إنّ من أسمى أهداف الحرية في الإسلام، تحقيق الكرامة الإنسانية والرضا والإرادة، وحفظ الحقوق، لذا فهي مبدأ من مبادئ الإسلام، ولا تقوم حياة الأفراد إلا به؛ فلا يُتصوّر أن يُكلّف الإنسان بتكاليف دينية أو حياتية وهو غير حرّ.
والقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة أكدا أهمية هذا المبدأ ما لم يتعارض مع العقيدة في شيء، لذا صحح القرآن المفاهيم الخاطئة، وأزال ما قد يعلق في الأذهان أو يشوب العقول من شُبهٍ وإشكال بدافع جهل أو هوى، أو تلبيس من قِبل شياطين الإنس والجن، ومن ذلك الفهم الخاطئ للحرية، بما حاد بها عن مقاصدها السامية، وأطاح بها عن عرش القيم الإنسانية الرفيعة، وذروة سنام المُثُل العليا.
تعريف الحرية
يقول الدكتور توفيق زبادي في كلمة له خلال ندوة عقدها موقع “المنتدى الإسلامي العالمي للتربية”، إن العرب استعملوا كلمة الحرية للدلالة على معانٍ معينة؛ فالحُرُّ نقيض العبد، والحرة نقيض الأمة، والجمع حرائر، والحُرّ هو الخالص النقيّ والفاخر من الأشياء؛ قال الأزهريّ: والحر كل شيء فاخر جيد من شعر أو غيره.
وقال ابن فارس: حَرّ؛ ما خالف العبودية، وبرأ من العيب والنقص. يُقال: هو حرٌّ بَيِّنُ الحُرّية: أي واضح الحُرّية في سلوكه ومعاملاته.
والتحرير: جعل الإنسان حرًّا، قال تعالى: {… فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ …} (النساء: 92). وقوله تعالى: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا …} (آل عمران: 35). أي: مخلصًا للعبادة.
والحُرّية في الاصطلاح هي: المُكْنَة- أي الإمكانية- العامة التي يقررها الشرع للأفراد بحيث تجعلهم قادرين على أداء واجباتهم، واستيفاء حقوقهم، واختيار ما يجلب المنفعة ويدرأ المفسدة دون إلحاق ضرر بالآخرين.
الحرية في القرآن
رغم أنّ لفظة الحرية لم ترد بهذه المفردة في القرآن الكريم، لكنها أتت مشتقات من مادتها وهي مادة “حَرّ”، ومنها كلمة الحُرّ؛ وجاءت في خمسة مواضع، وذلك في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ …} (البقرة: 178)، وفي قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ …} (النساء: 92)، وفي قوله تعالى: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا …} (آل عمران: 35).
وفي قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ۖ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (المائدة: 89)، وفي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (المجادلة: 3).
ولقد خلق الله البشر في خلقةٍ تعينهم على أداء مهمتهم، وذلك في قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (الأحزاب: 72)، وهل يصح في العقل والشرع أن يكلف الله نفسًا ليست حرة! أو ليست سوية!؛ ولما أقسم الله تعالى بمكان نزول الوحي: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} (التين: 1-4).
قال المفسرون: خلق الله الإنسان في أحسن صورة وأحسن هيئة، وأحسن إعداد من حيث العقل حتى يقوم بمهمة الخلافة في الأرض. فالذي يمنع الحرية معناه أنه يمنع تنفيذ مراد الله في الأرض، وكما يقول الإمام ابن تيمية: الحُريّة فطرة في النفس البشرية وُلدت مع خلافة الإنسان في الأرض.
وجعل القرآن التوحيد هو الصورة المُثلى للتحرر، لمّا قالت امرأة عمران: {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا …} (آل عمران: 35). أي خالصًا لربها، محررة من كل قيدٍ أو شركٍ أو حقٍ لأحد غير الله سبحانه وتعالى، والتعبير عن الخلوص المطلق بأنه “تحرير” معناه أن هذا العبد صار لله تعالى خالصًا.
وفي موقف السحرة: {قَالُوا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا ۚ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} (الأعراف: 125-126)، وهذا موقف حاسم في تاريخ البشرية، بإعلان ميلاد حُريّة حقيقة.
وقال تعالى لنبيه الكريم: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (الأنعام: 106)، فهذه هي خلاصة الدعوة، فلم يُرسل الله رسولًا مسلطًا ولا قاهرًا على قومه من أجل أن يؤمنوا؛ فالناس لديهم من العقل ما يؤهلهم لاختيار ما يؤمنون به. فمن مقاصد الإسلام بيان أنه دين الفطرة السليمة، والعقل والحجة والبرهان والفكر والعلم والحكمة، والضمير والوجدان والاستقلال.
وأقرّ الله – عز وجل- حريّة اختيار العقيدة، قال تبارك وتعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (يونس: 99)، وفي تحرير الرقاب قال تعالى: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ …} (البقرة: 177)، ومعنى وفي الرقاب: أي في تحريرها.
