يعاني كثيرٌ من الأزواج من مشكلة الخلافات المالية التي قد تضر بأسس العلاقة، وهي تنشأ عن اختلاف وجهات النظر بشأن إدارة الأموال، سواء تعلّق الأمر بالإنفاق أو الادخار أو الاستثمار، حيث يعم البيت التوتر والمشاحنات بين أفراد العائلة، فضلا عن الشعور بالاستياء، وصعوبة تحقيق الأهداف المالية.
ولا شكّ أن المال مهم في حياة الإنسان، لأنه يعينه على تحقيق الكثير من المتطلبات، لكن الأهم أن ندرك أنه وسيلة لا غاية، فهو وسيلة تُعين الإنسان على المعيشة ومتطلبات الحياة وليس هدفًا بحد ذاته، أو مصدرًا للسعادة، وإن كان يساهم في تحقيقها- أحيانا- لكنه يجب ألا يكون هو القضية الأولى التي تتصدر الخلافات الزوجية.
أسباب الخلافات المالية داخل الأسرة
وتتبلور أسباب الخلافات المالية داخل الأسرة في مجموعة أسباب تؤدي إلى حدوث مشكلات أكبر إذا لم تحل، ومن أبرزها:
- ديون الزوج: فغالبًا ما تكون سببًا في حدوث المشكلات في الأشهر الأولى من الزواج، خصوصًا إذا كانت الزوجة لا تعرف تبعات هذه الديون على مستوى المعيشة مُقارنة مع الصورة الذهنية لديها.
- نقص المال: فهو يُؤدّي في غالب الأحيان إلى حدوث مشكلات زوجية وأسرية، بسبب عدم المقدرة على تلبية متطلبات الحياة، وتزيد وتيرة المشكلات وحدتها كلما زادت الديون وعبئها على هذه الأسرة، بحيث يتحول النقاش والجدال ليصبح متوجها إلى كيف من الممكن لهذه الديون أن تنتهي، وكيف يمكن تأمين الالتزامات حتى وإن كان ذلك على حساب كثير من التنازلات مثل الوقت المخصص للعائلة.
- فارق الراتب بين الزوجين: بالنسبة لمعظم الأزواج ربما لدى أحدهما راتبا أكثر من الآخر و نادرًا ما يحصلان على نفس الراتب لذلك قد تنشأ مشكلة بسبب ذلك الفارق.
- إخفاء المال: ويحدث عندما يكون أي من الطرفين غير مخلص لهدف مالي مشترك بينه وبين شريكه، فيفتح حسابا مصرفيا خاصا به أو يخفي الأموال، أو يكون لديه بطاقة ائتمانية سرية لا يعرف بها أحد؛ وهو ما يتسبب في مشكلات مستقبلية في حال كشف الأمر.
- طلبات الأطفال: فقد يتوسل الأطفال إلى الأم للحصول على لعبة أو حلوى أو أي شيء تقع عليه أعينهم، والأب يرفض ذلك لأنه ليس ضمن الميزانية الشهرية، وهنا تحدث المشكلة، ومن الأفضل أن يجتمعا معا ويقرّرا كيفية وضع الميزانية التي يحتاجها الأطفال وليس تلبية كل رغباتهم المزعجة.
- اختلاف الأمور المالية: قد يختلف الزوجان حول الإدارة المالية في المنزل.
- الابتزاز المالي: قد يحدث بين الزوجين الابتزاز المالي وتكون ورقة ضغط على الأسرة.
- الحقوق المالية: وهي مسألة معقدة للغاية في تحديد الحقوق المالية بين الزوجين.
- تغير المستوى المادي: قد يحدث للحياة الأسرية اضطرابات مادية تعمل على تغير المستوى الذي تعيش فيه الأسرة، فقد يحدث تغير في حالة الأسرة الغنية والعكس صحيح.
- عمل المرأة: وهو من الأسباب التي تتسبب في العديد من الأزمات التي تتعلق بالأموال داخل الأسرة، إذ يطالب بعض الأزواج بمساهمة زوجاتهم في ميزانية الأسرة بقدر معين.
- البخل الزوجي: وهو من أشهر المشكلات التي يمكن أن تتواجد في أحد الزوجين، وغالبًا ما يكون لدى الرجل باعتباره المسؤول الأول عن نفقات الأسرة.
