أنا متزوجة منذ سنة وثلاثة أشهر، هذا زواجي الثاني، لدي طفل عمره أربعة أشهر، أعاني من خلافات كثيرة مع زوجي منذ أن تزوجنا، لأنه يتعامل معي بسيطرة، لا يمكنني أن أقوم بشيء أريده دون علمه، أحيانًا يعطيني والدي نقودًا بحكم أن زوجي عاطلٌ بلا عمل، فأقوم بتخبأتهم للأيام الصعبة، وعندما علم بالأمر قام بتوبيخي بشدة لدرجة الإيذاء الجسدي، كما أنه يراقب مكالماتي مع والدتي، ساندته كثيرًا دون جدوى، لم أعش يومًا سعيدًا منذ زواجنا، أنا مسئولة عن المنزل وعن والدته وعن خاله المريض، أقوم بكل ما يتوجب عليّ دون جدوى.
أنا مريضة، مصابة بما يسمى بالجن العاشق، وبسببه لا أستطيع التحكم في بعض تصرفاتي، فأقوم بأشياء دون شعور، وأندم عليها لاحقًا، ورغم علمه بالأمر وتقبله له، إلا أنه يقوم بإيذائي بحكم أنني مريضة، ولا أحد يصدقني، لقد وصلت لمرحلة الجنون فأقوم بضرب نفسي وتكسير الأغراض، يشاهد ذلك دون محاولة إيقافي!
لقد وصلت لدرجة الركوع عند رجليه، وتقبيلهم! فقط ليتوقف عن إيذائي اللفظي والجسدي، فأنا أتألم كثيرًا!
أريد نصيحة، كيف أتصرف؟!
السائلة الكريمة:
أصلح الله لك حالك وأراح بالك ورزقك الحيل الناجعة لإصلاح شأنك.
ما أيسر أن يستدعي الذهن الحل السحري وينهي هذه العلاقة التي تبدو مرهقة في شتى جوانبها، ولكن بما أننا في بداية العلاقة فمن الطبيعي أن يحدث شد وجذب بين أطرافها حتى يتعود كل طرف على طباع الطرف الآخر؛ فأكثر حالات الطلاق تقع في السنة الأولى للزواج لاختلاف الطبائع، وعدم تفهم حاجات كل طرف، فلتمنحي هذا الزواج فرصة ثانية خصوصًا أن لك تجربة سابقة في الزواج، فربما لو أنهيت هذه العلاقة مبكرًا، تساورك الظنون أنكِ لا تصلحين للزواج.
لكن لا يمكن لعلاقة بها هذا الكم من الإيذاء الجسدي واللفظي والسيطرة وقلة الإنفاق أن تستمر دون سعي حقيقي للإصلاح من طرفي العلاقة.
وقبل أن نتطرق إلى العلاج، نسألك أولًا عن أسباب موافقتك عليه كزوج؟ واختيارك له عن غيره؟ هل تراءت لك صفات بعد الزواج لم تكن ظاهرة قبل ذلك؟ أم ثمة مواقف معينة جعلتك لا ترين منه إلا شرًا؟!
أسئلة مهمة يجب أن تسأليها لنفسك، هل أخطأت الاختيار، أم تم خداعك؟! أم انطمست زهوة الزواج سريعًا لأن لديك تصورًا ما عن العلاقة لم تجديه؟!
السؤال بشكل آخر، هل إذا أمسكت ورقة وقلم وحاولت أن تعددي على الأقل خمس صفات في زوجك تجعلك تستمرين في هذه العلاقة، هل ستجدين ما يستحق الكتابة؟
إن كانت الإجابة بنعم؛ فهذا مدخل طيب يمكننا البناء عليه، فالشعور بأن زوجك له مزايا وإن قلّت؛ يجعلك تغضين الطرف عن بعض عيوبه، وكلنا أصحاب عيوب بلا شك، فالتغافل يعين على الاستمرار في العلاقة، لكنه تغافل بفطنة وذكاء، نعرف ما نتغافل عنه بقصد، ونقف عند أمور لا يصح معها التغافل، كالإيذاء الجسدي مثلًا، المهم أن نقيّم التجربة ككل؛ حتى نقرر هل سنختار الاستمرار أم لا، ويجب أن نكون منصفين، حتى نرضي الله أولًا، وحتى ينصفنا الآخر!
أختنا الفاضلة، يجزيك الله خيرًا على خدمة أم زوجك وخاله، فما تفعلينه من باب الفضل المحض لا الواجب، فإن ابتغيت به وجه الله؛ فلا تنتظري جزاءً دنيويًا، وإن ثقُل الأمر عليكِ فلستِ مجبرة، المجبر هو الزوج، مجبر أولًا على رعاية أمه، أو توفير من يقضي لها حاجتها إذا لم يستطع هو، أو إن لم يستطع هذا ولا ذاك، ومنَّ الله عليه بمن يحمل عنه واجبه، مثلكِ، فمجبرٌ حينها على أن يرى فعلكِ هذا ويقدره، هداه الله ورزقه اللين والقول الحسن.
