يرى باحثون أنّ الأحداث لا تُسبّب الضغوط النفسية بطبيعتها، وأنها ليست بالضرورة ضاغطة على الجميع، أو ضاغطة ولكن بدرجاتٍ متفاوتة، ويعتمد ذلك على كيفية تقديرها وإدراكها، وعلى كل الأحوال، فإنه من الضروري التهيؤ لها، وتعلّم الطُّرق والأساليب لتقبلها والتعامل معها بحكمة، حيث لا مفرٌّ من مرور الإنسان بأزماتٍ ومشكلات لا يستطيع ردها أو حجبها.
محددات الضغوط النفسية
يعتمد كون الحدث ضاغطًا أو لا، على التفاعل بين خصائص الحدث وخصائص الفرد بما في ذلك عملية الإدراك أو التقدير، وفيما يلى عدد من المحددات التي تتسبب في الضغوط النفسية:
1- الأحداثُ السّلبية أكثر إثارة للضغوط من الإيجابية: فالعديد من الأحداث تنطوي على احتمال إثارة الضغط، لما تفرضه من زيادة في العمل أو ما تجلبه من مشكلات خاصة، حيث إن التسوق استعدادا للأعياد، والتجهيز لعمل حفلة، ومُواجهة ترقية غير متوقعة في العمل، والزواج كلها أحداث إيجابية تستهلك وقتا وطاقة بدرجة جوهرية، ورغم ذلك فإن ما تُثيره من الضغوط أقل مما تثيره الأحداث غير المرغوبة مثل: الحصول على مخالفة مرورية، أو محاولة الحصول على وظيفة أو الطلاق، أو وفاة أحد أعضاء الأسرة، وترتبط الأحداث السلبية بكل من الكرب النفسي والأعراض الفسيولوجية إذا ما قُورنت بالأحداث الإيجابية. كما أن للأحداث السلبية تأثيرات على مفهوم الذات وقد تُؤدي إلى انخفاض محتمل أو فعلي في تقدير الفرد لذاته وتعاظم الإحساس بفقدان السّيطرة أو الفاعلية، وتدهور في الشعور بالهوية.
2- الأحداث غير الخاضعة للتحكم أو القابلة للتنبؤ أكثر إثارة للضغوط النفسية من الأحداث الخاضعة للتحكم والقابلة للتنبؤ: فالأحداث السلبية مثل: الضوضاء، والزحام، والإزعاج، تبدو مثيرة للضغوط بطبيعتها. غير أن الأبحاث عن الضغوط النفسية أظهرت أن الأحداث التي لا تخضع للسيطرة تُدرك على أنها أكثر إثارة للضغوط من تلك التي يمكن السيطرة عليها، وعندما يشعر الأفراد أنه بإمكانهم تعديل أو إنهاء حدث مُنفّر أو التنبؤ به أو يشعرون أنّ لديهم من يستطيع التأثير فيه، فإنهم يدركونه باعتباره أقل إثارة للضغط، حتى لو لم يفعلوا شيئا حقيقيا تجاهه. فالضوضاء المفاجئة القوية تُدرَك على أنها أكثر إثارة للضغوط من تلك التي يُمكن التنبؤ بها. وفي ظل ظروف معينة يُؤدي الشعور بالسيطرة إلى خفض الشعور بالضغط على الأقل في بداية الأمر. وقد أشارت بعض الدراسات إلى أن القدرة على استباق الأحداث الضاغطة والشعور بإمكانية التحكم فيها، لا تقلل من إدراك الضغط فحسب، بل وتزيد القدرة على التوافق مع هذه الأحداث الضاغطة أيضا.
