سعى الإسلام منذ انتشاره إلى غرس التربية على الحقوق في نفوس أبنائه، فهو لم يكن مُجرّد عقيدة سماوية روحية خلّاقة فحسب، بل كان وما زال يشكل منهجًا فكريًّا يشتمل على منظومة من الأنساق التربوية والفكرية والاجتماعية للوجود الإنساني، ومنهجًا عملي ومنطق حياة ورسالة إنسانية تتميز بأسمى عطاءات الخلق والإبداع.
وترى رابعة حسن، في بحثٍ لها، أنّ تربية الإنسان تأخذ مركزًا جوهريًّا في نسق العقدية التربوية الإسلامية، ولا يُمكن أبدًا الفصل بين الجوانب التربوية والجوانب العقائدية في الإسلام، لأن الفكر التربوي ينبثق من صلب العقيدة ويبلورها حقيقة إنسانية مسكونة بأسمى التوجهات الروحية الخلاقة.
مفهوم التربية على الحقوق
إن التربية على الحقوق يُقصد بها “كل نوع من التعليم يُساعد على بناء المعارف والمهارات والمواقف والسلوكات المتعلّقة بحقوق الإنسان”. وهذا النوع من التربية ليس تربية معرفيّة بل هي تربية قيميّة بالدرجة الأولى، فاهتمام هذه التربية بالجانب المعرفي لا يعدّ قصدا نهائيًّا من هذه التربية، فهي تتوجّه إلى سلوك المتعلّمين.
وبعبارة أخرى ليس هاجس التربية على حقوق الإنسان تحويل المتعلّمين إلى حفظة للمواثيق الدولية الضامنة لحقوق الإنسان، وحشو أذهانهم بها، حيث إنّها لا تكتفي بحشد الذهن بمعلومات حول الكرامة والحرّية والمساواة والاختلاف، وغير ذلك من الحقوق، بل إنها تقوم- أيضًا- على تمكين المتعلّم من ممارسة تلك الحقوق وأن يُؤمن بها وجدانيًّا ويعترف بها كحقوق للآخرين، وأن يحترمها كمبادئ ذات قيمة عليا. إنّها ليست تربية معارف فقط، وإنّما هي تربية للقيم وللحياة وللمعيشة.
أهمية التربية على الحقوق
لا تتعلق أهمية التربية على الحقوق بتوفير المعارف والمهارات فحسب، وإنما تتعلق- أيضًا- بتعزيز الاتجاهات والمواقف والسلوكيات التي تسمح للناس بالمشاركة في حياة مجتمعاتهم المحلية والوطنية بطريقة بناءة يحترمون بها أنفسهم والآخرين، وينبغي للأجيال أن يتعلموا حقوق الإنسان من خلال معايير ومبادئ حقوق الإنسان وهي تنفذ في الواقع العملي، وفي قاعة الدرس، وفي المنزل، وباقي مؤسسات التنشئة الاجتماعية.
وتشمل التربية على حقوق الإنسان مجموعة من البرامج التربوية الفعالة، في القطاعات الرسمية وغير الرسمية، التي تنفذها بعض المنظمات الدولية، وبهذا الصدد فإن هذه التربية وفقًا لهذه المنظمات تركز على الأمور الآتية:
- شمولية حقوق الإنسان وعدم قابليتها للتجزئة.
- زيادة المعرفة بحقوق الإنسان وتفهمها.
- تمكين الأشخاص من المطالبة بحقوقهم.
- مساعدة الأشخاص على استخدام الصكوك القانونية التي وضعت لحماية حقوق الإنسان.
- تطوير المهارات اللازمة للدفاع عن حقوق الإنسان.
- دمج مبادئ حقوق الإنسان في الحياة اليومية.
- التشجيع على الاحترام والتسامح.
مبادئ تربية الإنسان على الحقوق في الإسلام
تستمد التربية على الحقوق في الإسلام مبادئها وأسسها من المصادر الرئيسية لهذا الدين الحنيف، وتنطلق من المنطلقات الأساسية التي أجمعت عليها الأمة الإسلامية، وعمل بها السلف الصالح، باعتبار أن التربية في حياة الأمة هي تعبير صريح عن عقيدتها وفلسفتها، وتنعكس من خلالها تصوراتها وأهدافها من الإنسان، وتعكف على تحقيق غايتها منه.
ومبادئ حقوق الإنسان في الإسلام تتمثل في:
المبدأ الأول: أهمية ربط الحقوق الإنسانية بمرجعية تراعي المعتقدات والقيم الدينية التي أوصى بها الله سبحانه وتعالى.
المبدأ الثاني: ضرورة ربط الحقوق بالواجبات من خلال مفهوم يرتكز على قاعدة التوازن بين وظائف الإنسان واحتياجاته في بناء الأسرة والمجتمع وعمارة الأرض، على نحو لا يتعارض مع إرادة الله تعالى.
المبدأ الثالث: اعتبار إسهام المنظمات غير الحكومية في الجهود المبذولة في إعادة صياغة المواثيق والمبادئ المتعلقة بحقوق الإنسان عاملًا إيجابيًا في تحقيق الشمولية المطلوبة ومساعدتهم لتكامل الرؤى والجهود الإنسانية الساعية لحماية الإنسان وضمان حقوقه.
