حثّ النبي- صلى الله عليه وسلم- على التربية بالرفق في مختلف أقواله وأفعاله، فكان يُعامل الصغار بالرحمة واللين، ويُراعي مشاعرهم واحتياجاتهم، وهو ما يساعد على بناء شخصية قوية، ومُتوازنة، ومُتحمّلة للمسؤولية، وقادرة على التعامل مع مختلف المواقف بحكمة.
وتُساعد تربية الأبناء برفق على تعزيز القيم الإيجابية لديهم، مثل: الرحمة، والعطف، والتسامح، والاحترام، بالإضافة إلى خلق بيئة إيجابية مليئة بالحب والاحترام، وخالية من العنف والتنمر، وتُساعد على تربية أجيال مُتسامحة مُحبة للخير، وتسعى لنشر السلام في المجتمع.
كيفية تطبيق التربية بالرفق مع الأولاد
والنجاح في تطبيق التربية بالرفق مع الأولاد يتطلب من الآباء والأمهات والمربين الالتزام بالوسائل والنصائح التالية:
- التحدث مع الأطفال: وأن نُخبرهم دائمًا بحبنا لهم، حتى مع إزعاجهم، أو التسبب في إثارة غضبنا في بعض الأحيان، فعلى الأب أن يعبّر عن فخره بطفله، وأن يخبره أنه في مقدمة أولوياته، وتفكيره حتى وإن كان بعيدًا عنه.
- التعبير عن الفرح: وذلك أثناء قضاء الوقت مع الطفل، وأن نُخبره بأن الوقت الذي نقضيه معه هو أفضل جزء من يومنا.
- ترك هاتفك المحمول: عندما نقضي وقتًا مع الطفل، حيث سيشعره ذلك بأن هذا الوقت مخصص له وحده.
- مدح الطفل: أثناء القيام بأعمال إيجابية وهو ما يعزز ثقته بنفسه، وحبه لذاته.
- اللعب مع الطفل: ومشاركته اهتماماته حتى وإن كانت لا تتناسب مع اهتماماتنا، وميولنا، ووقتنا.
- عرض الرسومات التي يرسمها الطفل: وذلك في مكان بارز في المنزل، حيث سيعزز ذلك مهاراته، ويزيد من حبه للفن، ويعطيه دافعًا إلى الأمام للإبداع والابتكار.
- مشاركة القصص مع الأطفال: بأن نخبرهم عن الوقت الذي جاءوا فيه إلى الحياة، وعن الطريقة التي تم اختيار اسمهم من خلالها.
- التّحدث مع الطفل عن الألوان المفضلة: وعن الطعام المفضل، ونناقش معه عدة أمور في الحياة.
- القراءة والاستماع: للطفل بعض الكتب، والقصص الممتعة.
- اصطحاب الطفل إلى بعض الأماكن: مثل الحدائق، أو مكتبات الأطفال لقراءة الكتب الممتعة.
- الاستماع بشغف لحديث طفلك: ولأسئلته المتكررة حتى وإن كانت أسئلة غير مهمة.
- عمل المفاجآت: فيمكن تنظيف غرفة الطفل بشكل جميل، وجذاب، وشراء الطعام المفضل له مثل الشوكولاتة.
- إعداد الطعام للطفل بشكل جديد، وجذاب له، وقد يكون ذلك عن طريق تشكيله بأشكال مميزة يحبها.
- تكوين علاقة وثيقة مع الطفل: وعلى الأب أو الأم أن يتعاملا مع الطفل بحنان وإيجابية.
- امتصاص الغضب: وذلك عندما يرتكب الطفل خطأ ما، فالصراخ لا يُعدّ حلًا جيدًا للمشكلات.
- السماح للطفل باتخاذ بعض القرارات الخاصة به: وذلك يكون بين الحين والآخر، وأن نقدم له مجموعة خيارات متاحة ليختار بنفسه.