- التبذير والإسراف: وهذه المشكلة تظهر في النساء أكثر من الرجال، حتى وإن كان هذا الإسراف من مالها الخاص.
علاج الخلافات المالية في الأسرة
وعلاج الخلافات المالية داخل الأسرة يتوقف على مجموعة إجراءات، أبرزها ما يلي:
- الاتفاق خلال الخطوبة: فلا بُد من إدراك أنّ العمل على تجنب الخلافات المتعلقة بالمال بين الزوجين يبدأ من مرحلة ما قبل الخطبة، حيث ضرورة مصارحة كل من الشاب والفتاة للآخر بشأن إمكانياته المادية ودخله، واستعداد الفتاة للمساهمة في الإنفاق في حالة عملها، ونظرة كل منهما للمتطلبات الضرورية للحياة واستعداده للتعاون مع الآخر في سبيل إنجاح الحياة الزوجية.
- وضع ميزانية شهرية: ويكون ذلك بالاتفاق بين الزوجين للإنفاق على الأولويات ثم الأقل أهمية ثم الكماليات، بحيث تتناسب هذه الميزانية مع دخل الأسرة، والأفضل أن تراعي هذه الميزانية الادخار قدر المستطاع للظروف الطارئة.
- عدم الاستدانة: ومن الضروري الحرص على عدم الاستدانة أو اللجوء للأقساط إلا في الحالات الضرورية، مع مراعاة إمكانيات الأسرة في تسديد الديون.
- المشورة بين الزوجين: فهي ضرورية في كل الأمور، ومنها المادية والتوافق على الإنفاق ما يجعل الزوجين أكثر تفهما وإدراكا للواقع وقدرة على الصبر والتحمل والتعاون، وهي صفات ضرورية لنجاح الحياة الأسرية والتقليل من المشكلات.
- الحوار بين الزوجين: فهو الوسيلة المثلى للتفاهم وحل المشكلات، حيث إن الزوجين معا مسؤولان عن شؤون الأسرة، سواء كانت الزوجة عاملة أو غير ذلك.
- احترام الذمة المالية للزوجة: ولا بد من أن تكون مشاركتها في الإنفاق برغبة ورضى منها مع حفظ حقوقها المالية، ويجب ألا تمن على الزوج بذلك.
- استشعار المسؤولية من الزوجة: فلا تحمل الزوج فوق طاقته، لأن ذلك يؤثر على صحته النفسية والجسدية وسلوكه في المنزل والعمل، وألا يميز أحدهما فيما ينفق على نفسه وما ينفقه على الآخر، فالعدالة في الإنفاق على الأمور الشخصية تُشعر الجميع بالراحة والطمأنينة والمسؤولية.
- تقبل اختلاف الشخصيات المالية: حيث يفكر كل منهما في المال بشكل مختلف، يكون أحد الشخصين منفقا بشكل مفرط، فلا يمانع في دفع ثمن باهظ مقابل أشياء غير ضرورية، بينما يكون الشريك الآخر مدخرا بطبيعته ويفضل السعي وراء الصفقات الموفرة.
- الشفافية المالية: يجب على الزوجين مصارحة بعضهما منذ البداية بكل شيء متعلق بالأمور المالية وما يملك كل طرف، لكن أيضا يجب توضيح حجم الالتزامات المادية والديون التي تتطلب سدادها، حتى إن اتفقتما على الاستقلالية المالية لكل شخص، يجب الاتفاق كذلك على طريقة الإنفاق داخل المنزل وكيفية تحمل الالتزامات المادية وتحديد خطة مستقبلية للادخار.
- المشاركة المالية: ففي حالة وجود أي أمر يحتاج إلى السداد كدين أو أقساط مالية، يجب الاتفاق على كيفية سداده ومشاركة الطرفين معا، فقد يكون بعض الديون الخفية سببا في حدوث خلاف دون دراية من أحد الطرفين.
- الاقتصاد سر النجاح: ومن الأمور المهمة جدا في ميزانية البيت الاعتدال والاقتصاد والبعد عن أخوة الشياطين؛ (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ) [الإسراء: 27]، فالأصل في ديننا الاعتدال في الإنفاق والبعد عن التبذير.
