مفهوم الخسران في القرآن الكريم من المفاهيم القرآنية الأساسية التي تعكس نتائج الابتعاد عن طريق الله وما يترتب على ذلك من آثار سلبية على حياة الإنسان في الدنيا والآخرة.
والمفاهيم القرآنية المتعلقة بالفلاح والنجاة من جهة، والخسران والضلال من جهة أخرى، هي مفاهيم تختلف في معاييرها عن ذات المفاهيم أو مفاهيم دنيوية مادية أخرى قريبة، كالنجاح والرفاهية والتقدم؛ إذ إن معيار المفاهيم القرآنية هو الاستقامة على السبيل المحدد سلفًا من الشارع سبحانه وتعالى، وينبع من توحيده ويرتبط بالدار الآخرة أكثر من ارتباطه بالحياة الدنيا.
ويهدف هذا الموضوع إلى تقديم فهم أعمق لمفهوم الخسران من منظور القرآن الكريم، من خلال تحريره أولًا، ثم تحليل الأسباب التي تؤدي إلى الوقوع فيه، مثل العصيان، الكفر، والإعراض عن هداية الله. كما سيتم استعراض أمثلة قرآنية توضح أشكال الخسران في مختلف السياقات، سواء كانت فردية أو جماعية. بالإضافة إلى ذلك، سنتطرق إلى الوسائل التي يقدمها القرآن لتجنب الخسران، مثل الاستقامة على أمر الله، التوبة، والإخلاص في العمل، لتحقيق الفلاح والنجاة.
أولًا: مفهوم الخسران في القرآن الكريم
أ. المعنى اللغوي:
الخسران هو صيغة مبالغة من لفظة خسر: «الخاء والسين والراء أصل واحد، يدل على النقص، فمن ذلك الخسر والخسران، كالكفر والكفران، والفرق والفرقان، ويقال: خسرت الميزان وأخسرته، إذا نقصته».
والخسر والخسران يعنيان انتقاص رأس المال، وينسب ذلك إلى الإنسان فيقال: خسر فلان، وإلى الفعل فيقال: خسرت تجارته.
ب. المعنى الاصطلاحي:
عرّفه الشنقيطي قائلًا: «والخسران في اصطلاح الشرع: هو غبن الإنسان في حظوظه من ربه جل وعلا؛ لأن الإنسان إذا غبن في حظوظه من ربه جل وعلا فقد خسر الخسران المبين».
وقد وردت كلمة خسر وصيغها المختلفة في القرآن الكريم (65) مرة. ويمكن تعريف الخسران من خلال النظر في تلك الآيات بأنه:
فقدان الأعمال والأموال والأهل والأجر والثواب في الدنيا والآخرة، بسبب ضلال السعي والانحراف عن دين الله.
قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} (الكهف: 103-104).
وبين الله سبحانه وتعالى بأوجز العبارات وأوضحها في سورة العصر من هم الخاسرون وما هي الفئات المستثناة من الخسارة في الدنيا والآخرة على أساس خسران الجميع إلا تلك الفئات. ولذا قال تعالى: {وَالْعَصْرِ . إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (العصر: 1-3).
ثانيًا: أسباب الخسران في القرآن الكريم
عند تتبعنا بالدراسة والتدبر لآيات الخسران في القرآن الكريم، نجد أن أسباب الخسران قد تنوعت تنوعًا كبيرًا وتعددت، إلا أنها بقيت كلها مرتبطة بشكل أو بآخر بالانحراف عن طريق الله سبحانه وتعالى ومجافاة طريق الجادة على مستويات مختلفة، بدأت بالكفر بالله تعالى وبكتابه وأنبيائه، وانتهت بسوء الظن بالله تعالى ومعصيته. ويمكن الإشارة إلى بعض تلك الأسباب مع التدليل عليها بآيات من القرآن الكريم في السطور القادمة.
الكفر بالله تعالى وكتبه وأنبيائه واليوم الآخر والبعث:
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (العنكبوت: 52).
الكفر بالله سبحانه وتعالى لا يقف عند حدود الكفر بذاته سبحانه، وإنما قد يتعدى ذلك إلى الكفر بكتابه وآياته المنزلة أو إنكار اليوم الآخر ووجود دار بعد الدار وحياة بعد الحياة، وتلك الأمور من أشد مسببات الخسران في الدنيا والآخرة؛ إذ إنه لا خسارة بعد خسارة الإيمان.