- الاستماع والتفاعل مع مشاعرهم: الاستماع بعناية إلى مشاعر الطفل والتعبير عن الفهم والتعاطف معهم حين يشعرون بالحزن أو الخوف أو السعادة.
- تقديم الحماية والأمان: يوفر الوالدان بيئة آمنة ومألوفة للطفل حتى يشعر بالأمان والثقة في التعامل مع العالم الخارجي.
- تشجيع الطفل على الاستكشاف والتعلم: حيث يدعم الوالدان رغبة الطفل في الاستكشاف والاكتشاف من خلال توفير الفرص المناسبة واللعب التعليمي.
- الانحناء للوصول إلى مستوى الطفل: وذلك عند التحدث معه، حيث سيشعره ذلك بأننا نفهم ما يقوله بشكل تام.
- التعامل اللطيف: يتضمن ذلك التحدث بلطف مع الطفل، ومعاملته برقة وحنان دون اللجوء إلى العنف الجسدي أو اللفظي.
- تلبية احتياجاتهم الأساسية: من بين هذه الاحتياجات الغذاء والنوم والراحة، يهتم الأهل بتلبية هذه الاحتياجات بانتظام وبأسلوب حنون.
- التفاعل العاطفي: يعني أن يظهر الوالدان الحب والاهتمام لأطفالهم من خلال العناق والقبلات والكلمات الدافئة والتشجيع.
نماذج من التربية بالرفق
وتتعدد نماذج التربية بالرفق مع الأولاد في السيرة النبوية وسيرة صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأتباعه، من ذلك:
- عن عائشة- رَضِيَ اللهُ عَنْهُا- قالت: “كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يُؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم ويدعو لهم” (البخاري)
- وعن أنس- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: “كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ويمسح على رؤوسهم” (النسائي).
- وعَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ أَنَّهُ قَالَ: “خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-، وَدُعِينَا إِلَى طَعَامٍ فَإِذَا حُسَيْنٌ يَلْعَبُ فِي الطَّرِيقِ. فَأَسْرَعَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- أَمَامَ الْقَوْمِ، ثُمَّ بَسَطَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَمُرُّ مَرَّةً هَاهُنَا وَمَرَّةً هَاهُنَا، يُضَاحِكُهُ حَتَّى أَخَذَهُ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ فِي ذَقَنِهِ وَالْأُخْرَى فِي رَأْسِهِ. ثُمَّ اعْتَنَقَهُ فَقَبَّلَهُ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: “حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، سِبْطَانِ مِنَ الْأَسْبَاطِ”. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَسَلَكَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ).
- وعن أنس- رضي الله عنه- قال: رأى النبي- صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- النِّسَاءَ والصِّبْيَانَ مُقْبِلِينَ – قالَ: حَسِبْتُ أنَّه قالَ- مِن عُرُسٍ، فَقَامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُمْثِلًا فَقالَ: اللَّهُمَّ أنتُمْ مِن أحَبِّ النَّاسِ إلَيَّ. قالَهَا ثَلَاثَ مِرَارٍ”، يعني بذلك الأنصار (البخاري).
- وروى عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: أَتُقَبِّلُونَ صِبْيَانَكُمْ؟ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: “أَوَأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ؟” (البخاري ومسلم).
- وقال أنس بن مالك- رضي الله عنه-: دخلنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، على أبي سيف القَيْن (الحداد)، وكان ظِئْرًا (المرضعة) لإبراهيم- عليه السلام-، فأخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إبراهيم، فقَبَّله وشمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف- رضي الله عنه-: وأنت يا رسول الله؟! فقال: “يا ابن عوف إنها رحمة ثم أتبعها بأخرى، فقال- صلى الله عليه وسلم-: “إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون” (البخاري، ومسلم).