- الاعتدال في الإنفاق: فالإسراف أقصر طريق للفقر والذل، وفي التقتير والإمساك يؤدي لعدم التمتع بما أحل الله، بل الحسرة على ما فات، ومن سلك سبيل الاعتدال استعد لنوائب الدهر كالمرض وفقدان القدرة على الكسب، قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) [الفرقان: 67].
- المكاتبة والتعاقد الموثّق: وذلك فيما يتعلق بالأملاك أو المشاركة المالية بين الزوجين في الاستثمارات أو المشاريع، ويعد التعاقد القانوني الموثّق عن الأملاك والحصص المالية وسيلةً مشروعة بل وضرورية للحفاظ على حقوق الزوجين المالية على الأمد الطويل.
- حل مشكلة الابتزاز المالي: لأن المساومة المالية أسوأ ما يمكن أن يحصل في الزواج، والحل ألّا يرضخ أي طرفٍ لابتزاز الطرف الآخر، وأن يتم وضع قواعد واضحة للقضايا المالية تمنع المساومة والابتزاز.
- ضبط المصروف: لأن الإسراف يرتبط بدوافع نفسية عميقة تصعب السيطرة عليها، لذلك قد يكون الحل المثالي للإسراف هو ضبط المصروف من المنبع، وتقليل احتمالات التبذير من خلال تقليل المال المتوفر بين يدي الطرف المسرف.
- حل الخلافات حول الإنفاق على الأهل: فمن حق الأهل على الأبناء النفقة والمساعدة عند الحاجة، ولا يُمكن للزوج أن يحبس ماله عن أهله، كما أن الزوجة لن تستطيع أن ترى أهلها في حاجة ولا تساعدهم، ولحل هذا النوع من الخلافات المالية يجب أن يتم الاتفاق بين الزوجين على إمساك العصا من المنتصف.
- التعامل مع التقلبات المالية: حيث يرتبط تقبّل تغيّر المستوى المادي للأسرة- للأحسن أو للأسوأ- بشخصية الشريك ومبادئه وطريقة تفكيره.
- تخصيص حساب مالي مشترك: الخطأ الشائع الذي يعتقده بعض الأزواج هو أن أفضل طريقة لتجنب الخلافات المالية هي أن يتصرف كل طرف في راتبه لوحده، ويدفع كل منهما فواتيره لوحده، وهذا ما يعد حجر الأساس في المشكلات المالية بين الزوجين.
- محاولة تأمين مصدر دخل جديد للأسرة: ففي حال تدني الوضع المادي للزوجين قدر الإمكان، كعمل مشروع بسيط، أو البحث عن عمل إضافي، وما إلى ذلك، تحسين الوضع المادي قد يقلل بدوره من حدة المشكلات المالية بين الزوجين.
- وضع خطة مالية شهرية أو سنوية: وذلك لضمان إنفاق المال وتوزيعه وادخاره بطريقة صحيحة، وتجنب العشوائية التي قد تؤدي إلى حدوث مشكلات مالية، وتجنب تحميل كل واحد منهما مسؤولية الخطأ على الآخر فقط.
إن الخلافات المالية والمادية بين الزوجين ترتبط جميعها بسببٍ واحد وهو غياب التفاهم الصريح على الأمور المالية من بداية الزواج، حتى وإن لعبت شخصية الزوجين وطريقة تفكير كلٍّ منهما دورًا في إشعال هذه الخلافات أو إخمادها؛ لكن يبقى الأصل في نشوء وتفاقم هذه المشكلات هو الحدود المرنة للأمور المالية وغياب الضمانات للحقوق أو حتى تعريف الحقوق والواجبات المالية في الزواج.
مصادر ومراجع:
- منى خير: في جدالكِ مع زوجكِ.. هل يتصدر “المال” المرتبة الأولى لخلافاتكما؟
- وكالة عمون: نصائح لحل الخلافات المالية بين الزوجين!
- موقع النجاح: الخلاف المالي بين الزوجين: كيف ينشأ؟ وكيف نديره بشكل صحيح؟
- محمود القلعاوي: كيفية ضبط الأمور المالية بين الزوجين.
- عامر العبود: المشاكل المالية بين الزوجين وحلول المشكلات المالية في الزواج.
- أحمد مجدي: التعاملات المالية بين الزوجين.. أبرز النصائح لإنجاح العلاقات.
- د. أحمد سيد كردي: المشكلات المالية في الحياة الزوجية.