و إذا كانت إجابتك على الأسئلة السابقة بالنفي؛ فلا ترين في هذا الزواج حسنة ولا مندوحة، فنسألك ماذا تنتظرين من زوج لا ينفق، ويتسلط، ويضرب؟! لن ينصلح حاله من تلقاء نفسه، ما لم تكن لك وقفة، نتكلم بهدوء، ونضع شروطًا لاستمرار الزواج كتحديد نفقة شهرية تسد حاجتك فوالدك مشكورًا ليس عليه نفقتك أبدًا، وكذلك من المهم التأكيد على أن مد اليد خط أحمر، لا تسمحي به مطلقًا، يقول الحبيب المصطفى: { ألا واستوصوا بالنساء خيرا، فإنما هن عوان عندكم}.
لا بأس في إدخال عاقل تختارونه حكمًا، ولكن لا نفضل هذه الخطوة إلا في حال الاضطرار، فالزوجان ستر وغطاء لبعضهما البعض، ينتهكان هذا الستر رويدًا رويدًا بإدخال وسيط، فلا تدخلان أحدًا بينكما إلا أن يكون عاقلًا أمينًا حكيمًا رشيدًا، يُعرف عنه الحكمة والروية في حلول المشكلات.
ونحن نطرح حلولًا لمشكلتك، لا نستطيع أن نفصل أنفسنا عن وصفك نفسك بأنك مريضة بالجن العاشق، وإن صح وصفك بأنك مريضة بهذا، فهذا ليس من الأمراض التي يصعب شفاؤها، أو تتعطل بسببه استقامة الحياة الزوجية.
فأهل العلم والاختصاص يوصون بعدة أمور حتى يأذن الله بصرف هذا البلاء عنك، وتركزين في مشكلتك الأساسية مع زوجك، تركك نفسك بلا علاج يجعلك تنظرين لنفسك نظرة دونية، فتقررين في نفسك أنك تستحقين من زوجك هذه المعاملة، وغالبًا ما تكون هذه المشاعر بشكل غير واعٍ، فتقبلين تصرفات مهينة، لأنكِ صاحبة مرض!
يفضل أن تتم الخطوات الآتية تحت إشراف شيخ ثقة:
- عليك بالرقية الشرعية، كرريها كثيرًا، فأنت لا تعلمين قوة ما الجن الذي أصابكِ، وما بيننا وبين الجن كما بين الإنس والإنس؛ فقد يهجم أكثر من رجل على رجل واحد، فيقاوم حتى تخار قوته، أو ينتصر عليهم، أو يقع قليلًا ثم يستجمع قوته ثانية ويظل يقاوم حتى ينتصر عليهم، هكذا الحال مع الجن، فقد يكون قويًا يتحمل آثار الرقية ولا يتخلى عنك بسهولة في سبيل تحقيق مراده من إيذاء، أو يضعف بالتدريج مع الرقية الشرعية والعلاج بالقرآن، فالأمر يحتاج منك إلى جلد وصبر وإصرار وتكرار للرقية، مستعينة بالله لصرف أذاه عنك، فكما خلق الله الداء، خلق له الدواء: “ما أنْزَلَ اللَّهُ داءً إلَّا أنْزَلَ له شِفاءً”.
- قراءة سورة البقرة، وكذلك الرقية بالماء والزيت والعسل.
- وينصح أيضًا بدهن مكان العورة بالمسك الأحمر أو الأسود، وحول كل منافذ الجسم المفتوحة عدا العين؛ حتى لا تصاب بأذى من الدهن. فالشيطان لا يتحمل المسك الأحمر أو الأسود بأي حال من الأحوال، ولن يستطيع الوصول إلى تلك الأماكن بإذن الله، هذه وصفة جربت مرارًا وتكرارًا، جنبًا إلى جنب مع الرقية الشرعية.
- الذهاب إلى مستشار نفسي إذا تطلب الأمر ذلك.
- الدعاء الدعاء بأن يصلح الله حالك.
- الصدقة، بنية تفريج الكرب.
ومتى شفيت، من هذا الابتلاء، ستعيدين تقييم مسألة زواجك بشكل أنضج، خالٍ من تشويش وهم المرض المعطل عن المضي قدمًا في الإصلاح.
أصلح الله لك جميع أمرك، وجعل زواجك سكن ومودة ورحمة كما شرعه لخلقه، وجعل زوجك قرة عين لك: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}.