تشمل تربية الأبناء في ظل المنهج الإسلامي على الالتزام بتعظيم حرمة المسلم بناء على الأخوة الإسلامية التي تفرض عليهم واجب التعاون والتآزر، وحماية حقوق بعضهم البعض، وكذلك حفظ الكرامة بوصف الإنسان خليفة الله في الأرض، ووفقًا لأوامر الله تعالى في القرآن الكريم وأوامر النبي- صلى الله عليه وسلم- في السنة النبوية الشريفة.
وهذه الحرمة، تتضمن حرمة الدم، فلا يجوز قتل أي مسلم بغير حق، وحرمة المال، فلا يجوز الاعتداء على مال المسلم، سواء بالسرقة أو النصب أو أي وسيلة أخرى، وحرمة العرض فلا يجوز التطاول على عرض المسلم، سواء بالقول أو بالفعل، وحرمة الحريات، فلكل مسلم الحق في حرية الرأي والتعبير، وحرية العبادة، وحرية الحركة، وغيرها من الحريات الأساسية.
حرمة المسلم في القرآن والسنة
والآيات القرآنية والأحاديث النبوية أثبتت حرمة المسلم وأقرتها، فلا يجوز إيذاؤه والاعتداء عليه ولا على شيء مما يملك، فكل أذى للمسلم في دمه وماله وعرضه مُحَرَّم، والمسلم محفوظ ومعصوم الدم والمال والعِرْض، فقال- سبحانه وتعالى-: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء:93].
وقال الله- جل وعلا-: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ) [الفرقان: 68]، وقال تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الأنعام: 151].
واللهُ تعالى يقول: (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) [الحج: 30]. وقال سبحانه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10].
وحَرَّمَ اللهُ تعالى الغِيبَةَ، فقال سبحانه: (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ) [الحجرات: 12].
وتوعد الله- عز وجل- من آذى المؤمنين بغير جرم منه بقوله: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً) [الأحزاب: 58].
وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: “كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعِرْضه” (مسلم).
وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما-؛ قَالَ: “رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَطُوفُ بِالكَعْبَةِ وَيَقُولُ: “مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ، مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ! وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ؛ لَحُرْمَةُ المُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ، مَالِهِ، وَدَمِهِ، وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلَّا خَيْرًا” (ابن ماجه).
وجاء عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ –صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ النَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم- فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى حَبْلٍ مَعَهُ فَأَخَذَهُ، فَفَزِعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: “لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا” (رواه أبو داود).
ولحرمة المؤمن عند الله-عز وجل-، حرّم أخذ ماله بالنصب والتحايل والغش والتدليس، ولذلك من أخذ حق مسلم بالحلف الكاذب فقد أوجب على نفسه النار، فقد قال –صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ”، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: “وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ” (رواه مسلم).
ومن تلفظ بالشهادتين وأقام الصلاة فهو مسلم، تجرى عليه أحكام الإسلام؛ فعن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها وصلَّوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا، وذبحوا ذبيحتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم، إلا بحقها، وحسابهم على الله” (البخاري).
كيفية التربية على تعظيم حرمة المسلم
ومن الضروري تربية النشء في بداية طريقهم على تعظيم حرمة المسلم وصيانة أعراض المسلمين جميعًا، وذلك بمراعاة التالي:
- الأب والمربي القدوة: فالمربي هو النبراس والدليل العملي لمن يربيهم، وظهور التعظيم لحرمة المسلم على سلوكه هو الأساس، فالقدوة لها أثر كبير في الأبناء والمتعلمين.
- التربية المنهجية على التعظيم للحرمات: مع التحذير من الاستهانة بها، واختيار المناهج التي يصب مفهومها في ذلك، ويرجى ههنا أن تكون المناهج تطبيقية مع الواقع، وواصفة طرائق التعامل معه، مع تحذيرها من طرق الانحراف وسبله.
- التحذير من المناهج المنحرفة: وبيان مواطن انحرافها، خصوصا تلك التي تسخر من الشعائر وتنتهك الحرمات.
- متابعة تشرب القلب لتعظيم الشعائر: وعلامته تظهر في السلوك وعلى اللسان، ومن علاماته توقيرها، وحسن الحديث عنها، والتألم لانتقاصها، والحرص عليها.
- تعليم الأبناء توقير الله سبحانه: فهو رب الشعائر والحرمات، لذا على الآباء السعي الدؤوب نحو بث توقير الله سبحانه وتعظيمه في نفوس المتربين، سواء أكان ذلك بالحديث عن عظمته سبحانه، أو الحديث عن خلقه- عز وجل- أو بالحديث عن إعجاز كتابه أو بكثرة ذكره- عز وجل-، أو باللجوء إليه والدعاء له والتبتل على بابه.
- بيان فضل تعظيم حرمة المؤمن: فهي من تقوى القلوب، ويلزم بث التخويف من عذاب الله سبحانه عند الاستهانة بشعائره وحرماته، وتدبر الآيات والأحاديث الدالة على هذا التخويف والتعظيم.
- التعاون والمشاركة في الذب عن الحرمات: ولا بد من الرد على منتقصيها، والمشاركة في اتخاذ الوسائل لعدم تكرار ذلك.
- نشر ثقافة الأدب مع الحرمات: واستغلال وسائل الإعلام المختلفة في ذلك، وعقد الندوات والمؤتمرات والمحاضرات والفعاليات المختلفة للحديث عنها والتحذير من انتقاصها.
إنّ احترام حرمة المسلم يُساهم في بناء مجتمع متماسك قائم على التعاون والتآزر، ويمنع انتشار الجريمة والفوضى، ويُرسّخ القيم الإسلامية السامية: مثل العدل والرحمة والتسامح، وهو مفهوم إسلامي عظيم يجب على كل مسلم أن يتحلى به، وأن يعمل على غرسه في أبنائه لحماية حقوق الآخرين، واحترام كرامتهم، وهي من أسمى مظاهر الإيمان.
مصادر ومراجع:
- محمد بن إبراهيم النعيم: حرمة المؤمن.
- د. مهران ماهر عثمان: حرمة المسلم.
- إسلام ويب: حرمة المسلم.
- إسلام أون لاين: حرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى من حرمة الكعبة.
- طريق الإسلام: تعظيم الدماء.