المبدأ الرابع: تشجيع الحوار بين الثقافات والحضارات بما يساعد على تفهم أفضل لحقوق الإنسان، وبما يجنب المجتمعات البشرية ويلات الصراع والنزاع المسلح وما ينتج عن ذلك من آثار سلبية على الإنسان والبيئة.
المبدأ الخامس: العمل على توفير الأسباب والوسائل التي تحقق نبذ التمييز بين أفراد المجتمع البشري على أساس من الجنس أو اللون أو اللغة أو الانتماء الوطني.
حقوق الإنسان في الإسلام
ويتمتع الإنسان في ظل التربية على الحقوق في الإسلام، بحقوق عديدة، نذكر خمسة منها على النحو التالي:
- الحق في حرية الرأي والفكر: فقد دعا الإسلام إلى حرية الفكر، وخلّص العقل من سلطان الماضي وتحكم الآباء، واستعباد العرف والتقاليد. وأمر بالنظر في عجائب الكون، وضرب في ذلك أمثلة تتفتح لها الأذهان: ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ…﴾ [الأعراف: 185]، ومن الثابت أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يفسح المجال للرأي الحر والفكر الصريح، ويعيب على الرجل الإمعة الذي إن أحسن الناس أحسن وإن أساؤوا أساء.
- حق المساواة: فعلى عكس التمييز العنصري الإسلام دين السماحة المطلقة دون منازع، وإن كان يصعب على مراقبي الغرب تفهم ذلك، ولكن هذا هو الإسلام أحق بالحق، فإلحاح الإسلام على ضرورة السماحة والتسامح راسخ في القرآن الكريم.
- الحق في العدل بين الناس: فنجد قيمة العدل في الإسلام عالية متألقة تتصدر كل القيم التي يدعو إليها الدين، فهو المقصد الأول للشريعة، وكل السبل التي تكفل تحقيقه هي سبل إسلامية شرعية، حتى لو لم ينص عليها الوحي أو ترد في المأثورات. بل إن “العدل” اسم من أسماء الله الحسنى، وصفة من صفاته سبحانه وتعالى.
- الحق في محاكمة عادلة: تعد العدالة في الإسلام من أهم مبادئه الأساسية وعلى دعائمها تقوم العلاقات بين الدولة والأفراد، كما تقوم عليها جميع الروابط فيما بين هؤلاء، لأن الناس في نظر الإسلام متساوون وهم كأسنان المشط، على حد ما وصفهم به الرسول الأعظم- صلى الله عليه وسلم-، ولأن الظلم الذي يكرهه الله- سبحانه وتعالى- واجب الرفع من بينهم ولو كان صادرًا عمن يلي أمرهم. قال الله عز وجل: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾[ص: 26]، كما وجه الخطاب إلى المؤمنين قائلا: ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ [النساء: 58]، وحذر من أي انحراف عن العدل بقوله: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى… ﴾[المائدة: 8].
- حقوق وواجبات أثناء الحرب: إن مبادئ الإسلام واضحة أشد الوضوح فيما يتعلق بالحرب، فقد أنشا لها الإسلام من الآداب والتقاليد ما لم يسبق للبشرية أن عرفت مثله قبل الإسلام ولا تقيدت بنظائره أمة في جميع العصور والأزمان، فقد أوجب الإسلام على القادة والجنود المتحاربين الالتزام بما يتفق مع الشهامة والنبل والامتناع عن كل ما يشين كرامة الإسلام.
لقد أدت التربية على الحقوق في الإسلام إلى انتشار هذا الدين بين الناس، وعمّ نوره البقاع العربية في القرون الهجرية الأولى، وأخذ الدعاة ينشرون مبادئ هذه الشريعة السمحة في شتى الأمكنة والبلاد، وحملوا معهم راية هذا الدين الحنيف إلى كل مكان استطاعوا الوصول إليه، وكل أرض عرفوا أن فيها أشخاصًا لم تبلغهم دعوة الإسلام ولم يعلموا بأمرها.
وكان الإسلام سباقًا إلى الإقرار للإنسان بحقوقه، وإلي الحث على صون هذه الحقوق وحفظها، وإلى إحاطتها بالرعاية وشمولها بالعناية من أولى الأمر. وهذه الحقوق هي من الثوابت التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي، فهي ليست حقوقًا سياسية ودستورية فحسب، وليست حقوقًا طبيعية كما يعبر عنها في القانون الوضعي، لكنها في الإسلام واجبات دينية يُكلف بها الفرد والمجتمع، كل في نطاقه، وفي حدود المسئولية التي ينهض بها.
وبذلك فإن الفرد في المجتمع الإسلامي يتشرب هذه الحقوق، ويتكيف معها، بحيث تصبح جزءًا من مكوناته النفسية والعقلية والوجدانية، ويحافظ عليها، لأن في المحافظة عليها أداء لواجب شرعي، وليس من حقه أن يفرط فيها، لأن التفريط فيها تقصير في أداء هذا الواجب.
المصادر والمراجع:
- الصديق الصادق العماري: التربية على حقوق الإنسان والمواطنة، مجلة علوم التربية، العدد 59، ص 32-33.
- التربية على حقوق الإنسان .
- التربية وحقوق الإنسان https://bit.ly/3K4DfoI.
- واقع التربية على حقوق الإنسان وآفاقه https://bit.ly/3xPRdbr.
- الإسلام وحقوق الإنسان https://bit.ly/3xMEZ3t.