إنّ الدعوة في المدارس باب من أبواب إخراج جيل صالح من الطلاب الذين يسعون إلى إرضاء الله – تبارك وتعالى- وتطبيق سُنّة النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم-، ذلك لأن المدارِس تعد حقلا تربويا خصبا وساحة لغرس القيم في نفوس الأطفال مُنذ نعومة أظافرهم، وأداة لتشكيل سلوكياتهم إن أحسن المعلم الغرس والتربية.
والمدارس ليست دور تعليم فحسب، لكنها في المقام الأول دور تربية، سيما مع انحسار دور المساجد في كثير من البلدان، وهو ما يُلقي بالتبعية على المعلمين أن يكونوا قدوة صالحة، حيث إنهم الأيدي التي تتشكل عليها صلصال قلوب هؤلاء الطلاب، ويظل أثره مع الزمن.
الدعوة في المدارس
لا يقل دور المدرسة التربوي عن التعليمي، لأنه لا فائدة من تخريج أجيال متعلمة بلا وعيٍ أو أخلاقٍ أو مهارات تمكنها من استغلال هذا العلم.
ويكاد ينحصر دور المدرسة حاليًّا في المادة العلمية التي تعلمها للطلبة لكي يصبح منهم الطبيب والمهندس وغيرهما، وتكاد تنعدم مهمتها التربوية التي تجعل من هذا الطبيب ذو أخلاق، ومن هذا المهندس ذو أمانه، وهو خلل يقضي على منظومة التربية والتعليم في المدارس.
إذن، فإن الدعوة في المدارس وسيلة مهمة للتربية وغرس الأخلاق، لا تقل أهمية عن دور الوالدين في البيوت، ولا الدعاة في المساجد لكونها تقوم بصهر العلم بالتربية وتقديمه للطلاب في صورة محببة (1).
الدعوة في المدارس مهمة المعلم
وعلى كل معلم أن يُدرك ما وَهَبَه الله من صفاتٍ جليلة لتربية وتعليم الأجيال، كما عليه إدراك أن الدعوة في المدارس تهدف إلى إخراج جيل صالح من الطلاب يسعى إلى إرضاء ربه وتطبيق شرعه، وحمل لواء الدعوة إلى الله تعالى في كل مكان وفي أي زمان، وإلى حماية الأوطان والحفاظ على الإنسانية.
وللمعلم فضل عظيم ومكانة كبيرة أكدها النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم- بقوله:”إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير” (رواه الترمذي).
وقال الفضيل بن عياض: “عالم عامل معلم يدعى كبيرًا في ملكوت السموات”.
فأهمية المعلم تعود كونه يبني شخصية، وينمي عقلًا، ويهدي – بإذن الله تعالى- قلبًا، وتصوغه ليكون صالحًا في كل ميدان.
والمعلم له أهمية في تربية الأجيال وبث روح الحافز والتطور لديهم، ويعمل على بث روح الثقة في طلابه، وترتقي بتعليمه وتربيته الأوطان (2).
آلية العمل الدعوي في المدارس
يقضي الطالب في المدرسة وقتًا كبيرًا يتعلم فيه الكثير من العلوم، بالإضافة إلى القيم والأخلاق الإسلامية التي يحرص الإسلام على غرسها في أبنائه، لذا فإن الدعوة في المدارس من أهم الميادين لغرس الأخلاق والتربية، كما أنّ المعلم بمثابة الداعية الذي يشكل طلابه وَفق معتقداته إن كانت خيرًا فخيرًا وإن كانت غير ذلك فيتأثر الطلبة بها، لذا لا بُد من مراقبة سلوكيات المعلم.
والمعلم التربوي لديه الكثير من الوسائل التي يستطيع أن يربي بها الطلاب، ومنها:
- التركيز في شرح الدرس على المواقف العملية المرتبطة بالسلوك الأخلاقي الإيجابي.
