يعد التعاون على الخير من لوازم تربية النفس على الأخوة، ولا قيمة لهذه الأخوة إذا لم يعاون المسلم أخاه وينصره في الشدة ويرحمه عند الضعف، لأن اللبنة الواحدة ضعيفة بمفردها وقوية حينما تكون في وسط بناء متراص مشدود.
ولقد أكد الإسلام أنّ التعاون مفتاح أساسي لبناء مجتمع قائم على القيم الإنسانية، التي تعني الكفالة والمساعدة والرحمة والبر، فالله- سبحانه وتعالى- يأمر عباده المؤمنين بالمعاونة في الخيرات، وترك التناصر على الباطل والتعاون على المآثم والمحارم.
مفهوم التعاون على الخير
ويأتي مفهوم التعاون على الخير من “أعانه وأجاره وأيده.. ورافده وأغاثه وعاونه وعاضده وآزره وناصره.. وظافره وظاهره ومالأه، والعون: الظهير، ورجل معوان كثير المعونة للناس واستعان به فأعانه وعاونه وفي الدعاء: “رب أعني ولا تعن علي”، وتعاون القوم أعان بعضهم بعضا.
ويقول الشيخ عبد الرحمن السعدي- رحمه الله- في معنى التعاون على الخير أنه “الإتيان بكل خصلة من خصال الخير المأمور بفعلها، والامتناع عن كل خصلة من خصال الشر المأمور بتركها، فإن العبد مأمور بفعلها بنفسه، وبمعاونة غيره عليها من إخوانه المسلمين، بكل قول يبعث عليها، وبكل فعل كذلك”.
وقال ابن عثيمين- رحمه الله- إن التعاون معناه: التساعد، وأن يعين الناس بعضهم بعضا على البر والتقوى فالبر: فعل الخير، والتقوى: اتقاء الشر، وذلك أن الناس يعملون على وجهين: على ما فيه الخير، وعلى ما فيه الشر، فأما ما فيه الخير فالتّعاون عليه أن تساعد صاحبك على هذا الفعل وتيسر له الأمر؛ سواء كان هذا مما يتعلق بك أو مما يتعلق بغيرك.
وأما الشر، فالتعاون فيه بأن تحذر منه، وأن تمنع منه ما استطعت، وأن تشير على من أراد أن يفعله بتركه وهكذا، فالبر فعل الخير، والتعاون عليه والتساعد على فعله، وتيسيره للناس، والتقوى اتقاء الشر والتعاون عليه بأن تحول بين الناس وبين فعل الشر وأن تحذرهم منه؛ حتى تكون الأمة أمة واحدة.
التعاون على الخير في الإسلام
والآيات التي تتحدث عن التعاون على الخير والبر كثيرة، منها ما يؤكد أن هذا الخلق من صفات المؤمنين، يقول- عز وجل-: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة:71].
وأمر الله – جل وعلا- بالتعاون على البر، ونهى عن التعاون في الباطل، فقال- تبارك وتعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [المجادلة:9].
وأشار القرآن إلى التعاون في الدعوة من خلال طلب موسى- عليه السلام- من ربه أن يكون أخوه مساعدًا له في تبليغ الدعوة إلى الله، فقال: ﴿قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾ [طه: 25 – 32].
ومن مجالات التّعاون المهمة تلك التي بين الزوجين، يقول تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 228].
ومن أبواب التعاون، مساعدة الضعفاء كما جاء في قصة ذي القرنين، ﴿قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا﴾ [الكهف: 94 – 97].
وصف القرآن مجتمع الصحابة بأنهم: (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) [الفتح:29]، فالتراحم سمة أولى من سمات المجتمع المسلم. ومقتضى ذلك أن يشد القوى أزر الضعيف، وأن يأخذ الغنى بيد الفقير، وأن ينير العالم الطريق للجاهل، وأن يرحم الكبير الصغير، كما يوقر الصغير الكبير، ويعرف الجاهل للعالم حقه، وأن يقف الجميع صفاً واحداً في الشدائد والمعارك العسكرية والسلمية.
وأكدت السنة النبوية المطهرة، أهمية خلق التعاون بين المسلمين، فعن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-، عن النبي- صلى الله عليه وسلم-، قال: “الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ وَمُتَسَرِّعُهُمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلاَ ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ” (أبو داود والنسائي وابن ماجة وأحمد وصححه الألباني).
وروى عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، قال: – “المسلمُ أخو المسلمِ لا يظلِمُه ولا يُسلِمُه مَن كان في حاجةِ أخيه كان اللهُ في حاجتِه ومَن فرَّج عن مسلمٍ كُربةً فرَّج اللهُ بها عنه كربةً مِن كُرَبِ يومِ القيامةِ ومَن ستَر مسلمًا ستَره اللهُ يومَ القيامةِ” (البخاري ومسلم).
وعن أبي هريرة- رضي الله عنه-، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: “من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسرٍ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه” (مسلم).
وعن أبي موسي الأشعري- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: “عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ قيلَ: أرَأَيْتَ إنْ لَمْ يَجِدْ؟ قالَ: يَعْتَمِلُ بيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ ويَتَصَدَّقُ قالَ، قيلَ: أرَأَيْتَ إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قالَ: يُعِينُ ذا الحاجَةِ المَلْهُوفَ قالَ: قيلَ له: أرَأَيْتَ إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قالَ: يَأْمُرُ بالمَعروفِ أوِ الخَيْرِ قالَ: أرَأَيْتَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قالَ: يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ؛ فإنَّها صَدَقَةٌ” (البخاري ومسلم).
