يمر بعض الناس بأزمة التكاسل عن الصلاة وأدائها في وقتها، وخطورتها عظيمة وعواقبها وخيمة، وعادة ما تأتي بعد فترة طويلة من التّركيز في العبادة، ويشترك فيها النّفس ووساوس الشيطان الذي يحزن ويغضب من عدم انصياع المسلم لوساوسه.
وفي الغالب يتزامن مع هذه الأزمة تشتت للنفس والوقوع في المعاصي والذنوب، وضعف الإيمان، والشعور بالضيق والقلق والاكتئاب، وهنا لا بُد من وقفة حاسمة للمحافظة على أهم ركن في الإسلام بعد نطق الشهادتين.
حكم التكاسل عن الصلاة
وذهب أكثر أهل العلم إلى أن التكاسل عن الصلاة يدخل المرء في حكم الفاسق مرتكب الكبيرة، لكنه ليس بكافر مثل الذي يتركها جحودًا وإنكارًا، ودليل ذلك قول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) [النساء:47]، فعموم الآية دال على أن تارك الصلاة داخل تحت المشيئة.
وروى عبادة بن الصامت- رضي الله عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: “خمس صلوات كتبهن الله على العباد، من آتى بهن لم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن لم يكن له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة” (مالك وأحمد وأبو داود والنسائي بإسناد صحيح).
ولا يَحِلُّ للمُسلم تأخيرُ الصَّلاةِ عَمدًا عن وقتِها من غير عذر، قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) [النساء: 103]، وقال- سبحانه وتعالى- (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) [الماعون:4-5] .
وعن أبي ذرٍّ- رَضِيَ اللهُ عَنْه-، قال: قال لي رسولُ اللهِ- صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: “كيفَ أنت إذا كانتْ عليك أُمراءُ يُؤخِّرونَ الصَّلاةَ عن وَقتِها – أو يُميتونَ الصَّلاةَ عن وقتِها؟ قال: قلتُ: فما تَأمُرُني؟ قال: صلِّ الصَّلاةَ لوقتِها… ” (مسلم).
ورُوي عن عبد الله بن مسعودٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْه-، قال: قال رسولُ اللهِ- صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: “إنَّه ستكونُ عليكم أمراءُ يُؤخِّرونَ الصَّلاةَ عن مِيقاتِها ويَخنقونها إلى شرقِ الموتى، فإذا رأيتموهم قد فَعلوا ذلك، فصلُّوا الصلاةَ لميقاتِها، واجعلوا صلاتَكم معهم سُبحةً” (مسلم).
أسباب التكاسل عن الصلاة
ويحدث التكاسل عن الصلاة وأدائها في وقتها نتيجة أسباب عديدة أبرزها ما يلي:
ضعف الإقبال على الله تعالى، وضعف الإيمان به.
- الاستخفاف بأوامر ونواهي الله سبحانه وتعالى، وجهل ما يترتّب على ذلك من عقوبةٍ أو تجاهله.
- إتيان الذنوب والمعاصي التي تُقيّد صاحبها عن أداء الطاعات، فقد ورد أنّ من آثار الذنوب على العبد حرمانه من الطاعات.
- الابتعاد عن منهج الله تعالى جهلا أو تجاهلا لعقوبته، فقد خلق الله الإنسان عزيزا وكرّمه بسجود الملائكة له ولكنه سرعان ما يصبح ذليلا كلما ابتعد عن منهج الله لقوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [المنافقون: 8].
- الجهل بالمنافع الدنيوية والأخروية المتأتية من الصلاة، قال تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].
- الجهل بمنزلة الصلاة في الدين: فقد وردت كلمة “الصلاة” 67 مرة في القرآن الكريم في 62 آية في 28 سورة، لبيان مدى أهميتها عند الله- عز وجل-، قال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة: 5].
حلول للمشكلة
وبعد التعرف إلى أسباب مشكلة التكاسل عن الصلاة وأدائها في وقتها، فإن الحلول الناجعة تكمن في الآتي:
- ترك أيّ شاغلٍ يشغل المرء عند سماع الأذان والتوجّه فورًا للتطهّر والوضوء.
- مصاحبة أهل الصلاة والفضل من الناس، فإنّ مجالسة الصالحين تذكّر بالطاعات والخيرات.
- النظر في سير السلف الصالح وأهل العلم والعمل منهم.
