لا يزال كثيرٌ من الآباء والأمهات يعتمدون أسلوب التربية بالعنف واستخدام القوة لإخضاع الطفل وتوجيه سلوكه، وعلى الرغم من اعتقاد البعض بأنها وسيلة فعّالة للتّأديب، فإنّ الأبحاث العلمية والدراسات النفسية أثبتت بشكل قاطع أنّ هذه المُمَارسة لها آثار سلبية عميقة على نفسية الطفل، وتؤدي إلى نتائج عكسية تمامًا.
وأسباب هذا النّوع من التّربية عديدة، منها: تقليد بعض الآباء لهذه الممارسة التي نشأوا عليها، ويرونها هي الطريقة الصحيحة للتربية، إضافة إلى الإحباط الذي قد يشعر به الآباء بسبب عدم قدرتهم على التحكم في سلوك أطفالهم، فيلجؤون إلى العنف كحل سريع، وقلة المعرفة بالآثار السلبية للعنف على الأطفال، والضغوط الاجتماعية والتوقعات الثقافية التي تدعم استخدام العنف في التربية.
أسباب التربية بالعنف
وتتعدد أسباب اللجوء إلى أسلوب التربية بالعنف والقسوة، ومن ذلك ما يلي:
- الجهل بتأثير أسلوب العنف: وهو يحتل مكان الصدارة بين الأسباب، ولو أدرك الآباء والأمهات ما لأسلُوب التسلط من آثار سلبية على شخصية الطفل ومستقبله فسيتجنبون ما أمكنهم استخدام هذا الأسلوب.
- التسلط: وهو يعود إلى الخلفيات التربوية والاجتماعية التي أثرت على الأب والأم في طفولتهما.
- سوء تقدير: حيث يعتقد البعض بأن العنف هو الأسلوب الأسهل في ضبط النظام والمحافظة على الهدوء، وأنه لا يكلف الكثير من العناء والجهد.
- عدم الإلمام بمفهوم العنف: فالبعض يدرك التأثير السلبي للعقوبة الجسدية ويمتنع عن استخدامها، لكنهم في الوقت نفسه يستخدمون العقاب المعنوي باللجوء إلى قاموس من المفردات النابية ضمن إطار التهكم والسخرية والاستهجان، وهو أقوى من العقوبة الجسدية.
- الصدمات النفسية: من الممكن أن يظهر الأشخاص الذين عانوا من صدمات نفسية سلوكيات عنيفة، نتيجة عدم القدرة على معالجة المشاعر والتجارب الصعبة.
- الفقر والبطالة: فالظُّروف الاقتصادية الصعبة، مثل: الفقر والبطالة، من العوامل التي تزيد من احتمالات حدوث العنف داخل الأسرة.
- الإجهاد والاكتئاب: تؤدي الحالات النفسية السلبية، مثل: الإجهاد والاكتئاب، إلى تصاعد التوترات وزيادة احتمالية العنف داخل الأسرة.
- التحكم والسيطرة: قد تنشأ رغبة الفرد في التحكم والسيطرة على الآخرين نتيجة الشعور بالعجز، ما يؤدي إلى السلوك العنيف.
- الإدمان: يعد الإدمان على المواد أو السلوكيات سببًا مهمًّا للعنف، فيؤثر في الحالة النفسية للفرد ويقود إلى التفاقم في العنف.
آثار التربية بالعنف
وتؤدي التربية بالعنف إلى مشكلات وعواقب نفسية للأطفال، منها:
- فقدان إحساس الأمان الذي تُوفّره الأسرة الطبيعية.
- افتقارهم للمهارات اللازمة لحلّ المشكلات والسيطرة على الغضب والسلوك العدواني.
- مشاعر الاستياء تجاه الطرف الجاني (المعنِّف).
- العزلة عن الأصدقاء والأقارب، والخجل، والقلق المفرط من أيّ خطر محتمل.
