة، نذكر منها ما يلي:
- أسباب فسيولوجية: وتنقسم إلى خاصة بالتغيرات الفسيولوجية التي تظهر على الجسم في مرحلة النضج، أو ناتجة عن العوامل الوراثية.
- عوامل جسمية: فإذا كان الطفل يُعاني من مرض ما أو إعاقة بدنية، أو لديه مشكلة في النطق، فقد يؤثر ذلك عليه سلبًا ويسبب له الاحراج الشديد، ما يجعله يلجأ إلى العزلة ويُفضّل الجلوس وحده حتى لا يتعرض إلى أي نقد.
- عوامل أسرية وتربوية: وهي من أهم وأكثر الأسباب التي تُسبّب الانطوائية عند الأطفال، وتختلف العوامل الأسرية من أسرة لأخرى، لكنها في النهاية قد تكسب الطفل سمات سلبية، وتسبب له بعض الاضطرابات النفسية.
- خوف الطفل وخجله من الخطأ: سواء في سلوكه أو كلامه، لذلك يتجنّب دائمًا المشاركة برأيه، ويرفض التجاوب في مدرسته أو مع أساتذته وأصدقائه خوفا من الخطأ والتوبيخ.
- أسباب مجتمعية: فالمجتمع الذي يتيح للطفل فُرَصا للتفاعل المجتمعي مع أقرانه، بل ومع مَن هم أكبر منه سنًّا، هو مجتمع يشعر من خلاله الطفل بمتنفّس يستطيع عن طريقه التفاعل جيّدًا، أما حين يشعر الطفل بالتهميش وسط المجتمع الذي يعيش فيه، يفقده ذلك الشعور بالأمان، ويفضل العزلة والانطواء هربا من العقاب أو التجاهل.
- أسباب أسرية تربوية: وهي التي تستحوذ على نصيب الأسد من الأسباب؛ فالأسرة هي البيئة المجتمعية الأولى التي يتفاعل فيها الطفل، وفيها يكتسب الثقافة ويعيش فيه، ويتعلم من خلالها طرق التعبير عن نفسه، ويبني فيها اللبنات اللغوية الأولى والخبرات المجتمعية التي تتيح له دخول المجتمع والتفاعل معه، لكن هناك بعض الظواهر الأسرية التي تمنع وجود ذلك النوع من التوافق، حيث يظهر الخلل في العلاقات الأسرية، فيسود العراك والمشاحنات بدلا من الود والتراحم.
- التأثيرات البيئية: وهي تلعب دورًا مهمًّا في زيادة الانطوائية لدى الأطفال، فالطفل الذي ينشأ في بيئة هادئة ولا يختلط بالآخرين أكثر عرضة للانطوائية، بل يمكن أن تلعب تجارب الطفولة المؤثرة مثل التنمر أو العزلة دورًا في تطوير سلوك الانطوائية.
- الحرمان: فالأطفال الذين يُعانون من حرمان في المأكل والمشرب والملبس ومكان النوم المناسب، وغيرها من الحاجات الأساسية، يفضلون العزلة وتجنب الآخرين، وكذلك الذين يتعرضون للحرمان العاطفي من خلال غياب الحب والحنان والتعامل الرحيم مع الأبناء.
- التدليل الزائد: وذلك من الوالدين للأطفال وعدم إعطائهم زمام الأمور على الرغم من قدرتهم على ذلك، وعدم محاسبة الطفل على الأفعال السيئة، كلها أمور تجعل الطفل يشعر بالخجل خارج المنزل، والرغبة في الانطواء.
- النقد المستمر: فالتعرض المتكرر لمواقف النقد والقسوة من طرف الوالدين ينتج طفلا خجولا منطويا.
أعراض مشكلة الطفل الانطوائي
وقد يُساور بعض الآباء والمربّين الشكوك حول طبيعة الطفل الانطوائي والأعراض التي تؤكد إصابته بهذه المشكلة من عدمها، ومن أهم العلامات السّلوكية التي تُشير إلى العزلة والانطواء ما يلي:
- الحساسية الشديدة من النقد أو التوبيخ من الكبار على وجه الخصوص.
