خلق الله الرجل والمرأة وجعل بينهما عاطفة من أجل استمرار ديمومة الحياة وتعمير الأرض، إلا أنه جعلها في إطارها الطبيعي المتوافق مع تعاليم الله سبحانه وتعالى وهو الزواج الشرعي، حيث استقرار الفرد والمجتمع كله. وما يحدث خارج هذا الإطار (سواء كان سببه التغرير أو غيره) هو تدمير لمنظومة الكون التي وضعها الله جل وعلا.
وتعد التربية الحصن الحصين للشاب والفتاة، ومعرفة حدود الله وشرائعه تعد المنظم الرئيسي بينهما. غير أن كثيرًا من أصحاب القلوب من يتلاعب بمشاعر الفتيات خاصة الصغار تحت مسميات كثيرة سواء الحب أو المال أو إشباع الغرائز، وهي أمور شدد الإسلام على حرمتها وحث الوالدين على تحصين أولادهم منها.
فالأسرة والمجتمع مطالبان بحسن الرعاية والتربية والمتابعة ووضع العلاقة في إطارها السليم ومراقبة السلوكيات دون الصدام أو العنف المدمر.
كيف كرم الإسلام الفتاة؟
كرم الإسلام المرأة وأعلى من شأنها وحافظها على حقوقها، حيث كرمها أمًّا وزوجة وبنتا، فالنفوس المؤمنة الكريمة تفرح بالبنات، يقول محمد بن سليمان: (البنون نِعَمْ، والبنات حسنات، والله عزَّ وجلَّ يُحاسب على النِّعَم ويجازي على الحسنات)(1).
ولعظيم مكانة الفتاة اختصها رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الأحاديث لتعظيم مكانتها وتشريفها بين المسلمين فعن عائشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مَن ابتُلي بِشَيءٍ من البناتِ فصبرَ عليهِنَّ كنَّ له حجابًا من النَّارِ] (البخاري ومسلم والترمذي).
وعن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ مَن كانَ لَهُ ثلاثُ بَناتٍ فصبرَ عليهنَّ، وأطعمَهُنَّ، وسقاهنَّ، وَكَساهنَّ مِن جِدَتِهِ كنَّ لَهُ حجابًا منَ النَّارِ يومَ القيامَةِ] (صحيح ابن ماجه).
لم تشهد الفتاة تكريما في الأديان السابقة أو الحضارات مثلما شهدته في الإسلام، حيث عمل على الحفاظ عليها في كل مراحل حياتها، قال صلى الله عليه وسلم: [ لا تَكرَهوا البناتِ؛ فإنَّهنَّ المُؤنِساتُ الغالياتُ] (رجاله ثقات)(2).
مفهوم التغرير بالفتاة
التغرير بمعنى الاستغفال أو الاستمالة، أو خداع آخر بوسائل احتيالية قولية أو فعلية تحمله.
والتغرير مصدر غرر به أي: عرّضه للهلاك. وغَرَّرَ بِالفَتَاةِ أى أَغْوَاهَا، واِسْتَمَالَهَا، وفتاة غرة: أي قليلة التجربة. والتغرير في اللغة يدل على معنى الخداع (3)
وهو أن يتلاعب الشاب بمشاعر فتاة قليلة التجربة ليوقعها في حبائلة من أجل النيل منها بغرض سوء بعيد عن المسار الطبيعي العفيف الذي سنه الله لعباده. ويكون ذلك باستعمال وسائل تدليسية واحتيالية.
وعرف الأستاذ الزرقاء التغرير بقوله: الإغراء بوسيلة قولية، أو فعلية كاذبة؛ لترغيب أحد المتعاقدين في العقد، وحمله عليه(4).
حدود العلاقة بين الشاب والفتاة
خلق الله الكائنات من زوجين اثنين، لاستمرار ديمومة الحياة، وحدد أطرًا للعلاقة التي تجمع بين الرجل والمرأة، فأباح الحلال وحرم كل ما هو حرام.
والواقع الحالي تغير كثيرا عما عاشه الإنسان في الماضي، حيث تغيرت كثيرٌ من التقاليد والأعراف وحُوربت بعض تعاليم الإسلام من أجل طمسها (خاصة قضايا المرأة)، فجمعت ميادين الحياة بين الرجل والمرأة في كثير من نواحي الحياة مثل العمل والدراسة، مما استوجب وجود بعض الاحتكاكات بينهما، لكن الإسلام وضع حولها حمى ليحميها ويحمي الرجل أيضا.
فالعلاقة التي يستوجبها العمل أو المشاركة في أي مشروع (إن كان ضرورة) في إطار الاحترام المتبادل دون الخوض في أمور أخرى لا يحلها الشرع ولا يسمح بها، مثل محاولة بعض الشباب استغلال براءة البنات والتلاعب بمشاعرهن بحجة ما يسمى بالحب أو الزواج. وإن كان الإسلام لم يحرم الحب، لكن وضعه في إطار مشروع وهو الزواج، وما عبر بلفظه النبي صلى الله عليه وسلم حينما عبر عن حبه للسيدة خديجة رضى الله عنها، وحينما سأل عن أحب النساء إلى قلبه قال: عائشة.