3- تُدرَك الأحداث الغامضة على أنها أكثر إثارة للمشقة من الأحداث الواضحة: وعندما يكون الحدث الضاغط غامضًا لا تكون لدى الفرد فُرصة لاتخاذ الفعل المناسب، وكل ما يفعله هو تكريس الطاقة في محاولة منه لفهم هذا الحدث الضاغط، وهو ما قد يستهلك الوقت ويستنزف الجهد. أما الضواغط الواضحة فهي تمنح الفرد فرصة الوصول إلى حلول أو تركيز الطاقة في مقاومتها ولا تتركه أسير مرحلة تحديد المشكلة، وترتبط القدرة على اتخاذ فعل إيجابي بدرجة منخفضة من المشقة وبدرجة أعلى من المواجهة ويمثل العمل مجالًا نموذجيًّا لقضية عدم الوضوح، ويتمثل ذلك في عدم وضوح متطلبات الدور وعدم وجود إرشادات واضحة للمهام المنوط بالفرد القيام بها، وغياب المعايير الواضحة أو وجود إرشادات أو تعليمات متناقضة، والاختلاف بين الرؤساء.
4- يشعر الأشخاص المحملون بأعباءٍ أكبر بالضغوط النفسية أكثر من الأشخاص ذوي المهام القليلة أو المحددة: لذلك يذكر الأشخاص الذين لديهم العديد من المهام في حياتهم مستوى أعلى من الضغوط مقارنة بأولئك الذين لديهم مهام قليلة، ويعد مجال العمل – أيضا، من المجالات التي تتضح فيها هذه المشكلة، حيث تتباين الأعمال فيما تفرضه من مهام وأدوار.
٥- مجالات الحياة الرئيسية تنطوي على درجة أعلى من الضغوط النفسية مقارنة بمجالات الحياة الجانبية: وذلك لأن مجالات الحياة الرئيسيّة هي المسئولة عن إثبات الذات والفاعلية، وقد أوضحت بعض الدراسات أن المرأة العاملة تعاني من درجة أعلى من الاكتئاب المرتبط بالضغوط النفسية، نتيجة إحساسها بالتقصير في حق أطفالها من جراء تعدد الأدوار التي تقوم بها، وشعورها الفطري العميق بأن مسؤوليتها الأولى هي رعاية بيتها وأطفالها.
6- هناك بعض الأنماط من الاستجابات الجسدية الحيوية لدى الأفراد ذوي الخصائص المعينة وهو ما يجعلهم يستجيبون بطريقة تعكس إحساسهم بالضغوط النفسية عند مواجهة بعض الأحداث مقارنة بغيرهم ممن لا توجد لديهم هذه الأنماط.
7- يظهر بعض الأفراد خصالا نفسية تُساعد على تكريس الإحساس بالضغوط النفسية، لذلك يكون تأثرهم بها أكبر من عموم الأفراد.
مخاطر الضغوط النفسية
بحوثٌ ودراسات عديدة قدّمت براهين على أن الضغوط النفسية تُؤثر في كل من الصحة الجسدية والنفسية بشكل مباشر بالتأثير في العمليات الفسيولوجية الداخلية، أو بشكل غير مباشر عبر أشكال السلوك المرتبط بالصحة، ومن ثمّ فإن الاستجابة للضغوط يُمكن التعبير عنها في صورة جسدية أو نفسية أو كليهما.
ويشير خبراء الصحة إلى أن العديد من الأمراض ترتبط بالضغوط، ويصنفونها على أنها أمراض مستحدثة. كما أشارت بحوث إلى أن الضغوط ترتبط بانخفاض القدرة على التركيز، ومن ثمّ التعرض للحوادث، بالإضافة إلى وجود علاقة بين الضغوط ومشكلات العمل مثل الغياب وترك العمل، ويمكن تصنيف مخاطر الضغوط إلى:
أ- الأمراض الجسدية والمشكلات المرتبطة بالضغوط النفسية:
تُشير البحوث إلى أن تعرّض الإنسان للضغوط المزمنة والحادة يُؤدي إلى مشكلات صحية جسدية تتمثل في: أمراض الجهاز الدوري، مثل: النوبات القلبية، وارتفاع ضغط الدم، واضطراب النبض والذبحات الصدرية، وأمراض الجهاز الهضمي، مثل: القُرَح، والإسهال، ومرض السكري، والأمراض التناسلية، مثل: اضطرابات ما قبل الحيض لدى النساء، وأمراض الصدر والتنفس، والأمراض الجلدية وأمراض العظام، وأمراض المسالك البولية وغيرها. وكذلك فإن الضغوط ترتبط بالأمراض الجسدية من خلال خفض قدرة الجسم على المقاومة والتأثير في جهاز المناعة، وقد تبيّن أن بعض الأمراض المرتبطة بالضغوط تكون قاتلة مثل السرطان، بينما يكون البعض الآخر أقل شدة.