- القيام بنشاط داخل الفصل يدفع الطلاب إلى التنافس في التحلي بالأخلاق أو قراءة كتاب تربوي به كثير من المواقف التربوية، أو مسابقة بين الطلاب يكون فيها التنافس شريفا.
- إقامة بعض الحفلات واللقاءات التي يدعى لها بعض التربويين والدعاة الذين يكون لهم تأثير في تغيير سلوكيات الطلاب.
- استغلال اللوحات الوعظية والإرشادية المنوعة الموجزة عند مدخل المدرسة.
- إقامة علاقات مودة لكسب قلوب الطلاب والطالبات وإشعارهم بأهميتهم وحل مشكلاتهم والقرب منهم (3).
معوقات العمل الدعوي في المدارس
وتُواجه الدعوة في المدارس مُعوقات تتلخص في التنافس على درجات الجودة والتحصيل الدراسي، حتى وصل الحال بمدير مدرسة أن قال لولى أمر يشكو له انحراف ابنه: “إن دور المدرسة تعليمي بتخريج طالب متفوق وإلحاقه بكليات القمة، أما التربية فهى دور الأسرة وليس المدرسة”، وهذا فهم خاطئ لدور المدرسة والمعلم، ومن أسباب خروج المدارس عن منهجها التربوي:
- مُحاربة كل ما هو إسلامي، والعمل على تغييره تحت مسمى تطوير المنظومة التعليمية.
- مُلاحقة المعلمين الدعاة سواء بفصلهم من التدريس أو تغييبهم خلف السجون أو إلحاقهم بوظائف إدارية.
- ضعف التخطيط الدعوي داخل المدرسة، حيث تنصرف جهودها إلى المباني وتنفيذ قرارات الوزير دون وضع تخطيط دعوي لتربية الطلاب.
- انعدام التحفيز والتشجيع في العمل الدعوي لدى المعلمين والطلاب على حضور الأعمال الدعوية التي يسعى البعض لتهميشها في مقابل الحفلات الغنائية.
- سوء اختيار الأوقات في تنفيذ الأنشطة التي في الغالب تكون غير مناسبة للطلاب.
- انعدام مبدأ المتابعة والمحاسبة بحيث يقف المعلم الداعية على تقييم نشاطه ومدى تأثيره والمعوقات التي توجهه ووضع أفضل السبل للتغلب عليه، مع وضع أفضل الطرق للوصول بدعوته إلى جموع الطلبة.
- الدعوة النظرية التي يكثر فيها الكلام ويعتمد فيها المُعلّم على الكلام والشرح أكثر من استخدامه الجانب العملي المؤثر متناسيا: “فعل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل لرجل” (4).
أهمية الدعوة العملية في المدارس
يرى القائمون على العمل الدعوي التربوي أن الحصول على ثمرات الدعوة في المدارس وغيرها يتطلب مراعاة البيئة المحيطة، والعمل على بذل الجهود التي تعين على علاج المعوقات أمام الدعوة. وأن التربية العملية أو ما تعرف بـ”التربية بالموقف” أكثر تأثيرًا في الطلاب من الخطب والمحاضرات، والتي من خصائصها:
- ربط العلم بالعمل، يقول ابن القيم: “مبدأ كل علم نظري وعمل اختياري هو الخواطر والأفكار؛ فإنها توجب التصورات، والتصورات تدعو إلى الإرادات، والإرادات تقتضي وقوع الفعل”.
- الاستفادة من تجارب السابقين التي تدور بين موقفين: إيجابي يؤتسى به، وسلبي يبتعد عنه.
- يستحسن إشراك المتربي في التفاعل مع الأحداث؛ بمطالبته بعمل ملخص للحادثة.
- تقديم المساعدة للطالب عند حاجته لها، لكونه يحتاج إلى مساعدة أي أحدٍ وقت وقوعه في مشكلة بالمدرسة ولا ينسى كل من يقف بجواره.