ومن أجل وضع حدود بين الفتاة والشاب شدد الإسلام على عدم الاختلاط إلا للضرورة، كما لم يتهم الإسلام الحب الشريف الذي لا يكون في الظلام ويكلل بالنكاح، حيث روى عبدالله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم:[لم يُرَ لِلْمُتَحابَّيْنِ مثلُ النكاحِ](صحيح)(5).
الحكمة من عدم الاختلاط
خلق الله الرجل والمرأة من أجل تعمير الأرض واستمرارية الحياة في نطاق شرعي محكم بالزواج، وغير ذلك هي من الأمور التي حرمها الشرع الحنيف منذ القدم. وهي من دواعي عدم الاختلاط حتى لا يفسد المجتمعات بعلاقات خارج الشرع.
وحينما وضع الإسلام حدودًا للاختلاط كانت الحكمة من وضع هذه الحدود تجنب الفتنة، وثوران الشهوات ومن الدّواعي للوقوع في الفواحش والآثام، والتساهل فيه يؤدي إلى زعزعة قيم المجتمع الإسلامي المحافظ، وهو ما جاء في تشديد الله في قوله: {وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن} [الأحزاب:53].
يقول الإمام النووي: (وقال أصحابنا ولا فرق في تحريم الخلوة حيث حرمناها بين الخلوة في صلاة أو غيرها).
لكن الإسلام لم يحرم الاختلاط مطلقا فقد أجازه في حالات كالاختلاط لإجراء المعاملات الشرعية من بيع وشراء لمصالحها أو لعدم وجود رجل يتولاها. أو لأداء الشهادة، أو المشاركة في الجهاد لتطييب الجرحى وغيرها من الأمور التي أجازها الشرع الحنيف(6).
وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في التلاعب بالفتيات
يسر الله لعباده كثيرًا من المخلوقات للاستعانة بها في تعمير الأرض وخدمة الناس، إلا أن كثيرًا من الناس حاد بها عن مضمونها المشروع، وهدفها الموضوع.
ووسائل التواصل الاجتماعي كما أنها وسيلة في كشف الحقائق، وسرعة نقل الأخبار عبر الكرة الأرضية ومتابعتها لحظة بلحظة، إلا أن البعض حاد بها عن مضمونها وسعى لاستغلالها فيما لم يشرعه الله، ومنها سعي بعض الشباب (بل والمنظمات) التلاعب بمشاعر بعض الفتيات للتغرير بهن.
وهو ما يجب على الوالدين تنبيه أبنائهم بعدم صحة كل المعلومات الموجودة على الإنترنت، وعدم الإعجاب بأي شيء يُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي ومشاركته.
عبارات غزل وكلمات معسولة قد تكون بداية الطريق لصيد ثمين، والضحية هنا فتاة ترتبط بعلاقة حب أو صداقة مع أحد الشباب، لكن الحقيقة تخفي وراءها العديد من الأهداف غير النزيهة والبعيدة كل البعد عن شفافية المشاعر الصادقة وعظمتها والتي قد تطوي محاولات استغلال وابتزاز وكشف الستر عنها.
يقول خليفة المحرزي (رئيس المجلس الاستشاري الأسري بدبي): إن هذه النوعية من الرجال تسافر عبر قلوب النساء بالكلام المعسول الذي لا تستطيع المرأة أن تقاوم إغرءه؛ فتسحر بحديثه وتصبح مفتونة به حتى تمنحه ما يريد منها، والسبب الذي يوقع المرأة دائما هي حاجتها الفطرية إلى وجود الرجل لذا يسهل استدراجها في فخ الحب واستغلالها مادياً لاحقا، لأنها تسمع بقلبها لا بعقلها وهذا ما يجعلها تصدق أيَّ كلمة حب تُلقى على مسامعها، حتى وإن جاءتها من أكثر الرجال نفاقاً على وجه الأرض لأنها لا تستطيع تمييز الرجل الأكثر صدقا(7).
طرق تحصين بناتنا من تغرير الشباب بهن
الأسرة تعد الحصن الحصين للأولاد (خاصة البنات) فما يحاك لهن، ويجب على الوالدين:
- حسن الاستعانة بالله والدعاء لهن دائما مع زرع الثقة في نفسها.
- تجنب الدلال المفرط، مع تنمية مهارة صنع القرار وتكوين شخصية مميزة لديهن، وتشكيل قدوة حسنة لها، بالإضافة لقضاء وقت ممتع معهن، وتشجيعهن على التعبير عن أفكارهن بحرية.
- مصاحبة أبنائهن حتى يتعرفوا على أحوالهن وأخبارهن وأصدقائهن والأماكن التي يرتدنها، وأصحاب التواصل الاجتماعي.