- الاعتماد التام على الاحتكاك ببيئة مُغلقة مقتصرة على الوالدين فقط.
- عدم الإفصاح عن المشاعر الدفينة والأحاسيس، بل السعي إلى الصمت والهروب إلى العزلة.
- الابتعاد عن الأنشطة التي تحتاج إلى الاندماج مع الآخرين والظهور أمام المجتمع.
- الارتباط بشبكة محدودة من الأصدقاء وعدم السعي لتكوين أي صداقات جديدة.
- اختيار الأنشطة الفردية مثل الرسم والقراءة، وعدم الاندماج في الأنشطة الاجتماعية.
- عدم الاندماج بسهولة مع المجموعة في اللعب.
- الاستسلام للكلمات والألفاظ السلبية التي يسمعها من الأهل أو الأصدقاء.
- المعاناة من الخجل والخشية من إبداء الرأي وطرح الأسئلة المناسبة أو الاسترسال في الكلام خوفًا من التورط في علاقات جديدة.
- يلاحظ أولًا ويتصرف لاحقًا وهو بشكل عام، يفضل مشاهدة الألعاب أو الأنشطة قبل المشاركة، وأحيانًا يظهر مترددًا وحذرًا، ويبتعد عن التجمعات، ويتجنب مواقف المواجهة، في حين أنه يكون أكثر نشاطًا وتحدثًا في المنزل لشعوره براحة أكبر.
- يتخذ القرارات بناءً على قيمه الخاصة، حيث يتخذ قراراته وفقًا لمعاييره الخاصة، ولا يتبع الحشد، وهذه الصفة من السمات الإيجابية للشخصية الانطوائية.
- يتحدث قليلًا ويستمع أكثر، وفي العموم فهو مستمع جيد، وينتبه ويتذكر جيدًا ما يقوله الآخرون، ويتحدث بهدوء، ويتوقف أحيانًا للبحث عن الكلمات.
- الإفراط في مشاهدة التلفاز أو الألعاب الإلكترونية.
- ضعف في التحصيل الدراسي.
- عدم القدرة على التحدث بطلاقة أمام الناس.
- قضاء معظم الوقت في غرفته الخاصة.
- عادةً ما يسأل أسئلة عميقة تبدو أكبر من عمره، لأنه يريد أن يعرف سبب وجود كل شيء، ولماذا تحدث الأشياء.
طرق للعلاج
وبعد أن تعرفنا على أسباب مشكلة الطفل الانطوائي وعلاماتها وأعراضها، فإن هناك مجموعة وسائل للعلاج أبرزها ما يلي:
- معرفة سبب الانطواء: لأنه بمعرفة السبب يكون من السهل إيجاد العلاج، فإذا كان السبب بدني أو جسمي، يجب معالجة الطفل، أما في حالة صعوبة علاج المرض أو الإعاقة لدى الطفل، يجب الاهتمام بالجانب النفسي ومعاملته على أن هذا المرض لم يكن عائقا في إكمال حياته وتواصله مع الآخرين.
- تقليل فترات جلوس الطفل على الإنترنت: إذ لا بد من تحديد وقت معين له، ومشاركة الطفل بعض الألعاب في حالة وجوده بمفرده.
- تشجيع الطفل على العمل الجماعي: وحثه على المساعدة في البيت.
- احترام ميول الطفل ورغباته: وخصوصا الرياضية لأنها ستساعده على التواصل مع الآخرين جيدًّا.
- مساعدة الطفل في تكوين صداقات وعلاقات جديدة: ولا بد من مساعدته في تعلم بعض الأنشطة الجماعية الجديدة وتدريبه على المهارات المختلفة.
- عدم تعزيز الخجل عند الطفل: وذلك عن طريق عدم تكرار كلمة انطوائي وخجول أمامه وفي التجمعات العائلية، وعدم تكرار الكلمات السلبية على مسامعه.