- وعن عبد الله بن شداد، عن أبيه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشي، الظهر أو العصر، وهو حامل الحسن أوالحسين، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه، ثم كبَّر للصلاة، فصلى فسجد بين ظهري صلاته سجدة أطالها، قال: إني رفعت رأسي، فإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فرجعت في سجودي، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة، قال الناس: يا رسول الله، إنك سجدت بين ظهري الصلاة سجدة أطلتها، حتى ظننا أنه قد حدث أمرٌ، أو أنه يُوحى إليك، قال: “كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني- ركب على ظهري-، فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته” ( رواه النسائي).
- وعن أبى هريرة- رضي الله عنه-، أن الأقرع بن حابس أبصر النبي- صلى الله عليه وسلم- يُقَبِّل الحسن، فقال: إن لي عشرة من الولد ما قبَّلت واحدًا منهم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “إنه من لا يَرحم لا يُرْحم” (البخاري).
- وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: خرج النبي- صلى الله عليه وسلم- في طائفة النهار لا يكلمني ولا أكلمه، حتى أتى سوق بني قينقاع، فجلس بفناء بيت فاطمة، فقال: “أثَمَّ لُكَع، أَثَمَّ لُكَع -أين الحسن-؟!”، فحبسته شيئًا-أخَّرته-، فظننتُ أنها تلبسه سخابًا -قلادة- أو تُغسِّله، فجاء يشتد حتى عانقه وقَبَّله، وقال: “اللهم أحبه وأحب من يحبه” (البخاري ومسلم).
- وعن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: “وُلِد لي غلام، فأتيت به النبي- صلى الله عليه وسلم-، فسماه إبراهيم، فحنَّكه بتمرة، ودعا له بالبركة ودفعه إليَّ” (البخاري).
- وعن أنس- رضي الله عنه- قال: “كان لي أخ يقال له أبو عمير، كان إذا جاءنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «يا أبا عمير، ما فعل النُغير- طائر صغير”، (البخاري ومسلم).
- وقال سهل بن سعد- رضي الله عنه-: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أُتِيَ بشراب، فشرب منه، وعن يمينه غلام، وعن يساره أشياخ، فقال للغلام: “أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟”، فقال الغلام: لا، والله لا أوثر بنصيبي منك أحدًا، قال: فتلَّه -وضعه في يده- رسولُ الله صلى الله عليه وسلم” (البخاري ومسلم).
- وروى أنس بن مالك- رضي الله عنه- موقفًا للنبي- صلى الله عليه وسلم- مع غلام يهودي، فقال: كان غلام يهودي يخدم النبي- صلى الله عليه وسلم- فمرض، فأتاه يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: “أسلم”، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال: أطع أبا القاسم، فأسلم، فخرج النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: “الحمإنَّ الرِّفْقَ لا يَكونُ في شَيءٍ إلَّا زانَهُ، ولا يُنْزَعُ مِن شَيءٍ إلَّا شانَهُ. د لله الذي أنقذه من النار” (البخاري).
- وعن أبي قتادة الأنصاري- رضي الله عنه-: “أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يصلي وهو حاملٌ أُمَامَة بنت زينب بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ولأبي العاص ابن الربيع بن عبد شمس، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها” (البخاري ومسلم).
إن الهدف الأكبر من التربية بالرفق هو تكوين رابطة وجدانية قائمة على مساندة المتربي وتطوير علاقة إيجابية معه ليتلقى التوجيه بارتياح، ولا بد من استخدام الألفاظ اللطيفة خلال عملية التربية، وإظهار الحب والعاطفة من خلال العناق والقبلات، والتشجيع على ممارسة الرياضة، وتعزيز الصحة الجسدية والنفسية.
مصادر ومراجع:
- أحمد الفراك: الرفق في تربية الأبناء.
- د. خالد روشه: التربية بالرفق.
- عبد اللطيف البريجاوي: إشاعة ثقافة الرفق في البيوت.
- محمود إسماعيل: أدب رسول الله ﷺ مع الأطفال.
- طريق الإسلام: مواقف نبوية مع الأطفال.