كما حثّ الإسلام على تخليص الأسرى من الأسر: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ} (البلد: 12-13)، فالفكُّ هو أخذ الشيء من يدٍ قد احتازتها أو تسلمتها أو سيطرت عليها، والرقبة يقصد بها الإنسان، فهذه الآية كما يقول العلماء: أصل من أصول التشريع الإسلاميّ، وهو تشوف الشارع للحُرّية.
وقال تعالى مذكرًا بانتقام فرعون، وممتنًا على بني إسرائيل بالحُريّة والاستقرار: {فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَٰلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} (الشعراء: 57-59)، وكلما ارتكب بنوا إسرائيل ما يخالف أوامر الله تعالى، ذكرهم موسى بنعم الله عليهم ومنها الحُريّة: {وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ} (المائدة: 20).
منهج النبي في تحرير الإنسان
ورسخ النبي – صلى الله عليه وسلم- مبدأ الحرية في نفوس أصحابه، بل جعله ذروة سنام المثل العليا التي لا يمكن الاجتزاء منها أو التخلي عن بعضها، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: إن زوج بريرة كان عبدًا يقال له مغيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته فقال النبي – صلى الله عليه وسلم لعباس: “يا عباس، ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثا؟” (البخاري).
فلما رأى مغيث إصرار بريرة على صده، وأنها عازمة على تركه، استشفع بالنبي – صلى الله عليه وسلم-، فشفع له عندها، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم-: “لو راجعتِه، فإنه زوجك وأبو ولدك”، قالت: يا رسول الله، تأمرني؟ قال: “إنما أنا أشفع”، قالت: لا حاجة لي فيه.
فانظر كيف احترم النبي – صلى الله عليه وسلم- قرارها في حياتها الشخصية، وانظر كيف تعجب من حب مُغِيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثا! تعجب وهو يرى حبا يقابل ببغض، فلم يكن حبًا متبادلًا؛ فلم ينكر، ولم يشدد، بل أفسح للقلوب أن تعبر عما في جوفها، ولم يعنف أحدًا منهما، لأن الإسلام جاء بها بيضاء نقية، واقعية، تتلمس العواطف وتعرف قدرها، ولم يأت ليكبت أحاسيس الناس، ولا ليضيق عليهم في التعبير عنها.
قال معقل بن يسار: كنتُ زَوّجتُ أختًا لي من رجل، فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوجتك وأفرشتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها، لا والله لا تعود إليها أبدا. وكان رجلًا لا بأس به، فكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله عز وجل: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ}، فكفّر الرجل عن يمينه، وأنكح أخته له مرة أخرى (صحيح أبي داود).
فانظر كيف أنزل الله آية في كتابه لما علم أنه الرجل قد هوي امرأته، وأن امرأته قد هويته؛ حتى لا يحجر عليها أحد.. فهذا احترام لقرارات الحياة الشخصية.
وأكد النبي – صلى الله عليه وسلم- مبدأ احترام الملكية الشخصية، فروى البيهقي حديثًا صحيحه في سننه الكبرى، عن عبد الله بن عمرو قال: كنا مع رسولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم- بحُنينٍ، فلما أصاب من هوازنَ ما أصاب من أموالِهم وسباياهم أدركه وفدُ هوازنَ بالجِعرانةِ وقد أسلموا، فقالوا: يا رسولَ اللهِ! لنا أصل وعشيرةٌ، وقد أصابنا مِنَ البلاءِ ما لم يخفَ عليكَ، فامنُنْ علينا منَّ اللهُ عليكَ، وقام خطيبُهم زُهَيْرُ بْنُ صُرَدَ فقال: يا رسولَ اللهِ إنما في الحظائرِ مِنَ السبايا خالاتُك وعمَّاتُك وحواضنُك اللاتي كنَّ يكفُلنَكَ، وذكر كلامًا وأبياتًا.
قال: فقال رسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم-: “نساؤكُم وأبناؤكم أحبُّ إليكمْ أمْ أموالُكم؟” فقالوا: يا رسولَ اللهِ خيَّرتَنا بين أحسابِنا وبين أموالِنا، أبناؤنا ونساؤنا أحبُّ إلينا، فقال رسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم-: “أما ما كان لي ولبني عبدِ المطلبِ فهو لكم، وإذا أنا صلَّيتُ بالناسِ فقوموا وقولوا: إنا نستشفعُ برسولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم- إلى المسلمينَ وبالمسلمِينَ إلى رسولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم- في أبنائِنا ونسائِنا، سأُعطيكم عند ذلك وأسألُ لكم”.