- المراقبة قبل التدخل لحل المشكلة: إذ لا بد من قضاء وقت في ملاحظة وفَهم كيفية تواصل الطفل مع مجتمعه، والانتباه إذا كان يتصرف مع الآخرين بطريقة مختلفة عن سلوكه في المنزل، أو يواجه صعوبة في بدء حوار، أو يخاف من التجمعات الكبيرة، أو يتصرف بعدوانية مع الآخرين، ثم تحديد المشكلة بناء على السلوك الذي نلاحظه.
- التدريب على المواقف اليومية: حيث يفتقد بعض الأطفال مهارات اجتماعية تدعم بناء الصداقات، مثل فتح حوار، أو ترديد التحية والوداع، أو الانتباه لمشاعر الآخرين، أو الاستئذان قبل اللعب بألعاب الآخرين، أو الاعتذار، وجميعها مهارات يجب تعلمها في المنزل.
- ميزة الحضور أولا: فمن الممكن التدريب على منح الطفل أسبقية الحضور إذا كان يخشى التجمعات أو يعاني قلقا من الفشل أمام الآخرين، حيث يمكن اصطحاب الطفل إلى مدرسته قبل أن تبدأ، وتعريفه بالمدرسين الجدد لفصله، واللعب معه بالأنشطة المتاحة في المدرسة.
- خلق بيئة آمنة ومتفهمة: ويحتاج الأطفال الانطوائيون في كثير من الأحيان إلى وقت بمفردهم لإعادة شحن أفكارهم وعواطفهم ومعالجتها، ومن المهم احترام حاجتهم إلى العزلة وتزويدهم بمساحة هادئة حيث يمكنهم التراجع عندما يشعرون بالإرهاق.
- تشجيع الهوايات والاهتمامات: فغالبًا ما يتمتع الأطفال الانطوائيون بعالم داخلي غني وقد يجدون العزاء والرضا في ممارسة الهوايات والاهتمامات، فلا بد من تشجيع الطفل على استكشاف شغفه وتوفير الفرص له للمشاركة في الأنشطة التي تتوافق مع اهتماماته.
- تعزيز التفاعلات الفردية: من خلال تكوين اتصالات عميقة وذات معنى مع عدد قليل من الأصدقاء المقربين أو أفراد الأسرة، والتخطيط لمواعيد لعب أو نزهات تسمح للطفل بالتفاعل في بيئة مريحة وحميمية.
- توفير فرص للتأمل والتعبير عن الذات: عن طريق كتابة اليوميات أو الانخراط في اللعب الخيالي.
- التعرض التدريجي للمواقف الاجتماعية: فمن الممكن البدء بالبيئات الصغيرة الخاضعة للرقابة، مثل التجمعات العائلية أو الأنشطة الجماعية الصغيرة، ثم زيادة تعرض الطفل تدريجيًّا إلى البيئات الاجتماعية الأكبر.
- توفير الوقت والمساحة: فقد يحتاج الطفل إلى وقتٍ أكثر للتفاعل مع الآخرين، فلا نضغط عليه أو نجبره على المشاركة في الأنشطة الاجتماعية، ويجب احترام مساحته الشخصية وإعطائه الوقت المناسب ليساعده على الشعور بالراحة والاستجابة بشكل أفضل.
إنّ الطفل الانطوائي يرغب في العزلة ويتجنب الاختلاط مع الآخرين، لذا لا بد من الصبر في التعامل معه، وعدم الضغط عليه للتفاعل اجتماعيًّا، واختيار الأنشطة التي تُبرز نقاط قوته، ومدحه على أي محاولة للتفاعل الاجتماعي، وإذا كانت حالته لا تستجيب باتباع الأساليب السابقة فمن المهم استشارة طبيب نفساني للأطفال.
مصادر ومراجع:
- زهراء أحمد: 6 طرق لمساعدة طفلك الانطوائي على إقامة صداقات قوية.
- معتز شاهين: انطواء طفلك.. بيدك أنت!
- موقع فلذاتنا: كيف نتعامل مع الطفل الانطوائي بطرق سليمة؟
- لينا الحوراني: كيف نفرق بين الطفل الانطوائي والقلق اجتماعياً؟
- موقع النجاح: صفات الطفل الانطوائي وكيفية التعامل معه.