التفكير قوة متجددة لبقاء الفرد والمجتمع معا في عالم اليوم والغد، ومقابل الثورة المعلوماتية والتي تتضاعف باستمرار تبرز الحاجة الماسة لتعلم مهارات التفكير، والمعارف مهمة بالطبع ولكنها غالبا ما تصبح قديمة، أما مهارات التفكير فتبقى جديدة أبدا، وهي تمكننا من اكتساب المعرفة بغض النظر عن المكان والزمان أو أنواع المعرفة.
وقد دعا القرآن الكريم في كثير من آياته إلى التفكير، قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[الجاثية:13]، وورد في القرآن الكريم (129) آية تدعو إلى النظر، و(16) آية تدعو إلى التفكر، و(148) آية تدعو إلى التبصر، و(4) آيات تدعو إلى التدبر، و(7) آيات تدعو إلى الاعتبار، و(20) آية تدعو إلى التفقه.
روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي فأتاه بلال يؤذنه بالصلاة فرآه يبكي فقال: يا رسول الله أتبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؛ فقال: “يا بلال أفلا أكون عبدا شكورا”، ولقد أنزل الله علي الليلة آية: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ} [آل عمران:190]، ثم قال: “ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها”.
تعريف التفكير
التفكير هو مجمل الأشكال والعمليات الذهنية التي يؤديها عقل الإنسان، والتي تمكنه من نمذجة العالم الذي يعيش فيه، وبالتالي تمكنه من التعامل معه بفعالية أكبر لتحقيق أهدافه وخططه ورغباته وغاياته، وهو إعمال العقل في مشكلة للتوصل إلى حلها، وبتعبير آخر التفكير هو: (إجراء عمليّة عقليّة في المعلومات الحاضرة لأجل الوصول إلى المطلوب)، وبتعبير آخر أدق هو (حركة العقل بين المعلوم والمجهول)، ويمكن القول بأنه التصور الإجمالي والتفصيلي لواقع ما من حيث كنهه وعوامل تكوينه ومآلاته وطرق تحسينه وعلاج آفاته.
ويعتمد التفكير على عمليتي الاستقراء والاستنباط؛ ويتلخص الاستقراء في استنتاج الكليات من الجزئيات، ويعني الاستنباط استنتاج الجزئيات من الكليات، ويشتمل الاستدلال على هاتين العمليتين أن المادة الأساسية التي يتعامل معها الإحساس هي المثيرات؛ بينما المنبهات هي المادة الأساسية للانتباه، والمدركات هي المادة الأساسية للإدراك، أما المادة الأساسية التي يرتبط بها التفكير فهي المفاهيم، لأن التفكير يتعامل مع المعلومات المجردة.
أنواع التفكير
التفكير الإبداعي:
وهو نوع من أنواع التفكير يتطلب إمكانات ومناخًا اجتماعيًا ونفسيًا يحيط بالفرد فيتيح سلوكا ذا مواصفات خاصة، ويمر ذلك التفكير بمراحل: الإعداد والكمون والاستبصار والتحقق؛ فالإبداع هو عملية فكرية لها مراحل متتابعة تؤدي لإنتاج يتمثل في إصدار حلول متعددة تتسم بالتنوع والجدة.
ولأهمية التفكير الإبداعي في تكوين شخصيات تستطيع مواجهة تحديات المستقبل فإن هناك عدة جوانب لتنمية هذا التفكير تعتمد على محتوى خاص وإستراتيجيات خاصة، وتدريب الطلاب على أساليب تفكير معينة، أهمها التفكير العلمي، وتوفير جوانب وجدانية تساعد على الإبداع، وهذه الجوانب تتطلب شيوع مناخ عام في المجتمع يتسم بالحرية.
وبالنسبة يجب عليه اتباع أسلوب تنظيم المحتوى، وهو البدء بالكليات والعموميات لما لها من مرونة وشمولية تسمح للطالب بإدراك عدد كبير من العلاقات والتنوع والجدة، وأن يكون أسلوب عرض المادة العلمية قائما على الاستنباط ومن المفاهيم العمومية إلى الأقل عمومية، وتنظيم إستراتيجيات تدريس قائمة على إثارة التفكير وليس تقديم معلومات نهائية للطالب؛ حيث يحد ذلك من تفكير وإبداع الطالب؛ ومن هذه الإستراتيجيات: حل المشكلات، الاكتشاف، الألعاب، التفريد في التعلم، التدريب في جماعات صغيرة.