- إيجاد تقويمٍ أو مؤقّتٍ مُذكّرٌ بمواعيد الصلاة بدقّةٍ، يتابعها المسلم ممّا يساعده على الالتزام أكثر عند معرفة الأوقات بدقّةٍ.
- دوام قراءة القرآن الكريم، وذكر الله تعالى، والصلاة والسلام على رسوله.
- الاجتهاد في حضور المواعظ الدينيّة ومجالس الذكر.
- حفظ كل يوم ولو نصف صفحه من كتاب الله، فهذا يربط المرء بالصلاة إذ يريد أن يصلي بما حفظ بل وأن يكون خاشعا وذهنه حاضرا أكثر من أن يصلي بالآيات المعتادة التي يصلي بها منذ صِغره.
- معرفة قدر الصلاة، قال سبحانه: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) [ العنكبوت: 45]، وعن أبي هُريرةَ- رَضِيَ الله عنه- قال: سَمِعتُ رَسولَ الله- صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يَقولُ: “إنَّ أوَّلَ ما يُحاسَبُ به العَبدُ يَومَ القيامةِ من عَمَلِه صَلاتُه؛ فإن صَلَحَت فقد أفلَحَ وأنجَحَ، وإن فسَدَتَ فقد خابَ وخَسِرَ، فإنِ انتَقَصَ من فريضَتِه شَيئًا، قال الرَّبُّ تَبارَك وتعالى: انظُروا هَل لعَبْدي من تَطَوُّعٍ، فيُكملُ بها ما انتَقَصَ من الفَريضةِ، ثُمَّ يَكونُ سائِرُ عَمَلِه على ذلك” (الترمذي).
- أن تعرف النكير الشديد على التهاون فيها، فالصلاة عمود الدين ومظهره الرئيس بعد التوحيد، وهي شعيرته الكبرى، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مبيناً أهميتها: “بيْنَ الرَّجُلِ وبيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ” (مسلم).
- أن تبحث عن تذوق حلاوتها، فمن ذاق حلاوة العبادة استدام عليها، وانظر إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- كيف يقول لبلال: “أرحنا بالصلاة يا بلال” (أبو داود).
- اتخذ القرار الصائب الآن بالمداومة على الصلاة، وعدم التفريط فيها، فالنجاح قرار والفلاح قرار بالاستعانة بالله.
- رتب مواعيدك كلها على الصلاة، وجداولك كذلك، بعد صلاة كذا أو قبل صلاة كذا.
- المحافظة على السُّنن والنوافل، حتى إذا أصاب المسلم الفتور تكون هذه السنن بمثابة سور يحمي قلعة الفرائض فإذا أُصيبَ السور ثمة ضعف لم تتأذّ القلعة بشيء وإذا أنعم الله عليه بمزيد من الهداية يصلي ما فاته من صلوات.
- القيام للصلاة مهما كان الأمر: فيجب على المسلم أن يخرج من البيت بوقت يكفيه حتى يكون في المسجد عند انتهاء الأذان.
- الاستغفار، يقول الله- عز وجل-: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا)، فالاستغفار يمحي من القلب أي تقصير يشعر به المسلم، لأن الله إذا أحب عبدا رزقه طاعته والاستغفار يجعل العبد قريبا من ربه فلن يحدث ثمة تقصير بأمر الله.
- الدعاء، فهو هو سلاح قوي يغفل عنه الكثير من الناس، فمهما كان الإنسان غارقًا في الذنوب لا يترك الدعاء لله ويلح عليه ولا ينس هذا الدعاء دومًا “رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ”، ويدعوا الله بالثبات ويطلب منه المزيد فالدعاء ربما يغير الحياة كلها.
- عاتب نفسك على تأخير الصلاة وعلمها أن تتصدق وأن تستغفر عند التهاون ففي ذلك وسيلة خير للتذكير والتنبيه.
إن التكاسل عن أداء الصلاة في وقتها يجر على المسلم متاعب في الدنيا والآخرة، فهي محور وجوده في الحياة، لأن الله خلقه من أجل العبادة، ومن هنا لا بد من الاهتمام بها وجعلها على رأس الأولويات.
مصادر ومراجع:
- إسلام أون لاين: التكاسل عن الصلاة الأسباب والعلاج.
- إسلام ويب: أسباب العزوف عن أداء الصلاة.
- خالد عبد المنعم الرفاعي: حكم التكاسل عن الصلاة.
- أحمد حسن: تسعة أسرار للحفاظ على الصلاة.
- د. خالد روشة: علاج الكسل عن الصلاة!