وفي الحديث الذي رواه مسلم عن أبي ذر الغفاري- رضي الله عنه- قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “عُرِضتْ عليَّ أعمالُ أُمَّتي حسنُها و سيِّئُها فوجدتُ في محاسنِ أعمالِها أنَّ الأذَى يُماطُ عن الطريقِ ، ووجدتُ في مساويءِ أعمالِها النُّخاعةُ في المسجدِ لا تُدفَنُ”.
والتّعاون مهم في التأليف بين قلوب المسلمين والإصلاح فيما بينهم، فعن أبي الدرداء- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى قال: إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة” (أبو داود والترمذي وابن حبان وصححه الشيخ الألباني رحمه الله).
وعن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: “كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَنْقُلُ التُّرَابَ يَومَ الخَنْدَقِ، حتَّى أغْمَرَ بَطْنَهُ، أوِ اغْبَرَّ بَطْنُهُ، يقولُ: واللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ ما اهْتَدَيْنَا، ولَا تَصَدَّقْنَا ولَا صَلَّيْنَا، فأنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا، وثَبِّتِ الأقْدَامَ إنْ لَاقَيْنَا، إنَّ الأُلَى قدْ بَغَوْا عَلَيْنَا، إذَا أرَادُوا فِتْنَةً أبيْنَا ورَفَعَ بهَا صَوْتَهُ: أبيْنَا أبيْنَا” (البخاري).
عن أبي سعيد الخُدرِيِّ- رضي الله عنه- قال: “بينما نحن في سفر مع النبي- صلى الله عليه وسلم- إذ جاء رجل على راحِلَةٍ له، فجعل يصرف بصره يمينًا وشمالًا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لا ظَهْرَ لَهُ وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لا زَادَ لَهُ”، فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحدٍ مِنَّا في فَضلٍ” (مسلم).
وسائل تربوية معينة
ومن الممكن الاستعانة ببعض الوسائل التربوية للتدريب على خلق التعاون على الخير والبر، من ذلك:
- غرس فكرة التعاون منذ الصغر: ويكون ذلك بالعطاء الإيجابي، حيث يمكن تبادل الأشياء مع الطفل ومعاونته في اللعب ومساعدته في الأمور التي لا يستطيع القيام بها، واختيار ألعاب زوجية، لتحفيز لديه الشعور بالتعاون مع أخيه أو قرانه في مثل سنه.
- تعاون الأسرة في البحث عن حل: وهي من الطرق التي تُنمّي خلق التعاون في نفوس الآباء والأبناء على السّواء، فالبحث الجماعي عن حل لمشكلة يولد مشاعر ألفة ومنافسة شريفة وإيجابية وحب للتعاون والمشاركة.
- التأكيد على أهمية روح الفريق: فالمشاركة في أنشطة جماعية ومشاريع تعزز روح العمل في فريق، والتواصل والتفاعل الإيجابي مع الأفراد.
- المشاركة في أنشطة تطوعية ومشاريع خدمية: وهو ما يعزز روح التفاعل مع الآخرين، حيث إن تجربة تقديم المساعدة والدعم للآخرين تسهم في تطوير خلق التعاون.
- القصص والحكايات: خاصة التي تحكي عن تجارب التعاون والعمل الخيري، ومناقشة هذه القيمة في الدروس التي يمكن استخلاصها من هذه القصص.
- المشاركة في المشاريع الاجتماعية: فهي تشجع على البحث والتحليل لحل مشكلة مجتمعية.
- ورش العمل: حيث يكون موضوعها حول مفهوم التعاون وكيفية تحفيزه، مع توفير فرص للتفاعل والتبادل بين المشاركين لتبادل الخبرات والأفكار.
- النماذج الإيجابية: تقديم نماذج إيجابية لأفراد يبرزون قيم التعاون والخير، ومناقشة حياة الشخصيات التاريخية أو الحديثة التي أظهرت تفانيها في خدمة الغير والتعاون على البر والتقوى.
- الحرص على الحضور في المناقشات الجماعية: خصوصًا التي يكون الحوار فيها حول قضايا اجتماعية تحتاج إلى التعاون للتغلب عليها، ولا بد من تشجيع تبادل الآراء والخبرات بشكل مفتوح واحترام الآراء المتنوعة.
- استخدام التقنية في التعاون: وذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة لتعزيز التواصل والتعاون والمشاركة بين الناس، كما يُمكن إطلاق مشاريع تعاون عبر الإنترنت للتواصل مع أفراد من جميع أنحاء العالم.
- تكريم الإنجازات التعاونية: وهي من الطرق العملية التي تعزز هذا الخلق بين الناس، حيث يمكن إقامة حفلات توزيع الجوائز لتشجيع على المزيد من الجهود الإيجابية.
- الاهتمام بالرياضة الجماعية: فهي تؤدي إلى بث روح التشاركية لدى الأفراد.
- حضور المناسبات الخاصة بالمسلمين: سواء في الأحزان أو الأفراح وتقديم العون فيها للناس.
إن الإسلام يُربّى المسلمين على التعاون على الخير والبر، بما يُحقّق مصلحتهم جميعًا، وبما يدفع عنهم كل مضرة، لأنّ الإنسان لا يستطيع أن يعيش وحده بعيدًا عن الناس، وما دام الإنسان محتاجا إلى غيره من النّاس فبالضرورة هم كذلك محتاجون إليه، ولا يمكن تبادل الاستجابة لتغطية هذه الحاجات إلا بالتعاون والمشاركة.
مصادر ومراجع:
- ابن منظور: لسان العرب 13/289.
- السعدي: تيسير الكريم الرحمن 2/238.
- إسلام أون لاين: التعاون .. أهميته ميادينه ومعوقاته.
- د. يوسف القرضاوي: التعاون والتناصر والتراحم.
- محمد صالح المنجد: تربية النفس على التعاون على الخير.