- الكفر بآيات الله:
والمقصود بآيات الله هي كلام الله الموحى به إلى رسله ليبلغوا عنه شرعه ودينه، وكذلك العلامات والأدلة والبراهين التي أبرزها الله لعباده من أجل هدايتهم. قال الله تعالى:
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (الزمر: 63).
- الكفر بكتاب الله:
سواء كان الكفر به كليًا أو جزئيًا، فكثير من الناس قد يرد حكمًا مما جاء في القرآن ولا يدري أنه برده إياه صار من الخاسرين. قال الله تعالى:
{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (البقرة: 121).
- أما عن الكفر بالدار الآخرة والبعث، فإن الله تعالى قال: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ . أُوْلَٰئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ} (النمل: 4-5).
وقال أيضًا: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} (الأنعام: 31). فمن أصر على كفره وجحوده بالبعث ويقينه بلقاء الله تعالى، فقد خسر خسرانًا مبينًا.
رفض دين الله تعالى أو الردة عنه بعد الإيمان به:
إن الله سبحانه وتعالى أقر في كتابه أن من فضل أو ابتغى على الإسلام دينًا آخر أو ارتد عن دين الله بعد أن آمن به، فإنه من الخاسرين. ويمكن الإشارة إلى ذلك في أن جزاء من يقبل غير الإسلام دينًا أنه في الآخرة من الخاسرين؛ لأنه أضاع ما جُبلت عليه الفطرة السليمة من توحيد الله والانقياد له، فإنَّ كل دينٍ غير الإسلام فهو طريق الخسران.
قال الله تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران: 85).
وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} (آل عمران: 149).
أي يا أيها الذين آمنوا، إن تطيعوا الذين جحدوا ألوهية الله، ولم يؤمنوا برسله من اليهود والنصارى والمنافقين والمشركين فيما يأمرونكم به وينهونكم عنه، يضلوكم عن طريق الحق، وترتدوا عن دينكم، فتعودوا بالخسران المبين والهلاك المحقق.
مولاة الشيطان من دون الله:
وقد أشار الله تعالى إلى ذلك في كتابه، فقال الله تعالى: {وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا} (النساء: 119). أي أن من يستجب للشيطان ويتخذه ناصرًا له من دون الله القوي العزيز، فقد هلك هلاكًا بيّنًا.
وقال الله تعالى: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (المجادلة: 19). أي غلب عليهم الشيطان، واستولى عليهم، حتى تركوا أوامر الله والعمل بطاعته، أولئك حزب الشيطان وأتباعه. ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون في الدنيا والآخرة.
إتيان المحرمات التي حرمها الله تعالى:
فقد حذّرنا الله سبحانه وتعالى من ارتكاب المحرمات وفعلها، لأنها سبب في خسران الإنسان لدنياه وآخرته، وفي نيل غضب الله وسخطه. ومن هذه المحرمات ما يلي:
- سفك الدم الحرام: قال الله تعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (المائدة: 30).
- قتل الأولاد خشية الفقر أو العار: قال الله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} (الأنعام: 140).
- نقض العهد، وقطيعة الرحم، والإفساد في الأرض: قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (البقرة: 27).
أسباب أخرى تستوجب الخسران:
هناك العديد من الأسباب الأخرى التي قد تستوجب الخسران في الدنيا والآخرة، ولكننا سنشير إليها سريعًا حتى لا يطول الحديث:
- إساءة الظن بالله: قال الله تعالى: {وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ} (فصلت: 23).
- الظلم: قال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ} (الشورى: 45).
- الأمن من مكر الله: قال الله تعالى: {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} (الأعراف: 99).
- تفضيل الحياة الدنيا على الآخرة: قال الله تعالى: {ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ . أُولَٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ . لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (النحل: 107-109).
- الصد عن سبيل الله: قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ . أُولَٰئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ . أُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ . لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ} (هود: 19-22).
ثالثًا: نماذج قرآنية للخسران
تعددت النماذج القرآنية بين نماذج فردية وأخرى جماعية، ويكفينا هنا الإشارة إلى نموذج واحد من كلا الفئتين:
النموذج الفردي (قابيل ابن آدم عليه السلام):
تقرب ابنا آدم إلى الله سبحانه وتعالى بقربانين، فتقبل الله من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، فتمكن الشيطان من قلب قابيل، إذ تقبل الله من أخيه ولم يقبل منه، فحسد أخاه وقال له: {لَأَقْتُلَنَّكَ}، ولكن أخاه لم يرد عليه بالمثل، وأوجز له القول بقوله: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ}، وإن خوفه من الله سبحانه وتعالى يمنعه من أن يقابل محاولة القتل بمحاولة قتل أخرى. فقتل قابيل هابيل، واستحق بذلك الخسران. قال تعالى:
{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (المائدة: 30).