ب- المشكلات النفسية والسلوكية المرتبطة بالضغوط النفسية:
رغم أن الاهتمام الذي أُعطى لعلاقة الضغوط النفسية بالمشكلات والاضطرابات النفسية أقل مما أُعطي للأمراض الجسدية فإن الأدلة قد توافرت على أن المشكلات النفسية والسلوكية المرتبطة بالضغوط لا تقل خطورة عن الأمراض الجسدية، ومنها على سبيل المثال، القلق والاكتئاب، والغضب، والعدوان، والقابلية للاستثارة، والإجهاد، والتوتر والإحساس بالملل، وفقدان التركيز واضطراب التذكر، والإحساس بالإحباط وغيرها كثير.
ج- المشكلات المرتبطة بالعمل:
تشير البحوث إلى أن تعرض الإنسان للضغوط المزمنة والحادة يؤدي إلى مشكلات في العمل، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر من جرّاء الإصابة بالأمراض الجسدية والاضطرابات النفسية، وهو ما يجعل الأشخاص غير المتوافقين مع بيئة العمل يعانون من العديد من المشكلات أو يتسببون فيها، ومنها على سبيل المثال: الغياب المتكرر، والتسبب في الحوادث، وانخفاض الإنتاجية، وتدهور العلاقات مع الزملاء، وهو ما يُؤدي في النهاية إلى فاقد ضخم في الناتج القومي.
د- المشكلات والانحرافات الاجتماعية:
لا تقتصر مخاطر الضغوط النفسية على المظاهر السابقة، وإنما تمتد لتطول العلاقات الاجتماعية، ويُمكن استخدام متغيّر الضغوط لتفسير الكثير من الظواهر الاجتماعية، مثل: الطلاق، والانفصال، وزيادة عدد القضايا أمام المحاكم، والمشاجرات بين الجيران، وربما حتى الإساءة إلى الأطفال والعنف ضد النساء، وتعاطي المخدرات، وانتشار الجرائم المختلفة.
كيف نتخلص من الضغوط؟
وفي ظل انغماس الفرد في الضغوط النفسية والأزمات، لا يرى ولا يفكر إلا في كيفية التخلص منها، ، ويمكن ذلك بوسائل عديدة يختلف تطبيقها من شخص لآخر، منها:
• تقييم مصدر القلق، سواء كان يتعلق بالأسرة أو العمل أو المال، ثمّ العمل على تغيير الظروف لتخفيف الضغط.
• الحرص على أن يكون نمط الحياة صحيا، بالطعام والشراب والنوم الجيد والرياضة، وتجنب كل ما يسبب أرقًا وعناءً.
• التخلص من القلق على المستقبل، والانتهاء عن مقارنة النفس بالآخرين.
• التركيز على شيء خارج المشكلة، أو التحدث إلى شخص نحبه.
المصادر
1- جمعة سيد يوسف: التوافق النفسي.
2- جمعة سيد سيف: إدارة الضغوط النفسية.
3- حامد عبد السلام زهران: الصحة النفسية والعلاج النفسي.
4- عبد الرحمن بن أحمد: ضغوط العمل: مصادرها ونتائجها وكيفية إدارتها.
5- عبد الرحمن سليمان الطريري: الضغط النفسي، مفهومه، تشخيصه، طرق علاجه ومقاومته.
6- مصطفى محمود: علم نفس قرآني جديد.