- تجنّب المشاركة الاجتماعية، أو الانخراط في أيّة فعاليّات وأنشطة اجتماعية لتجنّب إمكانيّة التعرّض إلى المواقف المحرجة.
- فقدان الشعور بالتعاطف مع الآخرين أو محاولة فهم شعورهم.
- التسرب من التعليم، حيث يتأثر الأداء الأكاديمي للأطفال المتعرضين للعنف، وهذا قد يؤدي إلى التسرب المبكر من المدارس.
- تعاطي المخدرات: فالأطفال الذين يتعرّضون إلى العنف، قد يلجؤون إلى المواد المخدرة فيما بعد، إذ يرون أنها وسيلة للتعامل مع الآلام والضغوطات.
- زيادة معدلات الجريمة: فالعنف قد يُسهم في تصاعد معدلات الجريمة في المجتمع.
- الإصابات الجسدية: وهي تتنوع بين الكسور أو الجروح أو الرضوض، التي ربما تتطلب التدخل الطبي لعلاجها.
- اضطراب الصحة النفسية: فمعظم ضحايا العنف لديهم اضطرابات نفسية، مثل الاكتئاب والقلب واضطراب ما بعد الصدمة.
- ظهور شخصية الطفل العدواني: حيث تظهر معظم الدراسات أن القسوة التي يتعرض لها الأطفال تتسبب في اتجاههم إلى العدوانية في تعاملهم من أقرانهم.
- الاكتئاب: وهو أبرز الآثار النفسية الناتجة عن العنف، حيث يشعر الأفراد باليأس والحزن الدائمين، وقد يصل الأمر إلى فقدان الأمل.
- القلق: ويؤدي العنف إلى الشعور المستمر بالتوتر والخوف من المستقبل، وهو ما يؤدي إلى اضطرابات في النوم والشهية.
- الحقد على المجتمع: فالعنف يجعل الطفل حاقدًا على المجتمع، ويكوّن عنده نوعًا من النفاق الاجتماعي، فهو سيُصلي إذا كنَّا مجودين، وسيدرس إذا كانت العصا على رأسه، وإذا ذهب إلى المدرسة، ووجد ذات العنف فيها تكتمل الكارثة.
- فقدان الأمن: إذا وجد الطفل المعاملة القاسية العنيفة من والديه فإنه يفقد أمنه، ويفتقد إلى طمأنينته، ويهرب إلى جهة يحتمي بها، وعندها يقع في حبائل رفقة السوء.
- صعوبات في التعلم: يؤثر العنف سلبًا على قدرة الطفل على التركيز والتعلم.
- تخريب العلاقة بين الوالدين والطفل: حيث يؤدي العنف إلى تدمير الثقة المتبادلة بين الوالدين والطفل، ويجعل من الصعب بناء علاقة صحية وقوية.
التربية بالعنف والقسوة ليست هي الحل في رعاية وتربية الصغار- مهما كانت سلوكياتهم وأفعالهم-، إذ لا بد من التربية بالحب والحوار لبناء أجيال واعية ومتوازنة، لذا على الآباء والأمهات بذل قصارى جهدهم لفهم طبيعة شخصية الطفل، ولا ينصح بمعاملة الأطفال جميعًا بالطريقة نفسها والقول نفسه، فلكل طفل طبيعته الخاصة.
مصادر ومراجع:
- سامح عودة: التربية بالعنف.. السعي لتعليم الطفل أم للسيطرة عليه؟
- حمزة النهيري: سؤال العنف في تربية الأبناء.. مقاربة فقهية تربوية.
- أدونيس غزالة: التربية في متاهة العنف.
- أحلام عوض: أثر التربية بالعنف والقسوة على نفسية الأطفال وطرق تجنب التربية بالقسوة والعنف.
- د. أحمد الفرجابي: آثار العنف على الطفل على الصعيدين العائلي والمدرسي.