التفكير الاستدلالي:
وهو القدرة على استخدام أكبر قدر ممكن من المعلومات بهدف الوصول إلى حلول تقاربية.. سواء كانت هذه الحلول إنتاجية أم انتقائية، وتلك القدرة تسمى فهم العلاقات واستعمالها إما في صورة استقرائية أو في صورة استنباطية، والأولى تسير من الأجزاء للوصول إلى الكل بينما تسير الثانية في الاتجاه العكسي من الكل إلى الأجزاء المكونة لذلك الكل.
التفكير الاستقرائي:
هو عملية استدلال عقلي تستهدف التوصل إلى استنتاجات أو تعميمات من مفردات غالبا ما تتجاوز حدود الأدلة المتوافرة أو المعلومات التي تقدمها المشاهدات المسبقة، وهو بطبيعته موجه لاستكشاف القواعد والقوانين كما أنه وسيلة مهمة لحل المشكلات الجديدة أو إيجاد حلول جديدة لمشكلات قديمة أو تطوير فرضيات جديدة.
التفكير الاستنباطي:
هو عملية استدلال منطقي تستهدف التوصل إلى استنتاج ما أو معرفة جديدة بالاعتماد على فروض أو مقدمات أو معلومات متوافرة، ويتكون البرهان الاستنباطي من جزأين: يتضمن الجزء الأول منه مقدمة أو أكثر، تمهد الطريق للوصول إلى استنتاج محتوم في الجزء الثاني، بحيث لا يخرج عن حدود المعلومات الواردة في الجزء الأول.
التفكير البسيط:
تعبير يستخدم للإشارة إلى النشاطات العقلية غير المعقدة، التي تتطلب إحدى مهارات التفكير الأساسية التي تضم المستويات الثلاث الدنيا في (تصنيف بلوم للأهداف التربوية) وهي: التذكر والفهم والتطبيق، والمهارات الفرعية التي تتألف منها عمليات التفكير المعقدة مثل مهارات الملاحظة والمقارنة.
التفكير البنائي:
للبنائية أوجه متعددة تأمل كل منها أن يتسنى للفرد إدراك المعنى والمغزى اللذين يرمي إليهما هذا الفكر التربوي، ويؤكد كثيرون أن البنائية نظرية تعلم وليست مجرد مدخل تدريسي حيث يتمكن المعلمون من التدريس لطلابهم بطرق يطلق عليها بنائية إذا كانوا على دراية ووعي بالكيفية التي يتعلم بها هؤلاء الطلاب.
التفكير التباعدي:
هو القدرة على توليد بدائل منطقية أو معقولة من المعلومات المعطاة، وفيها يكون التركيز على التنوع والاختلاف والوفرة والندرة في النواتج والحلول.
التفكير التقاربي:
القدرة على توليد استنتاجات منطقية من المعلومات المقدمة، وذلك يعني أن الفرد يجهز المعلومات حتى يصل إلى اتفاقية تعتبر ناتجا تفكيريا من خلال تلك المعطيات والمعلومات.
التفكير التقييمي:
هو عملية عقلية تستهدف التوصل إلى إصدار حكم حول قيمة الأفكار أو الأشياء وسلامتها ونوعيتها وفق معايير محددة.
التفكير الحدسي:
الحدث يشير إلى قدرة الفرد على استغلال مقدار قليل من المعلومات للوصول إلى حلول ونتائج، وقد تظهر فجأة كما لو كانت لمعة فكرية خاطفة، كما أن التفكير الحدسي يقابل نوعا آخر من التفكير هو التفكير المحسوس الذي يتم في إجراءات متتابعة من أجل تحقيق هدف التفكير الحدسي نفسه وهو الوصول إلى حلول ونتائج.
التفكير غير الفعال:
وهو التفكير الذي لا يتبع منهجية واضحة دقيقة ويبنى على مغالطات أو افتراضات باطلة أو متناقضة أو ادعاءات وحجج غير متصلة بالموضوع، أو التوصل إلى استنتاجات ليست مبررة، أو إعطاء تعميمات وأحكام متسرعة، أو تبسيط الأمور المركبة، أو ترك الأمور للزمن أو الأحداث لتعالجها.
التفكير الفعال:
وصف لعملية التفكير الذي يستند إلى أفضل المعلومات الممكن توافرها، وتتبع فيه أساليب صحيحة في معالجة المعلومات، ويتطلب إجادة مهارات التفكير وتوافر عدد من القابليات الشخصية، كالانفتاح والموضوعية والمثابرة وعدم التسرع في إصدار الأحكام.