النموذج الجماعي (قوم شعيب عليه السلام):
قال الله تعالى: {وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ . فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ . الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ} (الأعراف: 90-92).
إذ إن أكابر قوم شعيب حذروا قومهم من أن يطيعوا النبي شعيبًا عليه السلام، زاعمين أنهم سيكونون في خسران شديد إذا اتبعوه، ولكن الله سبحانه وتعالى حكم عليهم بالخسارة الكبرى وأخذتهم الزلزلة الشديدة لأنهم كذبوا النبي شعيبًا، فحكم الله عليهم بأنهم هم الخاسرون.
رابعًا: وسائل النجاة
كما أن الله سبحانه وتعالى وضح أسباب الخسران في كتابه الكريم وضرب لنا النماذج الفردية والجماعية لذلك، فإنه سبحانه وتعالى أخبرنا في القرآن كذلك بطرق ووسائل النجاة من تلك الخسارة، بإخباره عن الفائزين والناجين. ومن خلال تتبع كتاب الله، يمكن الإشارة إلى بعض هذه الوسائل:
- الإيمان والعمل الصالح: قال الله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ} (الجاثية: 30). {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (المؤمنون: 1).
- طاعة الله وتقواه واتباع رسله: قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} (النور: 52).
- التوبة من المعاصي: قال الله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (النور: 31). أي ارجعوا -أيها المؤمنون- إلى طاعة الله فيما أمركم به من الصفات الجميلة والأخلاق الحميدة، واتركوا الصفات الرذيلة؛ رجاء أن تفوزوا بخيري الدنيا والآخرة.
- التواصي بالحق والتواصي بالصبر: من صفات المؤمن الذي يسعى لنيل رضا الله ورضوانه والفوز بجنته، أنه يحرص كل الحرص على التزام الحق في كل جوانب حياته، ويحرص على دعوة الآخرين للتواصي بالحق، ويصبر على ما يلاقيه من أذى في هذا الطريق. قال الله تعالى: {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (العصر: 2-3).
- تزكية النفس: جاء الإسلام يدعو إلى تزكية النفوس وتطهيرها؛ حتى تكون كريمة الأخلاق، نبيلة السجايا. قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّىٰ} (الأعلى: 14)، {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (الشمس: 9-10). قد فاز من طهَّر نفسه ونمَّاها بالخير، وخسر من أخفى نفسه في المعاصي.
- فعل الخيرات: المسلمون مأمورون من قبل الله تعالى أن يفعلوا الخير دائمًا وفي كل حال، وفي كل مكان. قال الله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الحج: 77).
- ذكر الله تعالى: قال الله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الأنفال: 45)، {فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الأعراف: 69). اذكروا نِعَمَ الله الكثيرة عليكم؛ رجاء أن تفوزوا الفوز العظيم في الدنيا والآخرة.
إن مفهوم الخسران في القرآن الكريم لا يقتصر على الخسارة الدنيوية أو المادية فقط، بل يتجاوزه ليشمل خسارة الآخرة التي هي أعظم الخسائر. فالخسران في القرآن يرتبط بالعصيان والإعراض عن الحق، ويأتي كنتيجة لأسباب واضحة مثل الكفر، الظلم، اتباع الهوى والشهوات، والإصرار على المعاصي. كما أن القرآن يقدم نماذج متعددة من الأمم والأفراد الذين وقعوا في الخسران، ليكونوا عبرة لكل من يأتي بعدهم.
لكن القرآن لا يترك الإنسان في دائرة الخسارة، بل يرسم له سبل النجاة بوضوح؛ فالرجوع إلى الله، والتوبة النصوح، والإيمان الصادق، والعمل الصالح، كلها وسائل تقي الإنسان من الخسران. إضافة إلى ذلك، فإن اتباع الهدي الإلهي والتمسك بقيم العدل والإحسان والصدق يؤدي إلى النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة؛ فالقرآن الكريم يوجه الإنسان نحو السعي للنجاة من الخسران بأسبابه المتعددة، ويوفر له خارطة طريق تضمن له السعادة الأبدية إذا ما سار على نهجها.