- عدم التعامل بعنف مع مشاكل البنات، وإعطائهن الأمان إذا جاءت لتقص ما وقعت فيه ويجب أن نتعامل معها بلين ووضع حلول عملية تحافظ عليها.
- العناية بتربية الفتاة منذ الصغر على حسن الخلق وتعاليم الشرع الحنيف والأوامر التي افترضها الله عليها، وتدريبها عليها تدريبا محببا.
- التوعية واستخدام أسلوب القصص بعرض نماذج من الصالحات، والتحفيز والتشجيع منذ الصغر على الالتزام بأوامر الله سبحانه، ومكافأتهن بما يحببن على التزامهن.
- الحرص على تعليم الفتيات، فإن العلم النافع يزيدهن قربا من الله ومعرفة بتعاليم دينها وحقيقة خلقها، ومدى العلاقة التي تجمعها بالطرف الآخر، والحدود بينهما.
- تعريف الفتيات مدى العلاقة بينهن وبين الشباب، وما يجب أن يكون وما لا يجب أن يحدث، والتفريق بين الشباب الجاد والشباب الذي يتلاعب بالبنات.
- تقوية قيم مراقبة الله سبحانه وتعالى في نفوس بناتنا، وتنميته مما يحصنها من الوقوع في حبائل الشباب.
- تدريبهن وتوعيتهن بحسن اختيار الصحبة الصالحة النافعة التي تتقي الله وتراقبه ويخافون على بعضهن البعض.
- توعية الفتيات من خطر الانحراف أو الانجراف لما يقوله بعض الشباب، وطرق الدخول إليهن.
- تنمية المواهب لديهن والعناية بها وحسن استغلال الوقت فيما هو نافع لها ولأسرتها مثل إشراكهن في الأعمال المنزلية، وتنمية المهارات الرياضية المناسبة لهن، والتقليل من الجلوس على وسائل التواصل وغيرها، مع الحرص على تنمية مواهبهن الفنية كالرسم وغيره.
- تحذير البنات من تداول معلوماتهن الشخصية وعناوينهن وصورهن مع أي شخص؛ حتى لا يستغلها استغلالًا سيئًا، وعدم نشر صور خاصة على شبكة الإنترنت.
- توعيتهن بمخاطر الدخول في علاقات مع الشباب خارج إطار الزواج وأضرارها على نفسها وأسرتها ومجتمعها.
- تحذيرهن من الولوج إلى المواقع الضارة، مع مراقبة الوالدين لنوعية المواقع التي تلج إليها الفتاة وحظر الضار منها.
- تحذيرهن من قبول صداقة الشباب ما لم يكن قريبًا منها، أو دون معرفة الوالدين للوقوف على حقيقته وما يريد فعله.
- الحرص على إيجاد المواقع المفيدة التي تنمي مواهب أبنائنا، مع استخدام برامج الحماية وبرامج المراقبة الأبوية، والتي تسمح بعدم سرقة البيانات والدخول إلى المواقع التي يتم تصنيفها على أنها ضارة من قبل الأبوين، وتحديد بعض الأوقات للجلوس على الإنترنت.
- إشراكهن في مدراس القرآن الكريم، مع العمل على عقد لقاءات أسرية تربوية يجتمع فيها الجميع(8).
أخيرا
لقد عد الإسلام المرأة شريكة الرجل في الإنسانية، خُلقَا من أصل واحد، قال تعالى في سورة النساء: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً}[النساء:1].
وجعل الله العلاقة بين الذكر والأنثى في إطارها الشرعي، وحرم التغرير والتلاعب بمشاعر الفتيات العفيفات كحرمة غمزهن أو رميهن بالباطل، فالغش وخداع المشاعر لاشك أشد خطرا من غش الأموال. فالله مطلع ويرى ويحصي على الإنسان كل أفعاله فليحذر الشباب.
المصادر:
- عبدالملك القاسم: أطايب الجنى، دار القاسم للنشر والتوزيع، 2011، صـ21.
- تسأل عن حقوق المرأة في الإسلام: 29 سبتمبر 2005،
- تعريف و معنى تغرير في معجم المعاني الجامع:
- مصطفى أحمد الزرقا: المدخل الفقهي العام، جـ1، دار القلم للنشر والتوزيع، دمشق، 2004، صـ463.
- نهى عدنان قاطرجي: علاقة الحب بين الشاب والفتاة،
- إبراهيم بن محمد العبيكي: الاختلاطُ مراتبُه وحدودُه وضوابطُه، دار العقيدة للنشر والتوزيع – الرياض، 2016.
- النصب العاطفي.. احتيال يمارسه بعض الرجال: 20 أبريل 2012، ، وأنظر: عبدالرحمن بن رشيد الوهيبي، كيف نحافظ على بناتنا من الفتن،
- عبدالله داردونا: كيف نحمي ابنائنا من مخاطر الانترنت،