- العمل على إخراج أفضل ما عنده من خير في قلبه وتزكيته والثناء عليه، يقول الشهيد سيد قطب: “عندما نلمس الجانب الطيب في نفوس الناس، نجد أن هناك خيرًا كثيرًا قد لا تراه العيون أول وهلة، لقد جربت ذلك، جربته مع الكثيرين، حتى الذين يبدو في أول الأمر أنهم شريرون أو فقراء الشعور” (5).
صفات المعلم الداعية
المربي الداعية شخصية تنظر إلى دورها في التعليم على أنه رسالة تؤدّى، وليس وظيفة لكونها مهمة الأنبياء الإصلاحية والتربوية للشعوب. لذا انتقى الله – سبحانه وتعالى- أنبياءه وَفق صفات ومواصفات عالية التميز وبعيدة عن الشبهات لما سيحملونه من مهمة، ومن هذه الصفات التي يجب أن يتحلى بها المعلم في طريق الدعوة في المدارس:
- أن يكون مُخلصا في قوله وعمله، وصادقا في نيته، بأن يقصد بعلمه وعمله وجه الله سبحانه حتى لا يكون أحد الأوائل الذين تسعر بهم النار وهم (عالم ومجاهد وغني).
- القدوة الحسنة بأن يكون المعلم المسلم قدوة لطلابه فيما يدعو إليه من قيم واتجاهات سلوكية.
- التواضع لله دون ذل لغيره، فلا يُصيبه الكبر ولا يستبد به العجب لما أوتي من العلم فمن تواضع لله رفعه.
- الحرص على حسن المظهر والملبس فلا يرتدي سيئ الثياب بحجة الخشية والتواضع لله، كما لا يترك نفسه سيئ المظهر بحجة الزهد في الدنيا.
- أن يكون أبا رؤفا عطوفا لطلابه حيث يلجأ إليه الطلاب في كل مشكلاتهم فيسمع منهم ويساعدهم قدر استطاعته ويوجههم.
- أن يكون عادلا بين الطلاب فلا يفضل أحدًا على أحد، ويتلمس ظروف كل طالب وأحوال أسرته وأصحابه حتى يستطيع أن يتعامل معه بالحسنى، فقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- خلقه القرآن (6).
الدعوة بين المدرسة والبيت
إن الدعوة في المدرسة لا تنفك عن البيت في غرس الأخلاق الصالحة، وإن كانت الأسرة من أهم أركان التربية، فالمدرسة وأساتذتها لهم دور رائد في غرس التربية في نفوس الطلاب.
ولا ننسَ المعلم وما يقوم به من دور في دعم الروابط والعلاقات بين المنزل والمدرسة، وحل مشكلات الطلاب وتطوير قدراتهم وأساليب تفكيرهم.
كما أن المنهج له أثر كبير في جذب نشاط الطلاب حينما يشعرون أنه يلبي حاجاتهم ويشبع طموحاتهم ويعزز شعورهم بالانتماء لدينهم ووطنهم. لذا يجب أن تهتم الدول بالمنظومة التعليمية التربوية التي تعود على الوطن بالخير والرقي (7).
المصادر:
- عبد الله بن محمد الإسماعيل: أهمية دور المدرسة في التربية، 21 مايو 2021،
- راندا عبد الحميد: بحث عن دور المعلم في بناء المجتمع، 17 أبريل 2021،
- الدعوة في المدارس:
- هند بنت مصطفى شريفي: من معوقات الدعوة في المدارس، 10 نوفمبر 2015،
- الدعوة في المدارس: 23 فبراير 2020،
- صالح بن علي أبو عرَّاد: أبرز صفات المعلم السلوكية في الفكر التربوي الإسلامي،
- عبد الله بن الحمد الحقيل: العلاقة التربوية بين المدرسة والمنزل والمجتمع، 27 أغسطس 2014،