التفكير فوق المعرفي:
هو مفهوم يشير إلى عمليات التفكير العليا التي تتحكم في توجيه وإدارة نشاطات حل المشكلة أو اتخاذ القرار، ويتركز فيها وعي الفرد لذاته ولغيره أثناء القيام بالمهمات التي تتطلب معالجة للمعلومات، وهو نوع من الحديث مع الذات أو التفكير حول التفكير عن طريق التخطيط للأداء ومراقبة تنفيذ الخطة والتقييم، ويعرف بأنه قدرة الأفراد على تخطيط إستراتيجية من أجل استخدام عمليات فكرية تؤدي إلى إنتاج المعلومات المطلوبة وتتطلب هذه العمليات من الأفراد أن يكونوا على وعي تام بالخطوات والإستراتيجيات المتبعة أثناء اتخاذ القرارات كما تتطلب منهم أن يقوموا بتأمل أفكارهم وتقويم إنتاجية تفكيرهم.
التفكير المركب:
تعبير يستخدم للإشارة إلى مجموعة من العمليات العقلية المعقدة التي تضم التفكير الناقد والتفكير الإبداعي وحل المشكلات واتخاذ القرارات والتفكير فوق المعرفي، كما يستخدمه المربون للإشارة إلى المستويات العليا في تصنيف بلوم للأهداف التربوية والتي تضم مهارات التحليل والتركيب والتقويم فهو تفكير لا خطي أو أحادي البعد وإنما يشمل مجموعة من العمليات.
التفكير الموجه:
هو تفكير مقيد بهدف معين يحدده عادة شخص لآخر أو يحدده الشخص لنفسه.
التفكير الناقد:
هو نشاط عقلي مركب وهادف، محكوم بقواعد المنطق والاستدلال، ويقود إلى نواتج يمكن التنبؤ بها، غايته التحقق من الشيء وتقييمه بالاستناد إلى معايير أو محكات مقبولة، ويتألف من مجموعة مهارات يمكن استخدامها بصورة منفردة أو مجتمعة، وتصنف ضمن ثلاث فئات هي: مهارات الاستقراء، ومهارات الاستنباط، ومهارات التقييم.
كما يعرف بأنه مهارات للتمييز بين الفرضيات والتعميمات وبين الحقائق والآراء والادعاءات، والتمييز بين أنواع الأدلة وربط المقدمات بالنتائج، والتمييز بين المعلومات الزائدة والمعلومات الناقصة أو بين المعلومات المنقحة وغير المنقحة.
والتفكير الناقد هو أحد أنماط التفكير العلمي ويعتمد أساسا على الدقة في ملاحظة الوقائع التي تتصل بتفاصيل الموقف أو القضية التي تناقش، مع الموضوعية في الملاحظة، وهو تفكير يعتمد على تنمية مهارات أساسية تساعد في تكوين عمليات الاستدلال المنطقي المعتمد على الاستقراء والاستنباط وعمليات التحليل والتمييز والاستنتاج وعمليات التدريب على الإدراك الدقيق، مثل: الملاحظة، وتحديد أوجه الشبه والخلاف، والتجميع، والتصنيف، والتسلسل، والتركيب.
وهناك أساليب ودراسات مساعدة للتفكير الناقد، مثل: التدريب على أساسيات المنطق، واستخدام المحاورة والمناقشة، وتعود تقبل الرأي الآخر وتحليله والحكم عليه دون تعصب، أي تعويد الطالب المناقشة ووزن الأمور وتمحيصها وليس مجرد الاقتناع الأعمى في اتجاه واحد.
التفكير النمطي:
وصف للتفكير المقيد بالعادة والاستعمالات المألوفة للأشياء أو الذي تعوزه الأصالة، وأما من يوصف بأنه يفكر تفكيرا نمطيا فيغلب عليه الانغلاق ومقاومة التغيير وضعف الثقة بالنفس والميل للمجاراة وقلة الخبرات الحياتية.
التفكير الهندسي:
وهو شكل من أشكال التفكير أو النشاط العقلي الخاص بالهندسة، والذي يعتمد على مجموعة من العمليات العقلية متمثلة في قدرة الطلاب على القيام بمجموعة من الأنشطة الخاصة بكل مستوى من مستويات التفكير الهندسي التالية: التصور، التحليل، الاستدلال غير الشكلي، الاستدلال الشكلي والتجريد.
وعلى المربي أن يهتم بتعليم طلابه التفكير وليس مجرد سرد المعلومات واستظهارها؛ فذلك هو السبيل للحاق بركب التقدم ومواجهة تحديات المستقبل.
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.