فلما صلى رسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم- بالناسِ الظهرَ قاموا فقالوا ما أمرَهم به رسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم-، فقال رسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم-: “أما ما كان لي ولبني عبدِ المطلبِ فهو لكم”، وقال المهاجرون: وما كان لنا فهو لرسولِ اللهِ ﷺ، فقال الأقرعُ بنُ حابسٍ: أما أنا وبنو تيمٍ فلا، فقال العباسُ بنُ مِرداسِ السُّلَمِيِّ: أما أنا وبنو سُلَيمٍ فلا، فقالت بنو سُلَيمٍ: بل ما كان لنا فهو لرسولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم-، وقال عُيينةُ بنُ بدرٍ: أما أنا وبنو فزارةَ فلا، فقال رسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ أمسك منكم بحقِّه فله بكل إنسانٍ ستةُ فرائضَ من أولِ فيئٍ نُصيبُه، فردُّوا إلى الناسِ نساءَهم وأبناءَهم”.
فانظر كيف احترم النبي – صلى الله عليه وسلم- رغبة من تمسكوا بحقوقهم، بل وفرض لهم من الغنائم التي سيصيبونها مستقبلًا.
احترام الإرادة والمسؤولية
ومن معاني الحرية التي أكد عليها الرسول الكريم، احترام الإرادة والمسؤولية، تقول أم هانئ بنت أبي طالب: لما كان يومُ فتحِ مكةَ أَجرتُ رجلَينِ من أحْمائي فأدخلتُهما بيتًا وأغلقتُ عليهما بابًا، فجاء ابنُ أُمِّي عليُّ بنُ أبي طالبٍ فتفلَّتَ عليهما بالسَّيفِ (أي: أراد أن يقتلهما) قالت فأتيتُ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم- فلم أَجدْهُ ووجدتُ فاطمةَ فكانت أشدَّ عليَّ من زوجِها، قالت فجاء – صلى الله عليه وسلم- وعليه أثرُ الغُبارِ فأخبرتُه فقال: “يا أمَّ هانئٍ قد أجرْنا من أجَرْتِ وأمَّنَّا من أَمَّنتِ”.
فالنبي – صلى الله عليه وسلم- قد احترم إرادتها وكينونتها وأمّن من أمّنت، ومنع عليّ ابن أبي طالب من قتلهما.
وفي غزوة الخندق تجمعت القبائل الكافرة ضد الإسلام، وحاصرت المدينة، وعرضت قبيلة غطفان على النبي – صلى الله عليه وسلم- أن ينسحبوا من جيش الأحزاب، ولا يقفوا مع الكفار، في مقابل أن يأخذوا ثلث ثمار المدينة، فشاور الرسول كلا من سعد بن عبادة وسعد بن معاذ في هذا الأمر، فقال سعد بن عبادة: يا رسول الله، أمرًا تحبه فنصنعه، أم شيئًا أمرك الله به، ولا بد لنا من العمل به، أم شيئًا تصنعه لنا؟ فقال رسول الله: “إنما هو شيء أصنعه لكم، لما رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة”.
فقال سعد بن معاذ: والله يا رسول الله، ما طمعوا بذلك منا قط في الجاهلية، فكيف اليوم؟ وقد هدانا الله بك وأكرمنا وأعزنا، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم. فقال رسول الله: “فأنت وذاك”.
فقد احترم النبي – صلى الله عليه وسلم- مسؤولية سعد بن معاذ، وأعطاه الحرية في اتخاذ القرار فيما يقع تحت مسؤوليته.
ضوابط الحُريّة
يقول الشيخ محمد عبده: ليست سعادة الإنسان في حرية البهائم، بل في الحرية التي تكون في دائرة الشرع ومحيطه، ومن ضوابط هذا المبدأ الإسلامي:
- ألا تتعارض مع العقيدة؛ فمن حق الإنسان أن يفكر ويعبر لكن دون التعرض للدين، فالحرية لا تعني الإغراق في الأوهام والخيالات أو الطعن في الدين، ولذلك قال الله عز وجل: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ …} (التوبة: 64-66)، فالحرية تقتضي المسؤولية والانضباط في القول والفعل، وإلا استحال الأمر إلى فوضى وعبث.
- ألا تتعارض الحرية مع أصول الأحكام؛ فقد منح الإسلامُ الفردَ حرية الكلمة والاعتقاد والتصرف والانتقال والمعاملات ما لم تخالف الشريعة، فإذا خالفت صارت مروقًا وانحرافًا لا حرية؛ فالتبرج ليس حرية لأنه يصطدم مع الشرع وقيم المجتمع المسلم، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} (الأحزاب: 36).
- وألا تتعارض مع المصالح العامة؛ حيث تؤدي إلى تفكك المجتمع، قال تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ} (المؤمنون: 71).
- وألا تنتهك حقوق الآخرين وحرماتهم.
المصادر:
- حرية الرأي والتعبير في الإسلام: المجالات والضوابط .
- الحرية في المفهوم الإسلامي.
- الحرية الحقيقية في التمسك بالقيم الدينية https://www.alukah.net/culture/0/86601/.